«سوق الرجال» قصة قصيرة للكاتبة شاهيناز الفقي

الكاتبة شاهيناز الفقي
الكاتبة شاهيناز الفقي

لم تَشترِ له علبة السجائر المستوردة كعادتها كل يوم، غيظها المكتوم كاد أن ينفجر داخلها حين سألها بعصبية عن سجائره، جلست تفترش الأرض في منتصف الغرفة، تعلَّق الرضيع بثديها، بينما تضع هي اللُّقيْمَات في فَمِ الفتاة الصغيرة ذات الجدائل الذهبية.

لم تكن مساحة الغرفة التي تقطنها تحتمل أكثر من سرير، فضَّلت أن ينام عليه الأطفال خشيةً على أجسادهم النحيلة من رطوبة الأرض. مدَّدت جسدها على الأرض وألقت ببصرها على السقف تراقب عنكبوتًا تدلَّى بخيوطه.

 ثلاث سنوات منذ ترك زوجها العمل وهي على هذه الحال، تحولت حياتها لمضمار سباق، تُسابِق الزمن لتعمل وتعتني بالصغار وتكفي طلبات البيت، والزوج على حاله يرفض كل فرص العمل التي عُرضت عليه، يبدو أنه يستمرئ ذلك الوضع. في البداية كان يشعر بالخجل وهي تمد يدها لتشتري اللحم أو تدفع حساب البقَّال، وبعد فترة بدأ يطلب منها على استحياء، أما اليوم فهي لم تَعُد قادرةً على تلبية طلباته التي لا تنقطع.

وفي نهاية اليوم لا يبالي بإرهاقها الجسدي، فإذا أعطته ظهرها يكون من نصيبها الإهانة والأذى الجسدي.

استدارت بجسدها المُنهَك للجهة الأخرى وقد خاصمها النوم تلك الليلة، ترن في أذنها كلمات عفاف جارتها وزميلتها في المصنع، عن الحرية والمرأة المستقلة التي لا تستند على رجل، المرأة التي لا تُهان ولا تُستغل، فكرت في تلك الكلمات وهي تشعر أنها أهدرت العمر مع ذلك الزوج المُستبِدّ المُستغِلّ.

ضاق صدرها وزفرت تنهيدة حارة وهي تفكر في عفاف، إنها واعية وذكية لا تستند في حياتها على رجل، استطاعت أن تدَّخر مبلغًا كبيرًا من عملها، وبالجمعيات والأقساط أكملت جهازها من الأشياء كافةً، وأصبح لديها شقة تملكها، ومبلغ يعينها على الحياة تحفظه في دفتر توفير. عفاف تحيا من دون رجل ولكنها سعيدة، أما هي فقد تحولت لثورٍ في ساقية الزمن، إلى متى ستحتمل هذا الوضع، إذا كانت هي تقوم بدور الرجل فلا جدوى من وجوده في حياتها، هي لا حاجة لها بخيال مآته كما قالت لها عفاف من قبل، فليذهب هو وسجائره المستوردة للجحيم.

في الغد ستُخيِره بين أمرين، إما أن يبحث عن عمل وينفق على البيت، وإما أن يتركها لحال سبيلها.

فاتحته في الأمر أخبرته أنها سئمت استغلاله لها، وأنه لا بُدَّ أن يعمل وينفق أو يرحل، لم يتردد في طلاقها ولم يُبدِ أسفًا عليها، حمل حاجياته ورحل، في الأسبوع التالي وقفت أُمُّ عفاف زميلتها تزغرد من الشباك، هرولت تستعلم الأمر، رأت زوجها يجلس بجوار والد عفاف الذي كان يُربِّت على كتفه، وهو يمدُّ يدَه بسيجارة مستوردة ويقول:

- ما تشيلش هَمّ حاجة يا ابني.. احنا بنشتري راجل.