ع الزيرو من كان منكم بلا سيارة

عثمان علام
عثمان علام

منذ شهور، وفى هذه الزاوية المتواضعة بالمجلة العريقة "أخبار السيارات"، كتبت عن حلم أقتناء سيارة، وقتها كنت أرى أن اقتناء السيارة حُلم بسبب الندرة، وقلة المعروض وبسبب شبه التوقف للوارد من الخارج وامتناع مُلاك المستعمل عن البيع، وربما لم يخطر ببالى أن الأمر سيتطور واستحالة امكانية تحقيق الحلم ستصل عنان السماء ولا يستطيع أحد شراء سيارة مهما كانت متوافرة بالسوق، ومهما كانت صغيرة أو كبيرة، حقيرة أو جميلة، طويلة أو قصيرة، عطلانة او سليمة، الأمر يا سيدى فاق الخيال وفاق الأحلام، وما كان يخطر ببالى يوماً وأنا من يركب سيارات منذ 22 عاماً أن يصل سعر السيارات لهذا الحد . اليوم فقط أستطيع أن أردد كلمات أحمد رامى فى رثاء أم كلثوم " ما جال بخاطرى أنى سأرثيها..بعد الذى صغت من أشجى أغانيها "، وعلى نفس المنوال أقول: ما جال بخاطرى أنى لن أقتنيها ..بعد الذى رأيته من سوق مالكيها". اليوم فقط أرى العجب العجاب فى سوق السيارات، حتى أن كابوس ما يحدث بالسوق، يطاردنى فى نومى وبدلاً من الحُلم، حل الكابوس محله، وهذه ليست نظرة تشاؤمية ولا دعوة لليأس ولا تصدير خيبة الأمل، هذه مصطلحات لا وجود لها الآن فى ظل واقع يعيشه سوق السيارات، أنت لابد أن تكون مليونيراً حتى تقتنى سيارة فيرنا " 250 "ألف جنيه، يعنى ربع مليون جنيه . الناس لاتزال تسرقهم سكينة الأسعار، يرون أن ربع المليون جنيه ثروة كبيرة، عندما تحكى لهم عن سعر الهاتف المحمول الذى وصل ل 60 ألف جنيه يصفونك بالجنون أو المجون أو الاسراف او حتى المنظرة والتكبر عليهم، وعندما تتحدث معهم عن سعر السيارة الفيات تيبو الذى تخطى المليون جنيه، يرونك عديم الفهم او إنسان من النبلاء، الناس لا يتصورون ولا يعيشون ما تعيشه ولا يدركون ما تدركه إلا عند الصدمة الأولى، عند إقدامهم هم وخوضهم لتجربة الشراء، يحسون بما تحس ويشعرون بما تشعر . أنا شخصياً لازلت غير مصدق ما يحدث، لا زلت أتذكر منذ عام ونصف عندما جاء لى خبير السيارات الشاب خالد صديق بسيارتين ماركة مرسيدس c180 إحداهن موديل 2005 والثانية 2007 ، لم يكن يتخطى سعر الواحدة منهن 225 ألف جنيه على الأكثر، كدت أن اضرب الولد من هول ما سمعت، وكيف جاءته الجرأة على ان يطلب هذا الرقم فى سيارة تخطى عمرها 20 سنة ! الآن تقبلت الأمر بكل اريحية عندما وجدت صديقاً يبيع نفس السيارة مع اختلاف الحالة، فالأولى كانت جيدة، وجدته يطلب 700 ألف جنيه فى سيارة c180 موديل 2004 ، طبعاً هى بحاجة لمائتى ألف للصيانة حتى تعيدها لحالتها الجيدة . وفى جولة بسوق السيارات فى يوم الجمعة الماضى، وهى المرة الأولى التى اذهب لهذا المكان الجميل والمنظم والذى جاء فى التوقيت الغلط، أرى العجب العجاب، مبدئياً لم أرى سوى سيارات متوسطة الحجم ومنخفضة التكاليف وقديمة الصنع، السوق على اتساعه ليس به سوى عدد محدود من موديلات العشرينيات، وباقى المعروض من موديلات 1980 وحتى 2015 . فتجد مثلاً هيونداى ماتريكس موديل 2009 مطلوب فيها 400 ألف جنيه، وفيرنا موديل 2014 مطلوب 240 ألف، ونيسان موديل 2008 مطلوب فيها 350 او 400 ألف جنيه، أو رينو ميجان 2005 مطلوب فيها 250 ألف مع ان اقصى سعر وصلت له كان 80 ألف جنيه . ثم إن معظم او 5 9 % من المعروض بالسوق قادم من محافظات الوجه البحرى، لا وجود للقاهرة والجيزة سوى بضع سيارات، واغلبهم شباب شكله مختلف عن التجار، سألت احدهم قال: أنا معنديش شغل، اخذت من والدى مبلغ واشتريت به سيارة ماركة فيرنا وبعتها وربحت فيها 30 ألف جنيه منذ اسبوعين، واعاود الامر مرة واثنين، هذا يحقق لى حلم كبير لن احققه بحصولى على وظيفة، هذا إن وجدت . الأمر امتد للشابات الجميلات، رأيت عدد كبير من الإناث يتقمصن دور التاجر، واجربت معهن حوار مجمع، بعد أن وجدت 3 فتيات راقيات يبعن سيارة لانسر موديل 2004 ، هن يعتنقن نفس الفكر ويسرنا على منهج الشباب، وهذا قمة الإبداع للشباب المصرى الذى يتغلب على ظروفه فى عز ازماته، وعندهم حق فمن لم يحقق المكاسب هذه الأيام فى سوق السيارات ان يحققها من أى شيء بعد، السوق كفيل بأن يجعل منك مليونيراً فى يوم واحد، لو خزنت 5 سيارات متوسطى او حتى صغيرى الحجم والسعر، من الممكن ان تكسب فيهن مليون جنيه دفعة واحدة . ولا لوم على أحد، من حق كل شخص ان يحلم بالثراء، لكن ليس من حق أى احد ان يحلم باقتناء سيارة، فيبدو الأمر خطية وخطيئة فى نفس الوقت، فأنت يا عزيزى ما بين نظرة مجتمع لايزال لم يفق من صدمته ويرى فى المليون جنيه ثروة طائلة، وبين واقع مرير جعل من الفيرنا سيارة نحكى عنها ونحلم بها، ولهذا وجدنا شريحة كبيرة حتى ممن لا يملكون سيارة تحولوا لتجار سيارات، وطبقوا المقولة "من كان منكم بلا سيارة فليتاجر فى المستعمل