كم يبلغ حجم النمو في التمويل الأخضر حتى عام 2030؟

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

كشف تقرير حديث صادر عن المفوضية العالمية للاقتصاد والمناخ الضوء على أن التحوّل إلى نهج مستدام منخفض الكربون للنمو يمكن أن يؤدي إلى ازدهار اقتصادي يبلغ 26 تريليون دولار حتى عام 2030، ويساعد على توفير أكثر من 65 مليون فرصة عمل جديدة.

وقد عزز هذا الوعي المتزايد من تطوير قوائم جديدة من الأصول يمكن تصنيفها تحت مظلة التمويل المستدام.

وتأخذ الأنشطة المصنفة تحت هذه الفئة في الحسبان الاعتبارات البيئية والاجتماعية.

وتشمل الفئات الأخرى الفرعية أو الفئات ذات الصلة التمويل المناخي، والتمويل الأخلاقي، والتمويل المسؤول، والتمويل الأخضر.

ما هو التمويل الأخضر؟

تُعرِّف "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" التمويل الأخضر بأنه تمويل يستهدف "تحقيق النمو الاقتصادي مع الحد من التلوث وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتقليل النفايات إلى الحد الأدنى، وتحسين كفاءة استخدام الموارد الطبيعية." على مدار العقد الماضي، شهد سوق التمويل الأخضر العالمي نموًا سريعًا، في ظل تطوير أدوات مالية مثل السندات المصنفة باعتبارها خضراء والصكوك غير المصنفة، والقروض الخضراء، وصناديق الاستثمار الخضراء، والتأمين الأخضر، والصكوك الخضراء التي صدرت في الآونة الأخيرة. وعلى الرغم من إصدار أول سندات خضراء في عام 2008، فقد تطور السوق بشكل كبير لحشد التمويل لصالح أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر من خلال توفير الهياكل المبتكرة والتصنيفات والأطر الحاكمة.

وتقدّر "شركة تمويل تطوير البنية التحتية" التمويل الأخضر بما يصل إلى 134 مليار دولار. ووفقًا لشركة "تومسون رويترز"، في عام 2019، تم إصدار ما مجموعه 185.4 مليار دولار من السندات الخضراء، وهي صكوك سوق الدين، حيث تخصص عوائد المشاريع المؤهلة الخضراء التي تستهدف أنشطة تخفيف آثار تغيّر المناخ والتكيّف معه، إضافة إلى القضايا البيئية الأخرى مثل الطاقة، والمياه، والنقل، والنفايات، والمباني، وما إلى ذلك.

التمويل الإسلامي

يعتبر التمويل الإسلامي أداة تمويل أخلاقية وشاملة ومسؤولة اجتماعيًا، لأنه يربط القطاع المالي بالاقتصاد الحقيقي، ويرسخ مبدأ تقاسم المخاطر، والتمويل على غرار الشراكة والمسؤولية الاجتماعية، وقد برز كأداة فعالة لتمويل مشاريع التنمية في جميع أنحاء العالم. وهذا يفسر أهميته المتزايدة كآلية بديلة في تمويل مشاريع البنية التحتية. ففي النظام المالي الإسلامي، يتعين أن ترتبط المعاملات بالأصول، وهو ما يعزز من استقرار القطاع المالي، ويؤسسه على مجموعة من العقود القانونية الإسلامية التي ترسخ مبدأ تقاسم الأرباح والخسائر. بالإضافة إلى ذلك، هناك دعم لمبادئ العدالة الاجتماعية والتضامن والتبادل، في حين يُحظر الاستثمار في القطاعات التي تعتبر غير أخلاقية.

من جانب آخر، يتمتع التمويل الإسلامي بإمكانات من شأنها أن تسد الفجوة المالية المطلوبة لتحقيق أجندة أهداف التنمية المستدامة، وتحقيق التحوّل إلى الاقتصاد الأخضر. وهذا يبرر وصفه من قبل المشاركين في "المؤتمر الدولي الثالث لتمويل التنمية" الذي عقد في أديس أبابا في يوليو 2015، كبديل واعد لمصادر التمويل التقليدية، والتوصية بالاستفادة منه في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

يتألف القطاع المالي الإسلامي من أربعة قطاعات رئيسية وهي: الصيرفة الإسلامية، والصناديق الإسلامية، والتكافل (التأمين الإسلامي)، وسوق الصكوك. وبينما يمكن للقطاعات الأربعة أن تساهم في تمويل أهداف التنمية المستدامة، فقد اجتذب قطاع الصكوك اهتمامًا كبيرًا في الأونة الأخيرة في ما يتعلق بتطوير الصكوك الخضراء وصكوك الاستثمار الخضراء والمستدامة والمسؤولة. كما تسهل الصكوك استهداف قاعدة أوسع من المستثمرين العالميين تضم كلا من المستثمرين التقليديين والإسلاميين.

الصكوك

تُعرّف "هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية" الصكوك بأنها شهادات ذات قيمة متساوية، تمثل حصصًا غير مقسمة في ملكية أصول ملموسة، أو حقوق انتفاع وخدمات، أو في ملكية أصول مشاريع محددة، أو أنشطة استثمارية من نوع خاص.

ويعد سوق الصكوك من أسرع القطاعات نموًا في القطاع المالي الإسلامي، حيث يبلغ إجمالي الأصول المالية الإسلامية العالمية وإصداراتها الجديدة قرابة 24.2٪، بقيمة إجمالية بلغت 93 مليار دولار في عام 2018، وفقًا لمجلس الخدمات المالية الإسلامية.

وتمثل الصكوك، التي تتسم غالبًا بالكفاءة باعتبارها سندات إسلامية، أداة مبتكرة لتمويل المشاريع الخضراء. وتُسهّل متطلبات دعم الأصول الخاصة بهذه الصكوك ارتباطها بالاقتصاد الحقيقي، وبالتالي، تُوّسع نطاق القطاعات البيئية التي يمكن تمويلها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن هيكلة الصكوك بطرق مختلفة، باستخدام عقود إسلامية فردية أو مختلطة، مثل عقود الوكالة والشراكات والتأجير. وتسهل هذه المرونة الابتكار المالي في تلبية احتياجات التمويل المحددة.

ويمكن أن تُسهم الصكوك الخضراء في تحقيق تسعة من أهداف التنمية المستدامة، وهي المتعلقة بالصحة الجيدة والرفاهية (الهدف الثالث)، والتعليم الجيد (الهدف الرابع)، والمياه النظيفة والبنية التحتية (الهدف السادس)، والطاقة النظيفة بأسعار معقولة (الهدف السابع)، والعمل المناسب والنمو الاقتصادي (الهدف الثامن)، والصناعة والابتكار والبنية التحتية (الهدف التاسع)، والمدن والمجتمعات المستدامة (الهدف الحادي عشر)، والاستهلاك والإنتاج المسؤولين (الهدف الثاني عشر)، والإجراءات المناخية (الهدف الثالث عشر).

لقد رأينا لأول مرة مدى تأثير الصكوك في عام 2017، عندما أصدرت شركة "تاداو إنرجي" أول صكوك خضراء في العالم لتمويل مشروعات الطاقة الشمسية في ماليزيا. ومنذ ذلك الحين، شهد السوق تطورًا ملحوظًا مع بلوغ حجم إصدار الصكوك الخضراء 5.38 مليار دولار في نهاية عام 2019، وهو ما يمثل 58 إصدارًا من قبل تسع جهات مختلفة، تقودها شركات في ماليزيا ومجلس التعاون لدول الخليج العربية. كما تم دعم تطوير سوق الصكوك الخضراء من خلال تنفيذ أطر تمكينية، مثل إطار عمل صكوك الاستثمار الخضراء والمستدامة والمسؤولة الخاص بلجنة الأوراق المالية الماليزية، وإطار السندات والصكوك الخضراء في إندونيسيا.

نحو تمويل أخضر مختلط

تُعرِّف "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" التمويل المختلط بأنه الاستخدام الاستراتيجي لتمويل مشاريع التنمية لحشد تمويل إضافي نحو التنمية المستدامة في البلدان النامية. وهذا يتطلب إعادة النظر في مصادر التمويل الأخرى والاستفادة من الصناديق العامة المحدودة وتمويل مشاريع التنمية. يأتي التمويل الاجتماعي الإسلامي من بين الأمثلة الجيدة على مصادر التمويل. ويتألف قطاع التمويل الاجتماعي الإسلامي بشكل عام من المؤسسات الإسلامية التقليدية مثل الزكاة والأوقاف، وكذلك التمويل الإسلامي البالغ الصغر. وعادة ما تستهدف هذه القطاعات الشريحة الدنيا في الهرم السكاني، التي تفتقر إلى شبكات الأمان الأساسية، مثل التعليم والأنظمة الصحية المناسبة والغذاء والاحتياجات الأساسية الأخرى.

من ناحية أخرى، تأتي الزكاة والأوقاف في قلب النظام الاقتصادي الإسلامي، حيث أنها ترسخ مبادئ العدالة الاجتماعية، والتضامن، والأخوة، والمشاركة، في حين يُمكّن التمويل البالغ الصغر الشركات الصغيرة، التي لا تستطيع عادة الوصول إلى طرق التمويل التقليدية، من الوصول إلى تمويل المشاريع الصغيرة التي تدر عائدات، وبالتالي يقلل من اعتمادها على الأعمال الخيرية. كما لعبت مؤسسات الزكاة والأوقاف دورًا مهمًا في الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والدينية للمسلمين على مدار قرون عديدة. واليوم، يدعو الكثير من العلماء في العالم الإسلامي إلى إحياء هذه المؤسسات لمواجهة تحديات التنمية المعاصرة، بما في ذلك قضايا البيئة. ويمكن استخدام أموال الزكاة والأوقاف في معاملات التمويل الأخضر المختلط، بهدف معالجة العديد من أهداف التنمية المستدامة، وتطوير حلول شاملة وصديقة للبيئة لفائدة المزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة، وحصول المناطق الريفية على الطاقة النظيفة وحلول الطهي، ومعالجة المياه، وحلول الصرف الصحي، وما إلى ذلك.

اقرأ أيضاً: خالد حنفي: التمويل الأخضر مفتاح التنمية وخلق الاستثمارات