«السيد الضاني» قصة قصيرة للكاتب الدكتور فراج أبو الليل

الدكتور فراج أبو الليل
الدكتور فراج أبو الليل

حكى لي جدي بأن الدنيا تلف في دائرة مغلقة.. لم يعلم شئ حينها عن كروية الأرض .. كأي طفل صغير .. كل مسنٍ في العائلة كنت أدعوه جدي .. لم أصدقه.. وقذفت بالكرة بعيداً ..قال أنت سوف تقص الحكاية كاملة.. كنت أحب أن استمع إليه.. كان جدي "معبد" قد تجاوز السبعين أو أكثر، لم أعد أتذكر عمره تقريباً.. ولكني تذكرت حكاياته الطويلة عن الزمان فى قرية "المستعمرة".. هي قصص طالت من الكحة المستمرة .. وحجر الشيشة الذي لم يفارق فمه المرتعش.. تذكرت  كلامه كيف لف الكرسي بالمحامي "زير".. وكيف رقصت الحياة في دواره العالي.. ثم كيف لطمت الحياة خدها وهي تهزي حين مرض بالسل.. عندما كبرت دارت الحكايات برأسي.. رأيت ظله يحكي لى على شاطئ الترعة .. حكايات رجال السنط .. ونساء العجين الطري .

 

مرض جدي بالشيخوخة.. ولكن عقله كان حاضراً بالحكايات.. سألته كيف بني "النطع" منزله الواسع علي صحن الترعة الغربية.. حكي لي عن كسرة الخبز الجاف فى فم "النطع".. في سوق الجمال في مدينة دراو الأسوانية.. سقطت محفظته.. في الطريق المزدحم.. أسرع وأعادها إلى جيبه.. سرواله الطويل ذو الجيوب الخفية.. تمدد.. صار يبتلع كل المحيطين حتى أقاربه الفقراء.. ولكن لم يدم طعم الفرح في أيامه.. بعدما استولى على ما تبقى من جده "الضاني".. نبذته أيامه بعد ما ترك منصبه العالي .. فمات دون عزاء.. خلى سرادق العزاء من زملائه وأقاربه.. رقصت الحياة مرة أخرى في بيت "الضاني" بعد موت حفيده "النطع" .. ولكن البشر لا يتعلمون.. صنع جده "الضاني" سروالاً من جلد الماعز.. وكبسّ فى جيوبه الواسعة كل شئ أيضاً.. البشر لا يتعلمون.. سرق حتى الفراغ في عيون الحالمين.. أخذ الحلم لنفسه فقط وهو ابن الثمانين.. ثم بصق في وجه الحياة.. رأيته ذات يوم.. لم أستطع النظر في عينيه الجاحظتين.. جريت بعيداً عنه.. وأنا أتوسل طائرتي الورقية أن تحملني بعيداً علي الضفة الآخري من النهر.