وداعاً فراشة مصر.. ماجدة صالح

ماجدة صالح
ماجدة صالح

رضوى‭ ‬خليل

رحلت‭ ‬عنا‭ ‬هذا‭ ‬الأسبوع‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الرواد‭ ‬الذين‭ ‬كتبوا‭ ‬تاريخ‭ ‬الفن‭ ‬الكلاسيكي‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬وكانت‭ ‬من‭ ‬الخمس‭ ‬الكبار‭ ‬في‭ ‬فن‭ ‬الباليه،‭ ‬وأول‭ ‬من‭ ‬ألتحق‭ ‬بمعهد‭ ‬الباليه‭ ‬بأكاديمية‭ ‬الفنون‭ ‬بعد‭ ‬تأسيسه‭.. ‬حديثنا‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬ماجدة‭ ‬صالح‭ ‬أول‭ ‬باليرينا‭ ‬مصرية‭.‬

ولدت‭ ‬ماجدة‭ ‬صالح‭ ‬لأب‭ ‬مصري‭ ‬وأم‭ ‬أسكتلندية،‭ ‬وكان‭ ‬الأب‭ ‬يدرس‭ ‬علوم‭ ‬الزراعة‭ ‬في‭ ‬أسكتلندا،‭ ‬حيث‭ ‬تعرّف‭ ‬على‭ ‬والدة‭ ‬ماجدة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬ويتدرج‭ ‬في‭ ‬المناصب‭ ‬الأكاديمية،‭ ‬حتى‭ ‬شغل‭ ‬منصب‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬الجامعة‭ ‬الأمريكية‭.‬

بداية‭ ‬الحلم

بدأت‭ ‬ماجدة‭ ‬تتعلم‭ ‬فن‭ ‬الباليه‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬مبكرة،‭ ‬حيث‭ ‬ألتحقت‭ ‬بمعهد‭ ‬“الكونسرفتوار”‭ ‬في‭ ‬الإسكندرية،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يضمّ‭ ‬قِسما‭ ‬للباليه‭ ‬يشرف‭ ‬عليه‭ ‬معلمون‭ ‬من‭ ‬الأكاديمية‭ ‬الملكية‭ ‬البريطانية‭.‬

وفي‭ ‬المعهد‭ ‬العالي‭ ‬للباليه‭ ‬بالقاهرة،‭ ‬أكملت‭ ‬ماجدة‭ ‬تعليمها،‭ ‬لتحصل‭ ‬عام‭ ‬1963‭ - ‬مع‭ ‬4‭ ‬زميلات‭ ‬لها‭ - ‬على‭ ‬منحة‭ ‬دراسية‭ ‬في‭ ‬موسكو‭ ‬بأكاديمية‭ ‬“البولشوي”‭ ‬الروسية،‭ ‬حيث‭ ‬أُطلق‭ ‬عليهن‭ ‬لقب‭ ‬“بولشوي‭ ‬فايف”‭.‬

وبعد‭ ‬عودتهن‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬قدمن‭ ‬عام‭ ‬1966،‭ ‬بحضور‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر،‭ ‬وأول‭ ‬عرض‭ ‬باليه‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭ ‬بعنوان‭ ‬“نافورة‭ ‬بختشي‭ ‬سراي”،‭ ‬للمؤلف‭ ‬الروسي‭ ‬بوريس‭ ‬أسافييف،‭ ‬وكان‭ ‬العرض‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬المصرية‭ ‬بالقاهرة،‭ ‬ونالت‭ ‬بعده‭ ‬وسام‭ ‬الإستحقاق‭.‬

بختشي‭ ‬سراي

يحكي‭ ‬باليه‭ ‬“نافورة‭ ‬بختشي‭ ‬سراي”،‭ ‬الذي‭ ‬وضعه‭ ‬المؤلف‭ ‬الروسي‭ ‬بوريس‭ ‬أسافييف‭ ‬عام‭ ‬1934،‭ ‬حكاية‭ ‬أميرة‭ ‬بولندية‭ ‬اختطفها‭ ‬سلطان‭ ‬شمال‭ ‬البنغال‭ ‬تاتار‭ ‬خان،‭ ‬وأحب‭ ‬الجمهور‭ ‬المصري‭ ‬هذا‭ ‬العرض‭ ‬الذي‭ ‬حضره‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬جمال‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬ومنح‭ ‬أبطاله‭ ‬وسام‭ ‬الاستحاق،‭ ‬ومنهم‭ ‬ماجدة‭ ‬صالح‭. ‬

الماجستير‮ ‬

غادرت‭ ‬ماجدة‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬الماجستير‭ ‬في‭ ‬الرقص‭ ‬الحديث‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬كاليفورنيا،‭ ‬ثم‭ ‬الدكتوراة‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬نيويورك،‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬توثيقية‭ ‬لتاريخ‭ ‬الرقص‭ ‬الشعبي‭ ‬المصري‭.‬

وعادت‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭ ‬للعمل‭ ‬كعميد‭ ‬في‭ ‬المعهد‭ ‬العالي‭ ‬للباليه‭ ‬1966،‭ ‬ثم‭ ‬مدير‭ ‬مؤسسة‭ ‬لدار‭ ‬أوبرا‭ ‬القاهرة‭ ‬الجديدة،‭ ‬والتي‭ ‬أُعيد‭ ‬افتتاحها‭ ‬عام‭ ‬1988‭.‬

مسارح‭ ‬عالمية

رقصت‭ ‬ماجدة‭ ‬على‭ ‬خشبة‭ ‬مسرح‭ ‬“البولشوي”،‭ ‬ومسرح‭ ‬قصر‭ ‬المؤتمرات‭ ‬في‭ ‬ألمانيا،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المسارح‭ ‬العالمية‭ ‬طوال‭ ‬تاريخها‭.‬

وفي‭ ‬حوار‭ ‬مع‭ ‬جريدة‭ ‬“نيويورك‭ ‬تايمز”‭ ‬الأمريكية،‭ ‬قالت‭ ‬ماجدة‭ ‬إنها‭ ‬تعتز‭ ‬كثيرا‭ ‬بثناء‭ ‬رجل‭ ‬مصري‭ ‬بسيط‭ ‬من‭ ‬أسوان‭ ‬على‭ ‬أدائها،‭ ‬قائلة‭: ‬“كان‭ ‬هناك‭ ‬إصرار‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المصريين‭ ‬لن‭ ‬يقبلوا‭ ‬فكرة‭ ‬الباليه‭ ‬في‭ ‬مصر‭.. ‬لكننا‭ ‬كنا‭ ‬على‭ ‬صواب”‭.‬

بعد‭ ‬ذلك‭ ‬توالت‭ ‬عروض‭ ‬الباليه،‭ ‬ثم‭ ‬كانت‭ ‬الذروة‭ ‬الفنية‭ ‬لماجدة‭ ‬حين‭ ‬قدمت‭ ‬دور‭ ‬“غيزيل”‭ ‬على‭ ‬مسرح‭ ‬“البولشوي”‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1972،‭ ‬ويعدّ‭ ‬أفضل‭ ‬أداء‭ ‬لها‭ ‬كباليرينا،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الأخير‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬قولها،‭ ‬وكانت‭ ‬ماجدة‭ ‬حينها‭ ‬تعاني‭ ‬مشكلات‭ ‬في‭ ‬عضلات‭ ‬جسمها‭.‬

مشاركات‭ ‬سينمائية

عام‭ ‬1971،‭ ‬شاركت‭ ‬ماجدة‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬“ابنتي‭ ‬العزيزة”،‭ ‬إذ‭ ‬جسدت‭ ‬دور‭ ‬“ليلى”‭ ‬طالبة‭ ‬وراقصة‭ ‬الباليه،‭ ‬وعام‭ ‬2016‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬الوثائقي‭ ‬“هامش‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الباليه”‭ ‬بشخصيتها‭ ‬الحقيقة‭ ‬كراوية‭ ‬لتاريخ‭ ‬الباليه‭ ‬في‭ ‬مصر‭.‬

اعتزال

تزوجت‭ ‬ماجدة‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬المصريات‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬نيويورك‭ ‬للفنون‭ ‬الجميلة،‭ ‬جاك‭ ‬جوزفسون،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1993،‭ ‬اعتزلت‭ ‬ماجدة‭ ‬الرقص‭ ‬رسميا‭ ‬بسبب‭ ‬مشكلة‭ ‬صحية‭ ‬في‭ ‬ظهرها‭.‬

قالوا‭ ‬عنها

قالت‭ ‬وزيرة‭ ‬الثقافة‭ ‬المصرية‭ ‬د‭. ‬نيفين‭ ‬الكيلاني،‭ ‬إن‭ ‬ماجدة‭ ‬صالح،‭ ‬رفعت‭ ‬اسم‭ ‬مصر‭ ‬عاليًّا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العروض‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬وخارجها،‭ ‬وحرصت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أبحاثها‭ ‬الأكاديمية‭ ‬على‭ ‬توثيق‭ ‬تراث‭ ‬الرقص‭ ‬الشعبي‭ ‬المصري‭ ‬لتكون‭ ‬بحق‭ ‬رائدة‭ ‬فن‭ ‬الباليه‭ ‬في‭ ‬مصر‭.‬

وقالت‭ ‬عنها‭ ‬الفنانة‭ ‬شيريهان‭:‬‮ ‬“رحلت‭ ‬في‭ ‬سلام‭ ‬وصمت‭ ‬سيدة‭ ‬رائعة،‭ ‬رائدة‭ ‬من‭ ‬سيدات‭ ‬مصر‭ ‬الرائدات،‭ ‬رفعت‭ ‬اسم‭ ‬مصر‭ ‬عاليًّا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العروض‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬وخارجها،‭ ‬رائدة‭ ‬فن‭ ‬الباليه‭ ‬الأستاذة‭ ‬الدكتورة‭ ‬ماجدة‭ ‬صالح،‭ ‬أشهر‭ ‬وأول‭ ‬راقصة‭ ‬باليه‭ ‬مصرية‭ ‬وعربية،‭ ‬صاحبة‭ ‬أول‭ ‬عرض‭ ‬باليه‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭ ‬عام‭ ‬1966”‭.‬

أما‭ ‬كمال‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬مدير‭ ‬التصوير‭ ‬السينمائي‭ ‬فقال‭:‬‮ ‬“وداعا‭ ‬فراشة‭ ‬الأوبرا‭ ‬دكتورة‭ ‬ماجدة‭ ‬صالح،‭ ‬أشهر‭ ‬راقصة‭ ‬باليه‭ ‬مصرية‭ ‬وعربية،‭ ‬صاحبة‭ ‬أول‭ ‬عرض‭ ‬باليه‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭ ‬عام‭ ‬1966،‭ ‬مديرة‭ ‬الأوبرا‭ ‬عام‭ ‬1987،‭ ‬عميد‭ ‬المعهد‭ ‬العالي‭ ‬للباليه،‭ ‬ساعدتني‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬فيلمي‭ (‬حرق‭ ‬أوبرا‭ ‬القاهرة‭)‬،‭ ‬حكايات‭ ‬وذكريات‭ ‬محفورة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الأوبرا،‭ ‬فلترقدي‭ ‬في‭ ‬سلام‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬عليكي”‭.‬

اقرأ أيضًا : «قومي المرأة» ينعى الدكتورة ماجدة صالح أول راقصة باليه مصرية


 

;