فرنسا تحارب تمويلات التنظيم الدولي للإخوان

التنظيم الدولي للإخوان
التنظيم الدولي للإخوان

تقرير يكتبه : عمرو فاروق

 ثمة استفاقة لوقف تمدد الأجندة الإخوانية على مستوى القارة العجوز، لاسيما من قبل الدولة الفرنسية التي اتخذت عدة قرارات أخيرًا لمحاصرة تحويلات والأوعية المالية للتنظيم الدولي للجماعة، وتفكيك ما يعرف بـ»المجتمعات الموازية»، أو «الانفصالية المجتمعية»، التي تمت صناعتها منذ منتصف القرن الماضي.

إثر هذه الإجراءات تم تجميد 25 مليون يورو من أموال صناديق «الهبات المالية» الخاصة بجماعة الإخوان المسلمين، عقب تتبع نشاطها، واتهامها بتمويل أنشطة مشبوهة، في إطار تطبيق قانون مكافحة الانفصالية، وفقًا لصحيفة «الفيجارو».

التحقيقات الفرنسية، شملت تتبع حوالي (20) صندوق هبات، من بينهم (4) صناديق صدر بحقها شكاوى قضائية، مثل»الصندوق الأوروبي للنساء المسلمات»، و»الصندوق الكندي»، وصندوق «Apogé، فضلاً عن مطالبة (5) صناديق أخرى بتقديم تفسيرات لطبيعة عملها وآلياته مثل صندوق «الوقف»، وصندوق «التنوع للتربية والثقافة.

تأسست صناديق»الهبات المالية» في الداخل الفرنسي منذ عام 2008، وتخصصت في جمع التمويلات والتبرعات، بعيدًا عن الأضواء وعبر آلية معقدة ومبهمة، بجانب رصد حوالي (10) شبكات تسيطر عليها جماعة الإخوان، تمتد من مدينة ليل في الشمال، وحتى مدينة مارسيليا في الجنوب، مروراً بالمنطقة الباريسية ومنطقة بوردو.

إجراءات الدولة الباريسية في تجفيف منابع تمويل مؤسسات التنظيم الدولي وملاحقتهم أمنية وقضائيًا يمثل بداية مهمة وحقيقية في تحجيم التغلغل الإخواني في عمق القارة الأوروبية على حد سواء في ظل ترابط الشبكات الإخوانية على امتدادها الجغرافي.

لكن هل ستحسم المواجهة الدائرة حاليًا بين ابناء شارل ديجول، ودواريش حسن البنا في المدن الفرنسية، عملية تصنيف مؤسسات التنظيم الدولي لجماعة الإخوان على قوائم الإرهاب؟، أم أن الأمر سيتُرجم في نهاية المطاف لمجرد صيحات تحذيرية تدفع بالجماعة وقواعدها التنظيمية إلى الاختباء داخل سراديب الكيانات التي تعمل تحت غطاء عشرات المؤسسات الوهمية التي يخالف ظاهرها باطنها؟

عملية تصنيف جماعة الإخوان على قوائم الإرهاب في الداخل الأوروبي ليست بالأمر السهل والهين في ظل عدم وجود لافتة تعبر صراحةً عن جماعة الإخوان الإرهابية، واعتماد التنظيم الدولي على مؤسسات وجمعيات تحمل خلفيات اجتماعية وإعلامية وسياسية واقتصادية، واتباعها طرق ملتوية وشديدة التعقيد في التمويلات المالية، وكذلك استثماره لمساحة الحريات، وتوطيد علاقاته مع دوائر صنع القرار الغربي، التي تحول دون تمرير قرارات الإدانة في نهاية المطاف.

وضعت السلطات الفرنسية على عاتقها تحجيم نفوذ جماعة الإخوان المسلمين، من خلال تطبيق عدد من التشريعات التي تحول دون تنفيذ مشروعها الفكري في الدول الغربية، متمثلة في قانون «مكافحة الإرهاب واندماج المجتمع الفرنسي»، الذي أقره البرلمان في يوم 16 فبراير 2021، كخطوة أولى لمناهضة الانفصالية، مطالبًا كذلك المنظمات الإسلامية بالتوقيع على ميثاق القيم الجمهورية لتأكيد التزامها بالمبادئ العلمانية الفرنسية.

ويرتكز القانون على متابعة نشاط»الجمعيات الإسلامية» ومراقبة تمويلها، ووقف التمويلات الخارجية للمساجد والمراكز الدينية والثقافية، وحظر المدارس «السرية» التي تروج للأيديولوجية الإخوانية، وتشديد قواعد التعليم في المنازل، وتقويض فرص انتماء المتطرفين لأجهزة الدولة.

وعلى مدار السنوات الماضية أخضعت السلطات الفرنسية، 76 مسجدًا، و51 جمعية للمراقبة، عقب اتهامهم بالترويج للأدبيات الفكرية لجماعة الإخوان، وتم حل جمعية «بركة سيتي»، وجمعية «التجمع ضد الإسلاموفوبيا»، وجمعية «الشيخ ياسين» التي تأسست في 2004، فضلاً عن تكثيف متابعة «اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا»، الذي وصفه أحد نواب البرلمان بأنه «الجناح العسكري لتنظيم الإخوان» في باريس.

وفي إطار استمرار مواجهة الفكر المتطرف، تم تأسيس»منتدى الإسلام في فرنسا» لتنظيم شؤون العبادة الإسلامية، في فبراير 2022، بعد سيطرة الإخوان على «المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية»، كما دشن «مجلس الشيوخ» لجنة «مكافحة تطرف الإسلام السياسي» بمبادرة من حزب الجمهوريين، في نوفمبر 2019، وقدم المجلس 44 مقترحًا لمكافحة خطر المد الإخواني، في يوليو 2020، ضمن تقرير تطرق لمخاوف ومخاطر انتشار تطرف الإسلام السياسي في المدن الفرنسية، متحدثًا عن تغلغل جماعة الإخوان المسلمين في جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية، مستفيدًا من الأجواء الديمقراطية لإعادة «إحياء الخلافة».

ومن قبيل خفض حالة التوتر أكدت السلطات الفرنسية، أن إجراءاتها لمكافحة التطرف، ليست خطة موجهة ضد الإسلام والمسلمين، وإنما تستهدف وقف صناعة «المجتمعات الموزارية» في عمق الأحياء الفرنسية، معلنة عن إحكام سيطرتها على تمويل المساجد واختيار الأمة، من خلال تدشين «الجمعية الإسلامية للإسلام في فرنسا» (Association musulmane pour l›islam de France)، في يناير 2019، المعروفة اختصارا باسم (AMIF)، والمعنية بمراقبة جمع التبرعات، بالإضافة إلى تدريب واستقدام الأئمة.

الضغوط التي مارستها الحكومة الفرنسية، على مؤسسات وجمعيات جماعة الإخون المسلمين، دفعت قيادات التنظيم الدولي، إلى نقل عدد من أصوله المالية إلى اسبانيا عن طريق «هيئة الإغاثة الإسلامية»، من قبيل التهرب من قرارات التحفظ أو المصادرة المالية عقب تتبع نشاطه المالي والفكري، وذلك وفقًا لتصريحات إعلامية لمصادر من وحدة الاستخبارات ومكافحة الإرهاب الإسبانية.

ستشهد الأيام المقبلة المزيد من الإجراءات التي ستعلن عنها السلطات الفرنسية لتجفيف منابع التطرف، لا سيما في ظل قيام وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، الساعات الماضية، بزيارة شملت واشنطن ونيويورك ومقر الأمم المتحدة، ومكتب التحقيقات الفدرالية، وهدفت إلى تعزيز التعاون في مجالات «مكافحة الإرهاب»،مشيراً إلى «معاودة الخطر» المرتبط بـ»الإرهاب الإسلامي» الذي يستهدف فرنسا وجيرانها الأوروبيين، دون أن يقدم تفاصيل واضحة.

نقلا من عدد أخبار الحوادث بتاريخ 25/5/2023

اقرأ أيضًا : في ذكرى ميلاده.. «النقراشي» صاحب قرار حل جماعة الإخوان المسلمين