في ذكري رحيل أمل دنقل l بعد مرور ٤٠ عاماً.. قانون بقاء الشاعر

أمل دنقل
أمل دنقل

محمد شعير

أربعون عاماً مضت على رحيل أمل دنقل. توقع كثيرون أن يخفت صوته بعد الرحيل، وأن تدخل قصيدته متحف التاريخ. لكنَّ شيئاً من ذلك لم يحدث. لا يزال أمل حاضراً فى مشهد الشعرالعربى، وتزداد قصيدته حضوراً يوماً بعد آخر. قصيدة فاعلة لم تتخلَّ عن موقفها الجمالى لأنها تلمس وتنحاز بالأساس إلى مبدأ الحرية لا الثورية أو المعارضة بمفهومها السطحى. هى قصيدة الفرد المعلق على مشانق الصباح، نزيل الغرف الباردة، الذى يدعى إلى الموت ولا يدعى إلى المجالسة، الهامشى فى علاقته بمدينته وسكانها المنبوذين.

لم يكن أمل، حسب تعبير الناقد والشاعر محمد بدوى «معارضاً سطحياً» يلتقى مع السلطة فى مجمل رؤيتها للعالم مثل نزار قبانى، ولكنه شاعر معارضة فى نقده للأسس التى قامت عليها كل أشكال السلطات، سلطات قهر الجسم البشرى، مراقبة هذا الجسم، الاعتداء والعنف وهو ما نجده فى كل قصائده». الشىء الوحيد الذى التقى فيه أمل مع السلطة العربية، كما يضيف بدوى: «أنه آمن بالأصل العربى لهذه السلطة كهوية وثقافة. وهذه المفارقة بين جذرية نقده الشعرى وكلاسيكية اللغة عنده وانضباطها وصرامتها الشديدة». لم تكن قصيدته مجرد رفض سياسى فقط وإنما اتسعت لأشكال أخرى من الرفض آملاً فى إنسانية أكثر عقلاً وعدلاً وإنصافاً وجمالاً.

 عندما رحل عام 1983، لم يكن قد أصدر أيّاً من دواوينه فى مصر. بل صدرت كلّها فى بيروت، ونشرت «دار الآداب» ديوانه الأول «البكاء بين يدى زرقاء اليمامة» (1969)، وأصدرت «دار العودة» دواوينه الأخرى: «تعليق على ما حدث» (1971)، و«مقتل القمر» (1974)، و«العهد الآتى» (1975). وحدهما الديوانان الأخيران صدرا فى القاهرة، بعدما اطمأنت المؤسسة إلى رحيله، فصدر «أوراق الغرفة 8» و«أقوال جديدة عن حرب البسوس». وما ينطبق على النشر ينطبق على النقد. قليلة هى الدراسات التى كُتبت عن أشعاره قبل الرحيل. وعلى فراش المرض، كتب يوسف إدريس صرخته الشهيرة «بالله لا ترحل يا أمل، فكلنا فداؤك»... مناشداً الدولة التدخل لإنقاذ الشاعر المتمرد، لكنَّ وزير الثقافة وقتها عبد الحميد رضوان تساءل: «من يكون أمل دنقل؟»، وبعد ساعات من رحيله كتب يوسف إدريس مقالاً يرثيه فيه بعنوان «قانون موت الشاعر».

 صمد أمل وقصيدته رغم محاولات تغييبه وتهميش قصيدته التى ظلت فاعلة.

ما القانون الذى يضمن بقاء الشاعر لا موته.. هل هو الانحياز الجمالى الإنسانى؟ أم العدل والحب والعقل التى ظل الجنوبى يبحث عنهما فى قصيدته؟ وإن لم تكن.. فلتكن الريح تقتلع كل العفن؟

فى هذا الملف محاولة للإجابة على السؤال. 

نقلا عن عدد أخبار الأدب بتاريخ 28/5/2023

اقرأ أيضًا : في ذكرى وفاته.. ما لا تعرفه عن الشاعرالجنوبي «أمل دنقل»