رضوان الكاشف.. ساحر الواقعية وصاحب نظرية البهجة

المخرج رضوان الكاشف
المخرج رضوان الكاشف

محمد كمال

جاء جيل مخرجى التسعينيات ليسير على خطى جيل الثمانينات الذين لقبوا بـ”جيل الواقعية الجديدة”، وبرغم أن فترة التسعينيات شهدت استكمال مسيرة رواد الواقعية الجديدة، إلى أن ظهر معهم تجربة جيل جديد سار على نهجهم وحولوا الواقعية الجديدة لـ”الواقعية السحرية”، ومن بين الأسماء التي طرحت نفسها بقوة في التسعينيات من المخرجين أسامة فوزي ومجدي أحمد علي ويسري نصرالله، والمخرج الذي تمر هذه الأيام ذكرى رحيله الـ21، حيث رحل في 5 يونيو عام 2002، وهو المخرج رضوان الكاشف أحد فرسان سينما التسعينيات، والذي يندرج تحت مقولة “مشوار قصير.. تأثير كبير”، حيث أن مشواره السينمائي يضم 3 أفلام فقط، لكنهم يعدوا من العلامات البارزة في تاريخ فترة التسعينيات بالسينما المصرية، ولم يتعامل الكاشف مع السينما على أنها مجرد مهنة، بل كانت طريقة للتعبير عن الذات وعن هموم المواطنين وأزمات جيله والتحولات التي شهدتها مصر اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا خلال حقبة التسعينيات التي لم تكن بشكل عام ثرية من حيث كم الأفلام المنتجة، لكن يكمن ثرائها في تجارب متفرقة لجيل الثمانينيات وجيل “الواقعية السحرية” الذي يعتبر الكاشف من أهمهم.

الكاشف مواليد 6 أغسطس عام 1952 بحي السيدة زينب، لكن تعود أصوله إلى محافظ سوهاج، حصل على ليسانس الآداب قسم الفلسفة من جامعة القاهرة عام 1978، وألتحق بمعهد السينما الذي تخرج منه عام 1984، وكان مشروع تخرجه فيلم قصير يحمل اسم “الجنوبية”، وحصل الفيلم على جائزة العمل الأول من وزارة الثقافة عام 1988، لم يستمر الكاشف في عمله طويلا كمساعد مخرج، بل كان طريقه موجه نحو هدفه المنشود في التعبير عن وجهة نظره في أفلام تسطر اسمه وتخصه هو شخصيا.

في عام 1993 قدم الكاشف فيلمه الأول “ليه يا بنفسج”، الذي شارك في بطولته فاروق الفيشاوي ولوسي ونجاح الموجي وحسن حسني وأشرف عبد الباقي، وكان تأليف سامي السيوي، الذي اشترك في كتابة السيناريو والحوار مع الكاشف، ويحتل الفيلم المركز 55 في قائمة أفضل 100 فيلم في ذاكرة السينما المصرية حسب إستفتاء النقاد بمناسبة مرور 100 عام على أول عرض سينمائي بالإسكندرية، وحصل على جائزة أفضل فيلم من مهرجان السينما العربية بباريس عام 1993، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة من مهرجان القاهرة، وأفضل فيلم من مهرجان المركز الكاثوليكي للسينما عام 1994، وحصل الفيلم أيضا على المرتبة رقم 90 ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في السينما العربية حسب استفتاء لنقاد سينمائيين ومثقفين قام به مهرجان دبي السينمائي الدولي عام 2013 في الدورة العاشرة للمهرجان.

ينتظر الكاشف 6 أعوام ليقدم فيلمه الثاني لظروف تتعلق بالحالة الإنتاجية في تلك الفترة، رغم جودة التجربة الأولى ونجاحها نقديا، لكن يبدو أن عدم تواجد الفيلم كثيرا في دور العرض جعل المنتجين يتراجعون قليلا عن تكرار التجربة مع الكاشف، بالإضافة إلى حالة التراجع التي صاحبت صناعة الأفلام في التسعينيات، حيث قلت عدد الأفلام المنتجة بداية من عام 1994، لهذا لم يكن الدخول في مهمة تنفيذ الفيلم الثاني سهلا على الكاشف، لهذا ظهر فيلمه الثاني عام 1999 الذي حمل اسم “عرق البلح”، وكان أول فيلم يكتب له السيناريو والحوار رضوان الكاشف بنفسه.

“عرق البلح” بطولة شيريهان وعبلة كامل وحمدي أحمد ومحمد نجاتي، وحصل على الجائزة الفضية في مهرجان “قرطاج”، وعلى جائزتين أفضل إخراج وأفضل ممثل بعد المشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان السينما الفرانكفونية الدولي في نامور ببلجيكا عام 1999، وحاز الفيلم على المرتبة 18 ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في السينما العربية حسب استفتاء لنقاد سينمائيين ومثقفين قام به مهرجان دبي السينمائي الدولي عام 2013 في الدورة العاشرة للمهرجان.

ومع دخول الألفية الجديدة بدأ الكاشف تنفيذ مشروعه الجديد المتعلق بـ”نظرية البهجة”، والذي قرر أنه لن ينتظر 6 أعوام أخرى، ليكون الفارق بين الفيلمين عامين فقط، وكانت “نظرية البهجة” الاسم الأول للفيلم قبل أن يتم تغييره لأسباب إنتاجية تسويقية إلى اسم آخر هو “الساحر”، الذي قام بتأليفه سامي السيوي أيضا في تجربته الثانية مع الكاشف، وكتب الثنائي السيناريو والحوار معا أيضا، في الفيلم الذي تصدر بطولته محمود عبد العزيز وشارك معه سلوى خطاب وجميل راتب، وكان الفيلم الذي يحمل رقم 3 في مسيرة الكاشف هو الأخير الذي طرح من خلاله منظوره حول البهجة وإمكانية وجودها في العالم وكيفية ترسيخها داخل البشر، وأن تصبح أمرا إعتياديا في عالم ضيق يعانى من الجمود والرتابة، من خلال الشخصية التي قدمها محمود عبد العزيز “منصور بهجت”، وهو اسم على مسمى، ذلك الشخص البسيط المهمش الذي يحاول حماية ابنته من كل المؤثرات الخارجية، لكنه في نفس الوقت لديه القدرة على نشر البهجة، بل ونقلها للآخرين.

لم يكتف الكاشف بكونه مخرجا مخلصا للسينما، بل أمتدت منجزه القصير ذو التأثير الكبير إلى الأدب، حيث يملك الكاشف تجربتين في الكتابة، الأولى “الحرية والعدالة في فكر عبد الله النديم”، والثاني “قضية تجديد الفكر عند زكى نجيب محمود”، وعن حياته الأسرية فقد تزوج الكاشف من الناشطة السياسية عزة كامل التي أنجب منها عائدة ومصطفى.

تم القبض على المخرج رضوان الكاشف مرتين في فترات الشباب، الأولى عام 1977 بسبب ما عرف بـ”انتفاضة الخبز” التي حدثت في 18 و19 يناير وقت حكم الرئيس أنور السادات، وتكرر الأمر عام 1981 بعد إحدى المظاهرات الخاصة برفض اتفاقية “كامب ديفيد” للسلام عام 1978.

اقرأ أيضًا : أول تعليق من سهر الصايغ بعد حصد جائزة أفضل ممثلة في مهرجان المركز الكاثوليكي


 

;