«حياة من بعد حياة» قصة قصيرة للكاتبة نفيسة السنباطي

الكاتبة نفيسة السنباطي
الكاتبة نفيسة السنباطي

كان السؤال الأخير الذي سأُسأل، وعدت نفسي أن أجيب، يكفي الأسئلة التي مرت بحياتي دون إجابات، يكفي الأحاديث الفلسفية التي تنتفخ بها الأنا شاعرة بالرضا لإيجاد الكثير من الصور والمعاني، وفض جعب التجارب، وإفراغ المعاجم لتصبح الإجابة منمقة ممتازة السرد، دسمة المصطلحات بين محورية وبؤرية والتي تفضي في النهاية لسؤال فلسفي آخر، يحتاج مئة تجربة وعشرين معجما: نفسك في حاجة قبل تنفيذ الحكم؟

طلبت تغير البدلة الحمراء التي تمثل الدم والرغبة. لأرتدي سروالا رياضيا وتيشيرتا قطنيا يبرز عضلات بطني التي أحبها. وضعت العطر الذي كانت تعشقه، ويدخلها عالما آخر كما كانت تقول. للمرة الأولى أشم عطري بأنفها، بروحها. هي التي سبقتني ببضع شهور. ابتسمت.. فلتكن آخر ساعاتي في هذا العالم ممتعة ورائقة. طلبت وجبة من خضار وقطع دجاج، لآخر ساعة سآكل الطعام الصحي. طلبت تشغيل اديث بياف Non, je ne regrette rien لست نادما على شيء، لا على الألم، ولا على القتل. كان يستحق، فقد سرق الحياة من حبيبتي. أوقفت كل أفكاري وروحت أردد مع بياف منتشيا أحرك شوكتي في الهواء كا مايسترو يخلق بعصاه الألحان. بعد انتهاء وجبتي طلبت قهوة مضبوطة، وطلبت تشغيل أغنية لفيروز، رحت أحتسيها على مهل وأهز رأسي مستمعا لشدوها: "يا طير يا طاير على اطراف الدني، لو فيك تحكي للحبايب شو بني.. يا طير" .

سألتقي حبيبتي، إنه يومي الموعود. فرت دمعة من عيني شجنا وفرحا، سكينة تحاوط قلبي ولطف كبير يغمرني.

"روح اسأله على اللي وليفه مش معه.. مجروح بجروح الهوى شو بينفعه.. موجوع ما بيقول على اللي بيوجعه".

طلبت ورقة أكتب قصص من قرروا إنهاء حياتهم. لو أنهم قرروا أن يعيشوها. لكنهم تمنوا حياة من بعد حياة.

أحدهم:

وقف ونظر للسقف، جعل الحياة خلفه، شد عقدة الحبل، تأرجح بين العوالم. ارتعش نشوة وفناء، باكيا مبتسما.

غيره: صعد لنهاية البناية الشاهقة، تطلع للصعود أكثر؛ فقفز.

غيرهما: أرادت أن يلمسها أحد، أن يحتضنها أحد، أن يمرر كفه على معصمها، ولم تجد؛ فمرت على معصمها السكين

غيرهم: أراد أن يسد جوعه للحب، للاهتمام؛ فابتلع مائة قرص.

أشعر بنفسي أتأرجح، نشوة الحرية تعصف بي، يرتعش جسدي لأتحرر. ومن بين سحائب التجلي رأيت أخيرا حبيبتي تفتح يدها لي وتهمس مبتسمة: عادت النقطة للبحر.