كشف حساب

«حياة كريمة» وعودة القرية المنتجة

عاطف زيدان
عاطف زيدان

أحن كثيرا، إلى أيام زمان. إلى سنوات الطفولة فى قريتى الجميلة. كان كل شيء فيها، بسيطا جميلا. البيوت الفسيحة من الطوب اللبن غالبا، عامرة بالخيرات، مما تنتجه الأرض والمواشي، البطاطس والخضراوات بأنواعها المختلفة، ومنتجات الألبان من طواجن الحليب الطازج، والجبن القريش والزبدة والجبنة القديمة على أصولها. كانت القرية المصرية قديما، تكتفى ذاتيا من كل شيء. بدءا من رغيف العيش «المرحرح» المنتج من خيرات الأرض من خليط القمح والذرة، وحتى الطيور بأنواعها من بط وإوز ودجاج وحمام وأرانب، مرورا بالمنتجات الزراعية من طماطم وخيار وملوخية وبامية وبطاطس وفول ولوبيا وفاصوليا. كل شيء موجود.


كانت القرية المصرية حتى أواخر الثمانينيات إضافة للاقتصاد الوطني. كل بيت بمثابة وحدة إنتاجية، تستهلك جزءا مما تنتج وتبيع الفائض من إنتاج الأرض والمواشي. ظل هذا الوضع الطيب سائدا حتى التسعينيات، عندما بدأت ظاهرة سفر الشباب إلى الخارج، لتبدأ العمارات السكنية المسلحة تعرف طريقها للقرى، ويبدأ معها الاعتداء على الأراضى الزراعية. لتتحول القرية مع هذا التغير من الإنتاج إلى الاستهلاك. ويرتفع ويتسع سقف التطلعات. لينتهى الحال بإهمال وهجرة الزراعة. ويصبح هدف الكل السفر للعمل بالخارج. ومع انتشار الظاهرة اختفت القرية المصرية الجميلة المنتجة، وحلت محلها مبان خرسانية مرتفعة، بلا صرف صحى ، يعيش أهلها على شراء كل شيء من المدينة. لتصبح القرية التى كانت حتى مطلع التسعينيات قوة إنتاجية بالاقتصاد الوطني، مجرد فوهة استهلاك لكل شيء. بدءا من رغيف الخبز السوقى حتى الخضراوات والدواجن، وزاد معها الأدوية بعد انتشار الأمراض بسبب طفح المجارى وإهمال الترع وتحولها إلى مقالب للنفايات.

لكن جاء المشروع القومى لتطوير الريف المصرى «حياة كريمة» ليحيى الأمل من جديد فى حياة كريمة بقرى مصر. حيث تم تنفيذ مشروعات ضخمة لتبطين الترع ومد شبكات المياه والصرف الصحي، وإقامة محطات معالجة للصرف الصحي، مع رصف الطرق ونشر المدارس والمستوصفات ومراكز الشباب. ليعود الريف إلى سابق عهده.