ثالث أكبر مسجد أثري في مصر.. «الظاهـر بيبرس» يعود للحياة

مسجد الظاهر بيبرس
مسجد الظاهر بيبرس

■ كتبت: ريحاب محمد

أعادت وزارة الأوقاف الحياة إلى مسجد الظاهر بيبرس، ثالث أكبر مسجد أثرى فى مصر بعد مسجدي الحاكم بأمر الله وأحمد بن طولون، ورابع أكبر مسجد فى مصر بعد أن تم بناء «مسجد مصر ومركزها الثقافى الإسلامي» بالعاصمة الإدارية الجديدة، حيث ساهمت وزارة الأوقاف في تطويره بمبلغ 60.5 مليون جنيه، وافتُتِح رسميًا الآن بعد 225 عامًا من الإغلاق، ما سبّب فرحة كبيرة للمواطنين خصوصًا سكان حى الظاهر حيث يقع المسجد.

في هذا التحقيق التقت «آخرساعة» مسئولي اللجنة المشرفة على ترميم المسجد من مفتشي الآثار والأوقاف وكذلك سكان الحى والمصلون وبحثت فى تاريخ المسجد العريق وسبب إغلاقه وافتتاحه.

وسط فرحة المصريين خاصة سكان حى الظاهر، جرى افتتاح مسجد الظاهر بيبرس، حيث صرح وزير الأوقاف، الدكتور محمد مختار جمعة، أن هذا المسجد الأثرى المهم ظل يؤدى رسالته مسجدًا لنحو 550 عامًا وبدخول الحملة الفرنسية (1798م) استخدمته موقعًا عسكريًا، ثم توالت عليه الأحداث فى عصر محمد علي، ثم الحملة الإنجليزية إلى أن بدأ التفكير فى إعادة ترميمه بتنسيق بين الدولة المصرية والجانب الكازاخي ما بين عامى 2007 و2008، ثم توقف العمل وعاد بقوة فى 2018، إلى أن تم على هذا المستوى بتكلفة تقدر بنحو 237 مليون جنيه، ساهم فيها الجانب الكازاخى بـ4 ونصف مليون دولار فى 2007 و2008، وساهمت وزارة الأوقاف بـ60 مليوناً و500 ألف جنيه من مواردها الذاتية، ونحو 150 مليون جنيه من وزارة السياحة والآثار ما بين مواردها الذاتية ودعم موازنة الدولة من وزارة التخطيط والمالية.

وتاريخيًا، أنشأ المسجد الظاهر بيبرس البندقداري سنة 665 هجرية، وأكمله 667هـ، وجعل باقى الميدان وقفًا على الجامع. ولما جاء الفرنسيون لمصر ركبوا فيه المدافع واتخذوه قلعة ثم تحوّل فى عصر محمد علي إلى معسكر لطائفة التكارنة السنغالية، ثم مصنع للصابون، وأخيرًا تحوّل لمذبح فى عهد الاحتلال الإنجليزي، وفى سنة 1839م اهتمت لجنة حفظ الآثار العربية بإصلاح الجامع ومحاولة إرجاعه لمهمته الأصلية.

◄ اقرأ أيضًا | محافظ القاهرة يؤدي صلاة الجمعة في مسجد الظاهر بيبرس

وقد جاءت منحة لترميم المسجد في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وحدث غش فى نوع الطوب والبناء، ووقتها احتج الدكتور حجاجى إبراهيم والدكتور أحمد الزيات على فساد الترميم، وتم الإطاحة بهما من اللجنة الدائمة للآثار، وتم تشكيل لجنة جديدة وافقت على الترميم. أما عن باب المدرسة الظاهرية بشارع المعز بجوار سبيل محمد علي، فقد أخذته السفارة الفرنسية، وهو ما أكده الدكتور حجاجى إبراهيم رئيس قسم الآثار الاسلامية جامعة طنطا. وقال لـ«آخرساعة»: هذه المدرسة مغلقة حاليًا وكان من المفترض أن يذهب هذا الباب للجامع نفسه، ولكن أخذته السفارة الفرنسية، ويستخدم كجزء تزين به السفارة من الداخل. وأكد أنه لا يمكن استرجاع هذا الباب لأن السفارة حصلت عليه على سبيل الهدية.

◄ د.حجاجي إبراهيم: السفارة الفرنسية أخذت باب المدرسة الظاهرية هدية

وقد تردد أن المسجد تعرض فى فترات سابقة لسرقة أجزائه، وأوضح الدكتور حجاجي أن المسجد مر بظروف وعوامل كثيرة، فمرة تحول لمذبح ومرة لمصنع صابون ومرة مشاع للجميع، ولذلك أُخِذت منه أشياء كثيرة، لكننى سعيد الآن بافتتاح المسجد بعد عقود طويلة.

ويختلف معه فى الرأى الدكتور أيمن فؤاد سيد، أستاذ التاريخ الإسلامي، رئيس الجمعية التاريخية، حيث يقول إن أخذ السفارة الفرنسية للباب غير موثق وغير مؤكد، فهناك أشياء كثيرة نُهبت منه، لأنه كان فى مكان مهجور خارج أسوار القاهرة ومعرض للنهب بسهولة، فالجامع فيه 4 أبواب و4 مداخل بارزة فلماذا هذا الباب بالتحديد؟ ففى فترة الحملة الفرنسية نُهب الجامع حتى المنبر والصحن والمحراب.. ولا توجد قصة محددة للسرقة.

◄ مفتش «الأوقاف»: المسجد لم يغلق يومًا في وجه الشعائر الدينية

فيما قال أحمد كمال، مفتش الآثار بمنطقة وسط القاهرة، مسئول اللجنة المشرفة على ترميم المسجد، إن المسجد ظل مغلقًا لمدة 220 سنة تقريبًا، ولكن ليس مغلقًا للصلاة، بل مغلق كمسجد ككل، ومع ذلك كان يخصص فيه مكان للصلاة بالتنسيق مع الشركة المنفذة للمشروع، فالحمد لله لم يغلق أبدًا فى وجه الشعائر وظل مفتوحًا رغم أعمال الترميم.

وأوضح: المسجد أُغلِق لأنه كان يعانى الإهمال وبه أضرار جسيمة بسبب ارتفاع منسوب المياه الجوفية، بالتالى كان أول أهدافنا لإعادة المسجد لحالته وجوب تثبيت منسوب المياه الجوفية، وهو ما تم تنفيذه، ثم بعد ذلك بدأنا الحفاظ على الأجزاء الأثرية الموجودة فى المسجد وترميمها بدقة، بالإضافة لوجود أجزاء كانت متهدمة بالمسجد بدأنا بعمل إعادة إعمارها، أما الأسوار الخارجية الحجرية فكانت موجودة من عصر الإنشاء، وبالنسبة للتخطيط الداخلى للمساجد عمومًا والمملوكية على وجه الخصوص مثل الظاهر بيبرس فهى عبارة عن أربع إيوانات، إيوان القِبلة وهو أكبرها، والإيوانان المجنبان، والإيوان المقابل لإيوان القِبلة، وكل هذا تعرض للخراب منذ الحملة الفرنسية، فقد حولوا المسجد لقلعة عسكرية، ثم فى عصر محمد على والعصر العثمانى تعرض المسجد للإهمال وتحوّل إلى مخبز أو جراية للعساكر، وتحوّل أيضًا لمصنع صابون، ثم لمتنزه عام لأهالى المنطقة، لذا كان شغلنا الشاغل أن نعيده مرة أخرى لوظيفته الأصلية كمسجد جامع بمساحته الضخمة.

وتابع: لقد أعيد افتتاحه مجددًا نظرًا لاهتمام الدولة بالمساجد خاصة الأثرية، ولأن «الظاهر بيبرس» من أهم المساجد الأثرية بمصر، فهذا السلطان يعتبر المؤسس الحقيقى لدولة المماليك البحرية، ومن هنا جاء الاهتمام بإعادة المسجد لحالته الأصلية فدخل الترميم فى عام 2007، ولكن بسبب الأوضاع التى شهدتها البلاد فى 2011 توقف العمل قبل أن يعود مجددًا فى 2018 واستمر بقوة إلى أن تم افتتاح المسجد الأسبوع الماضى بمجهود كبير من الحكومة بالتعاون مع السفارة الكازاخية بالقاهرة، لأن أصول الظاهر بيبرس تعود إلى كازاخستان.

وفيما يخص الهدف من بناء المسجد تاريخيًا، قال: بما أن السلطان بيبرس كان سلطانًا عظيمًا وله فتوحات مهمة وصاحب إنجازات كبيرة، فكان لا بُد له أن يشيد مسجدًا جامعًا ضخمًا يحمل اسمه، فاختار هذا المكان تحديدًا وكان وقتذاك فى صحراء الريدانية (العباسية حاليًا)، لأنه موقع متميز.

وأوضح: يُدار المسجد حاليًا من عدة جهات على رأسها وزارة السياحة والآثار، لأنه مسجد أثرى يجب الحفاظ عليه، حتى بعد إتمام المشروع، ليظل فى أبهى صورة أمام الزائرين من الوفود السياحية، لأننا نستهدف الفترة المقبلة زيادة الزيارات السياحية إليه خاصة من دولة كازاخستان، ومن المتوقع أن تصل أعداد السائحين الكازاخيين فى العام المقبل إلى 350 : 400 ألف سائح، بخلاف السائحين المهتمين بالآثار من دول أخرى.

ومن الناحية الدينية، يقول مفتش وزارة الأوقاف، الدكتور محمد عيد سليمان مدير عام الأوقاف، كبير مفتشى الوزارة بإدارة أوقاف العباسية، وعضو اللجنة المشرفة على ترميم الجامع، إن هذا المسجد له قيمة دينية كبيرة حتى أنه فى الفترة التى كان مغلقًا فيها لم تُعطل الشعائر الدينية فيه أبدًا وهذا يحسب لوزارة الأوقاف، فالصلوات الخمس كانت تقام فيه بانتظام وكذلك خطبة الجمعة والدروس والندوات. وبعد افتتاحه مؤخرًا زادت أعداد المصلين، خصوصًا فى صلاتى المغرب والعشاء.

وداخل المسجد التقينا بعض المصلين ومعظمهم من أهالى حى الظاهر، والذين عبروا لنا عن فرحتهم الكبيرة بترميم وتطوير المسجد، ومن بينهم شريهان عبدالحليم (مُعلمة لغة فرنسية) التى قالت: أصلي بالمسجد منذ عام 2007 وأنا من أهالى حى الظاهر، وكلنا انتابنا شعور بالسعادة بعد افتتاح المسجد عقب التطوير، لأننا كنا فى انتظاره منذ فترة طويلة، فقد كنا نصلى به قبل الافتتاح فى مساحة ضيقة.. وزادت فرحتنا بعد أن تم نقل صلاة الجمعة الماضية منه عبر التلفزيون الرسمى.

فيما قال أمير إبراهيم، إن سكان الحي كانوا ينتظرون منذ سنوات أن يتم افتتاح المسجد بعد ترميمه وتطويره، والآن يشعرون بسعادة كبيرة بعد عودة الحياة للجامع وتحسُّن أوضاعه، وأصبح هناك إقبال كبير على الصلاة به.