خارج النص

رسالة إلى عام 2113

د. أسامة السعيد
د. أسامة السعيد

بداية لا خطأ طباعى فى العنوان، نعم إنه 2113، أى بعد 90 عاما من الآن، لا أعلم وقتها كيف سيكون حال العالم، لا أدرى إن كان سيبقى الإنسان على سطح الأرض، أم ستتحقق تلك النبوءات الجنونية بفناء البشرية وسيطرة الروبوتات، لكن ما أتيقن منه، أنه إن بقيت حياة على الأرض فستبقى مصر.

أكتب هنا للمستقبل، لقراء لم يولدوا بعد، ولا أعرف إن كانوا لا يزالون يقرأون الصحف؟ أو كيف ينظرون إلى ما دار فى زماننا؟ أو بماذا أخبروهم عنا وعما جرى معنا؟

لكننى أكتب ما عشته وعاشه الملايين فى مصر وخارجها عن يوم من أيام مصر الخالدة، يوم 30 يونيو 2013، اليوم الذى قرر فيه المصريون الخروج الكبير إلى الشوارع، لا يحملون فى أيديهم سوى علم بلادهم، وفى اليد الأخرى أطفالهم الصغار، يقبضون على أكفهم الصغيرة، ليس خشية الضياع، ولكن كى يشعرونهم بأهمية التماسك واليقظة لتلك اللحظات التى لا تتكرر كثيرا فى حياة الشعوب.

يخطئ من يقدم ثورة 30 يونيو على أنها مجرد انتفاضة شعبية للإطاحة بحكم جماعة «الإخوان» الإرهابية، فذلك «اختصار مخل» لقيمة ورمزية اللحظة الأهم فى حياة المصريين، منذ العبور العظيم فى 1973.

 تلك الثورة كما يجب أن نعيها، وتدركها الأجيال القادمة، لحظة استعادة لوطن حاول البعض اختطافه، وإنقاذ لقيم ومبادئ توارثناها عبر آلاف السنين تعتمد على التعايش والتسامح والتماسك الاجتماعي، والانتماء الوطنى المجرد من التقسيمات والتصنيفات، وأراد «تجار الدين» أن يشوهوها فى عام حكمهم الأسود!!

لم تكن 30 يونيو لحظة غضب ضد جماعة إرهابية، جاءت للحكم فى غفلة وارتباك وتشتت، بل كانت لحظة استفاقة ويقين بقيمة وطن صنع أحداث التاريخ عبر آلاف السنين، ولا يمكن أن يبقى أسير جماعة ظلامية فاشية قبل أن تكون فاشلة.

أكتب لكم - يا أبناء عام 2113-  بينما نحن نحتفل بالذكرى العاشرة لتلك اللحظة المضيئة، وقد صرنا أكثر إدراكا وتقديرا لقيمة ما فعلناه قبل عقد كامل، رغم كل الصعوبات التى واجهت وطننا، لكننا استطعنا الحفاظ عليه، وتطهيره من سموم الإرهاب، ونشر العمران والتنمية فى ربوعه، وظنى أنكم تحتفلون بالمئوية الأولى للثورة، وتدركون قيمة ما قدمته لكم، وكثير من منجزاتها لا يزال باقيا فى عالمكم، وإن كنت أعتقد أن أعظم منجزات تلك الثورة هى قدرتها على استعادة الأمل فى نفوس المصريين، بعد فترة سوداء عشش خلالها اليأس فى القلوب، وطغى الاحباط على العقول.

لا أقول لكم إن واقعنا مثالي، أو إننا استطعنا حل كل مشاكلنا، أو إن طريقنا نحو المستقبل بات مفروشا بالورود، بل أقول لكم إننا اليوم بعد عشر سنوات من تلك الثورة، صرنا أفضل رغم كل التحديات، نمتلك إرادة لا تلين على بناء حاضرنا ومستقبلنا، وثقة فى قدرتنا على تجاوز مشكلات وعقبات أعاقتنا لعقود وربما قرون، نتعامل مع العالم برؤية تكتسب كل يوم تقدير واحترام الجميع.

أقول لكم يا أهل مصر 2113، إننا فخورون بما صنعناه فى تلك الثورة، وما أنجزناه خلال عقدها الأول، ومدينون بالفضل لشهداء وأبطال ورجال ونساء لم يقصروا فى الحفاظ على وطنهم، ولم يتخاذلوا عن تلبية نداء الوطن، فحافظنا على مصر كما عرفناها وعاشت آلاف السنين، لم نقبل أن تكون مجرد حلقة فى مشروع استعمارى باسم الدين، أو تكون ولاية داعشية يحكم أرضها أو بعضا منها حفنة من المجرمين.

كل عام ومصر بخير فى الذكرى العاشرة لثورة 30 يونيو.. وفى عيدها المائة.