ارتفاع أسعار الجاهزة أحيا طقوس زمان.. السجائر تعود إلى «اللف»

سجائر اللف
سجائر اللف

■ كتبت: علا نافع

مع إرتفاع أسعار السجائر المحلية والمستوردة أصبح صعبًا على محمود أن يشترى نوع سجائره المفضل، فبعد أن كان يستهلك أكثر من علبتين يوميًا تقلص استهلاكه لنصف الكمية، ثم قرر الاستغناء عنها بالسجائر الملفوفة إذ باتت إحدى تقاليع الشباب، فضلًا عن سعرها الرخيص، فلفافة تبع أمريكية تزن ربع كيلو لن تكلفك سوى 70 جنيهًا، إضافة إلى مستلزماتها من ماكينة اللف التى تُشترى مرة واحدة، وقد يدوم استخدامها طيلة سنوات العمر، أما دفاتر البفرة والفلاتر بأعدادها المتباينة فلا يزيد سعرها على 50 جنيهًا، وإذا نفدت الفلاتر يمكن استبدالها بلفائف كرتونية أو الاستغناء عنها تمامًا.

يحرص محمود على تجربة كافة أنواع التبغ المستورد سواء الأمريكي أو الهولندي أو الإسباني، كذلك روائحه ونكهاته المختلفة من الفانيليا والفراولة، كذلك الشعر والهريس، لا يأبه بأضراره الصحية رغم أن الأبحاث العلمية أثبتت أن أضراره على الرئة ضعف السجائر العادية.. يحمل أكثر من دفتر بفرة تجنبًا لنفادها وتحديدًا ذو اللون الداكن المعروف باسم الشوكولاتة، حيث إن له نكهة مسكرة ورائحة مميزة تدوم على اللسان وقتًا طويلًا، ويعدد لأصدقائه ميزاته وكيفية التفنن فى صناعته سواء من قش الأرز أو القمح، وهذا ما يضفى على الورقة رقة وشفافية، يتمنى أن ينشئ ناديًا يضم مدخني السجائر اللف بمصر خاصة أن أعدادهم فى تزايد.

◄ مزاج الأجداد
لم يتوقف الحاج مرزوق عن تدخين السجائر الملفوفة يومًا منذ أن بدأ تدخينها منذ أكثر من خمسين عامًا، إذ وقع فى غرامها بدءًا من لف ورقة البفرة يدويًا بحفنة من التبغ حتى استنشاق رائحته النفاذة والاستمتاع بمذاق دخانه، حتى أنه اعتاد مضغ التبغ الإسبانى خاصة فى أوقات شعوره بالحزن أو التوتر، ولم يستمع إلى نصائح أصدقائه وأقاربه بالإقلاع عن هذه السجائر وتجربة الأخرى الجاهزة، فالأخيرة ـ بحسب قوله - لا تساعده على الاستمتاع بالتدخين، حيث إن تركيز النيكوتين بها يكون خفيفا كما يعتقد.

يمسك ماكينة اللف بلونها الفضى اللامع والمعروفة بـ«المَرل»، يضع بداخلها ورقة البفرة الشفافة لتحولها إلى سيجارة ويذيلها بالفلتر تفاديًا لأضرارها الصحية، وقد ورث مرزوق حب تلك السيجارة عن والده وجده اللذين اعتادا تدخينها فى ساعة العصارى بقريتهما البعيدة فى إحدى محافظات الصعيد، وكانا يجلبان دفتر بفرة «الأوتومان» الشهير من القاهرة ويقدمانه كهدية قيمة للأصدقاء والأقارب.

الغريب أن الكثير من شباب القرية باتوا يأتون للعم مرزوق ليتعلموا منه طريقة لف السجائر، فبعد ارتفاع أسعار السجائر الجاهزة فى الآونة الأخيرة، لم يكن أمامهم أى حل سوى العودة لمزاج أجدادهم، يتعثرون فى لفها ببداية الأمر لكن بمرور الوقت تعتاد أصابعهم عليها، وتحتضن جيوبهم لفافة التبغ سواء الشعر أو الهرس مع دفتر البفرة بمظروفه مختلف الألوان، والفلاتر الدقيقة، يستمعون لنصيحة أسلافهم بتجربة تبغ «الوالي» نسبة لوالى مصر محمد على أشهر تجّار الدخان ومحتكر زراعته بمصر فى القرن التاسع عشر، فذلك النوع يأتى معه دفتر بفرة مجانى به خمسين ورقة فضلًا على كونه أحد أجود أنواع التبغ الشعر، كما يعد أحد منتجات الشركة الشرقية للدخان بجانب تبغ الماتوسيان.

◄ ورقة بفرة
لا أحد يعلم تحديدًا بداية اتجاه المصريين إلى تدخين السجائر الملفوفة، إلا أن هناك روايات كثيرة عن انتشار زراعة التبغ فى عهد محمد على وكيف أصبح ذا شهرة عالمية، ما حفَّز الكثير من الأجانب على افتتاح مصانع الدخان مثل اليونانى جياناكليز، الإخوان كريازي، حتى جاء عام 1920 وأصدر السلطان أحمد فؤاد مرسومه بإنشاء الشركة الشرقية للدخان لمحاربة الإنتاج الأجنبى للسجائر، واندمجت شركة ماتوسيان التركية مع الشركة الشرقية بعد قرار تأميمها فى العهد الناصرى لتصبح الشركة الرائدة فى تلك الصناعة إلى الآن.

أما ورق البفرة فتناثرت الأقوال بأن أحد الجنود المصريين الملتحقين بسلاح المدفعية فى عهد محمد على ابتكر طريقة لف التبغ فى إحدى الأوراق الحافظة للرصاصات، ثم نقلها لباقى أقرانه، وهذا ما شجع انتشار مصانع البفرة بمصر وكان على رأسها «مغربي».

أما «أوتومان» فارتبط مع المصريين بعلاقة وطيدة امتدت لأكثر من سبعين عامًا، وهذا ما جعل أصحابها بالأردن يفتتحون لهم مصنعًا بمصر، وامتازت تلك البفرة بخشونة ملمسها ما يجعلها تحتفظ بالتبغ مدة أطول بحسب رأى الأجداد، وانتشرت دفاتر البفرة المستوردة بأنواعها الحريمى والرجالي.

◄ باب البحر
ورغم حظر الحكومات زراعة التبغ، فإن أكشاك ومصانع السجائر مازالت تعمل بكفاءة عالية، ومؤخرًا شهدت إقبالًا واسعًا على شراء مستلزمات السجائر الملفوفة يدويًا أو بالماكينة بعد ارتفاع أسعار السجائر المصنعة على فترات متتالية، ففى منطقة باب البحر برمسيس التى تعد واحدة من أشهر مناطق الدخاخنية وبيع التبغ بكافة أنواعه تعج الشوارع بزبائن وباعة ينادون على بضاعتهم ويلوحون بها عاليًا، رائحة التبغ تملًا المكان، أما دفاتر البفرة فتزين الرفوف بألوانها وأحجامها المختلفة.

يقول أشرف كامل إن ارتفاع أسعار علب السجائر جعل الزبون فى حيرة من أمره وحفزه ذلك على تدخين السجائر الملفوفة وشراء مستلزماتها المختلفة فعلبة التبغ ذات الربع كيلو يمكنها أن تكفى لصناعة أكثر من عشر علب سجائر، فضلًا عن قوة تركيز النيكوتين بها مقارنة بالأخرى، مشيرًا إلى أنه قديمًا كان أهل الريف والصعيد الأكثر إقبالًا عليها لكن حاليًا انضم الشباب والسيدات لهم.

يتابع: تتنوع أنواع التبغ بالسوق فهناك المستورد الذى يأتى من أمريكا، هولندا، أسبانيا، البرازيل، ويصل سعر الربع منه ما بين 70 إلى 80 جنيهًا، أما المصرى المعبأ بالشركة الشرقية للدخان فسعر 65جم منه يتراوح ما بين 20 إلى 30 جنيهًا، ويعد تبغ «الوالي»، «المغربي»، «ماتوسيان» الأشهر على الإطلاق منذ أكثر من مئة عام، ويتنوع ما بين «الشعر» ذى الرائحة النفاذة واللون الفاتح على عكس»الهرس» ذو اللون الداكن والقوام السائب.

وحول نكهات تبغ السجائر الملفوفة يقول: راعي أصحاب المصانع أذواق المدخنين المختلفة، فأدخلوا نكهات خفيفة حريمي مثل الفانيليا، الفراولة، كذلك التبغ الفرجيني والفيلر لأصحاب المزاج العالى فأغلب عشاقه يمضغونه كالعلكة كما كان يفعل الأجداد قديمًا.

◄ الفلاتر والورق
أما عادل حنا (تاجر) فيقول: لا يحتاج مدخن السجائر الملفوفة إلا لماكينة «المرل»، ويصل سعرها إلى 70 جنيهًا، فلا تحتاج وقتًا أو مجهودًا يكفى أن يضع التبغ داخل ورقة البفرة ثم تضغط عليها داخل الماكينة لتخرج السيجارة على الفور، ويفضل البعض لفها بشكل يدوى لاستنشاق رائحة التبغ القوية.

أما دفاتر البفرة فهناك تنوع فى أسعارها، على سبيل المثال دفتر «الأتومان» يحتوى على 60 ورقة بسعر 30 جنيهًا، ويمتاز بسمك ورقته ولونها الأبيض الشفاف ولعل هذا أحد أسباب استخدامه كلاصق للجروح فى الصعيد، وهناك أيضًا المغربى بسعر 10 جنيهات للدفتر ذى 50 ورقة وليبرو المستورد، مشيرًا إلى أن نوع الورق يتباين بين الخفيف والورق الزبدة والأكثر سمكًا.

ويضيف: هناك ورق الشوكولاتة ذو اللون الداكن وهو إسبانى الصنع ويصل سعر الدفتر إلى 150 جنيهًا، إذ يحتوى على نكهة مسكرة تدوم فى الفم وقتًا طويلًا، كما يمنع تحول لون الشفتين إلى البني، مؤكدًا أن الفلاتر بات بها تنوع أيضًا لتناسب الجنسين ووصل سعر العلبة ذات الـ200 فلتر إلى 30 جنيهًا. 

◄ جشع التجار
وعن الإقبال على السجائر الملفوفة يقول إبراهيم إمبابي، رئيس الشعبة العامة للدخان والسجائر باتحاد الصناعات: تتراوح الزيادة الأخيرة فى أسعار السجائر بين نصف جنيه وجنيهين، إلا أن بعض التجار استغلوا ذلك ورفعوا الأسعار بأكثر من ثلاثة جنيهات بهدف زيادة أرباحهم، مشيرًا إلى أن هناك باركود يمكن للمستهلك من خلاله معرفة أسعار السجائر المستوردة من خلال الموبايل. مؤكدًا أن زيادة الأسعار كانت نتيجة لارتفاع سعر المواد الخام وتأثير الحرب الروسية الأوكرانية فضلًا عن تكاليف الإنتاج المستمرة فى الصعود.