سيناريو اللحظة الأخيرة في حياة المجنى عليه.. كانت بدايته المطاردة

هل المتهم مريض نفسيا؟!.. مفاجآت في قضية مقتل مُهندس التجمع الخامس

المهندس الضحية
المهندس الضحية

..القضية برمتها خطيرة ومرعبة..ليس فقط لأنها تتعلق بقضية قتل، ولا لأن المجنى عليه واحد من امهر المهندسين فى واحدة من أشهر شركات المقاولات، ولا لأن القاتل أو المشتبه به مجرد عامل لودر فى نفس موقع العمل، أو حتى لأن وقائع القضية بشعة للغاية، خاصة وان هناك أقاويل بأن ما حدث ليس على سبيل الخطأ، وإنما تعمد من الجانى بمطاردة المهندس فى موقع العمل وضربه بسكين اللودر مرتين..بل.. لأن أحداث القضية مروعة فى كل تفاصيلها، حتى أن كواليس ما حدث جاءت متضاربة فى بعض الأحيان، البعض يؤكد انه لا توجد أية خلافات، وآخرون يشيرون إلى أن هناك خلافات كثيرة وقعت بين المهندس المجتهد والعامل المهمل، آخرها ما وقع قبل الجريمة بلحظات، عندما عاتب المهندس الشاب العامل على تقصيره فى العمل، وما كان من العامل إلا أن استقل اللودر وطارد المهندس حتى قتله فى مشهد شنيع للغاية، انتهى بتحطيم عظامه ثم وفاته فى فصل جديد من السيناريو المرعب.
 

◄ النيابة العامة تأمر بعرض المتهم على الطب الشرعى لبيان تعاطيه للمواد المخدرة من عدمه

تزداد سخونة القضية فى تفاصيل أخرى، الجانى يحاول التنصل من جريمته، ويشير إلى أن علاقته كانت ممتازة بالمهندس، وتارة أخرى يعترف تفصيليًا بجريمته، ثم يوجه الاتهام الى الجن الذى دفعه لارتكاب الجريمة الشنعاء..

لن نستبق التحقيقات، التى تجرى الآن للكشف عن الأسباب والملابسات والكواليس، خاصة وأن التحقيقات المبدئية تشير إلى شبهة تعاطى الجانى للمخدرات، كما يشتبه فى كونه مريض نفسى، وهو ما دفع جهة التحقيق إلى عرضه على الطب الشرعى وإيداعه فى احدى المصحات النفسية لإعداد تقارير رسمية للكشف عن احتمالية تعاطيه للمخدرات أو معاناته من خلل نفسى، أو عدم معاناته من الامرين.

الآن نعود إلى تفاصيل الجريمة الغامضة، نكشف ما حدث حسب السيناريوهات المتداولة واقوال شهود العيان والتحقيقات الرسمية.

اقرأ أيضًا | المشدد 5 سنوات لعصابة تهريب المهاجرين عبر مركب صيد

◄ تحذير
«مش لابس السيفتي ليه، البس السيفتي وكمل شغلك بدل ما اعملك جزا».. هذه الجملة العابرة قالها مهندس في ريعان شبابه، إلى سائق لودر، رآه يهمل في مهام عمله، فما كان من سائق اللودر إلا أن رد عليه ردًا مميتًا، بأن تتبع المهندس، ورفعه من الخلف بـ«سكينة» اللودر، وطرحه أرضًا، ثم رفعها فوقه ودهسه بها مرتين، حتى غرق في دمائه. 

بعد أن تخرج في كلية الهندسة بجامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والآداب، تقدم إلى احدى الشركات الكبيرة، للعمل مهندسًا معماريًا، وبعد أن اجتاز الاختبارات، استلم وظيفته في الشركة، وبالفعل، على مدار ٣ سنوات، انتقل للعمل مع الشركة من موقع لموقع، وأظهر براعة وإخلاص جعله على رأس المهندسين المعماريين الذين يكلف لهم الأعمال الإنشائية الضخمة.

قبل ما يقرب من عام ونصف العام، أسندت إلى الشركة بناء كمبوند في منطقة التجمع الخامس تحت اسم «سوديك فيليت»، والتي أسندت العمل في الموقع لشركة اخرى، وشاء القدر أن يكون المهندس فادي نبيل، المهندس المعماري، الموكل له العمل في الموقع، رفقة مجموعة من زملائه.

◄ النيابة تأمر بإيداع المتهم مستشفى الصحة النفسية للكشف عن حالته العقلية

ستمر عمل المهندس فادي نبيل في الموقع قرابة العام ونصف العام، وقتها كان مثالاً لحسن الخلق، والتفاني في العمل، واستطاع في وقت قصير أن ينال ثقة رؤسائه، وأن يكون محبوبًا من العاملين في الموقع.

لكن كان اعتراضه الوحيد، على أن الشركة التي يعمل فيها، كانت تقوم بين لحظة وأخرى، بتعيين سائقين للعمل في الموقع بشكل عشوائي، على الرغم من افتقادهم لأبجديات قواعد السلامة المهنية، ودون أن يتم إجراء تحليل مخدرات لمعرفة ما إذا كانوا يتعاطون أم لا.

هذه الأمر، رفعه المهندس المعماري، فادي نبيل، أكثر من مرة، إلى رؤسائه، لكن لم تتحرك الشركة، ولم تأخذ إجراءً واحدًا، وصار الوضع من سيئ لأسوأ، ووصل الأمر إلى أن المهندس المعماري، فادي نبيل، الوحيد الذي طالب بضرورة إجراء تحاليل لكشف المتعاطين، يموت بسبب سائق لودر، متعاطي، بسبب مشادة كلامية في العمل.

◄ مشهد مرعب
صباح الاثنين الماضي، قبل أسبوع، وأثناء ما كان المهندس فادي نبيل يتابع مهام العمل في الموقع، ويشرف على العمال لتنفيذ ما طلبه منهم، لاحظ وجود أحد سائقي اللودر، في موقع العمل، في غير وقت الراحة، يتكاسل عن أداء العمل.

في الحقيقة، هذا السائق كان غريب الأطوار، يفتعل المشكلات طول الوقت، ويُهمل في عمله، ولا ينفذ ما يطلب منه، ومع أن هذا الكلام وصل إلى المهندس فادي، إلا أنه لم يعره اهتمامًا، طالما أن السائق ينفذ ما يُطلب منه، لكن صبيحة هذا اليوم المشؤوم، وأثناء تفقد المهندس فادي الموقع، رأى إهمال سائق اللودر رؤيا العين.

كان السائق يقف بجوار اللودر، يدخن سيجارة، ولا يرتدي ملابس الـ«سيفتي»، كل هذا في وقت العمل وليس في وقت الراحة، حينها ذهب المهندس فادي إليه، وأبلغه بلغة شبه حادة: «إنت مش لابس السيفتي ليه، البس السيفتي وكمل شغلك بدل ما اعملك جزا».

فور أن سمع سائق اللودر ما قاله المهندس فادي له، استشاط غضبًا، وعليه، استقل اللودر الذي يعمل عليه، وما أن استدار المهندس فادي ليتابع مهام العمل، سار السائق باللودر خلفه، وما أن وصل إليه، رفعه بـ«سكينة اللودر» من ظهره، وقبل أن يصرخ المهندس فادي كان قد أوقعه أرضًا، وفي لحظة نزل عليه بـ«سكينة اللودر» مرتين فوق جسده، فحطم عظامه، ووفقًا لشهود العيان في الموقع، كانت الدماء تنزف من جسد المهندس فادي بغزارة، من فرط ما تعرض له جراء دهس جسده بـ«سكينة اللودر».

◄ شهود عيان
أوضح عدد من شهود العيان، من زملاء المهندس فادي نبيل، أنه بمجرد ما أن حدثت الواقعة، أبلغوا الإسعاف فورًا، خاصة أن زميلهم كان وقتها على قيد الحياة، وبالفعل، بعد أن وصلت عربة الإسعاف إلى موقع الحادثة، وأثناء خروجها بجسد المهندس فادي، دخل أحد الأسياخ الحديدية في عجلة السيارة، مما أدى إلى توقف السيارة ما يقرب من نصف ساعة، وبعد أن أصلح السائق العطل، وقام بتغيير العجلة، وانطلق إلى المستشفى، كانت قد صعدت روح المهندس فادي إلى بارئها.

كما أفاد بعض شهود العيان أنهم تحفظوا على السائق لحين وصول الشرطة، وقتها قال لهم مرة أنه عليه جن، ومرة يقول لهم بأنه مريض نفسي، لكن أوضحوا أن سائق اللودر معروف عنه تعاطي المواد المخدرة، وتحديدًا الترامادول.

وأضافوا؛ أن سبب الواقعة كانت عندما طلب المهندس فادي من سائق اللودر بعض الطلبات في العمل، الأمر الذي لم يتقبله الأخير، مما جعله يقدم على هذه الجريمة.

في حديثه لـ«أخبار الحوادث»، أوضح بيتر، ابن خالة المهندس فادي؛ أن سائق اللودر أقدم على قتل ابن خالته عمدًا بسبب خلافات في العمل، وأن سائق اللودر يتعاطى المخدرات، وأفاد بأن المسؤول الأول والأخير - حسب رأيه - تقع على عاتق الشركة، التي عينت سائق اللودر وكثير غيره دون أن تقوم بإجراء لهم تحاليل تعاطي، الأمر الذي أدى في الأخير إلى ارتكاب هذا السائق هذه الجريمة تحت تأثير المخدر، انتقامًا من المهندس فادي.

◄ بيان النيابة العامة
أما على الجهة الرسمية، وبعيدًا عن السيناريوهات التى تتأرجح احياناً، كشف النيابة العامة فى بيان رسمى عن التحقيقات المبدئية للجريمة، حيثُ كانتِ النيابةُ قد أُخطرتْ صباحَ أمسِ الِاثنينِ الخامسَ عشَرَ من شهرِ مايو الجارِي بدهسِ سائقِ مُعدّةٍ ثقيلةٍ «لودر» مهندسًا بموقعِ بِناءٍ تحتَ الإنشاءِ، باستخدامِ جرافتِهَا، وتمَّ ضبطُ المتهمِ واللودرِ المستخدَّمِ في الجريمةِ، فباشرتِ النيابةُ العامةُ التحقيقاتِ.

وقدِ استهلتْهَا بالِانتقالِ لمسرحِ الواقعَةِ لمعاينتِهِ ومناظرَةِ جُثمانِ المجنيِّ عليه، واصطحبتْ عددًا مِن شهودِ الواقعَةِ لسؤالِهِم، واستجوبتِ المتهمَ المضبوطَ الذي أقرَّ بارتكابِهِ الجريمةَ وأجرَى محاكاةً تصويريةً لكيفيةِ ارتكابِها.

وقد كان حاصلُ أقوالِ شهودِ الواقعةِ في التحقيقاتِ أنَّ المجنيَّ عليه يعملُ مهندسًا بالموقعِ، بينما المتهمُ يعملُ سائقًا به لرفعِ مخلَّفاتِ أعمالِ البناءِ باستخدامِ لودرٍ يقودُهُ، وأنَّ المتهمَ لم يكنْ يخالطْ باقي العاملينَ بالموقعِ، ولا يوجدُ أيُّ خلافاتٍ بينَهُ وأحدٍ، ولم يسبقْ رؤيةُ حوارٍ يجرِي بينَهُ والمجنيِّ عليه سلَفًا أو قُبيلَ الواقعَةِ، ولم تحدثْ أيُّ مشادَّةٍ بينَهُما حينَها، وقد تناهَى لسمعِ العاملينَ بالموقعِ صراخُ المجنيِّ عليه فأبصرُوهُ ملقًى أرضًا بجوارِ اللودرِ غارقًا في دمائِهِ وقد فارَقَ الحياةَ بعدَمَا صدمَهُ المتهمُ بجرافتِهِ عدَّةَ مرَّاتٍ متتابعَةٍ، فضبطُوهُ وأبلغُوا الشرطةَ.

وباستجوابِ المتهمِ فيما هو منسوبٌ إليه مِنِ اتهامٍ أقرَّ بقتلِهِ المجنيَّ عليه عمدًا معَ سبقِ الإصرارِ والترصدِ.

وقد توصلتِ التحرياتُ إلى صحةِ الواقعةِ، والِاشتباهِ في معاناةِ المتهمِ من مرضٍ نفسيٍّ.
وعلى ذلكَ فقد أمرتِ النيابةُ العامةُ بحبسِ المتهمِ احتياطيًّا على ذمةِ التحقيقاتِ، وعَرضِهِ على مصلحةِ الطبِّ الشرعيِّ لأخذِ عينةِ دماءٍ منهُ وتحليلِهَا لبيانِ مدَى تعاطيهِ لأيِّ عقاقيرَ طبيةٍ أو موادَّ مُخدِّرةٍ، إضافةً إلى ندبِ مصلحةِ الطبِّ الشرعيِّ لإجراءِ الصفةِ التشريحيةِ على جثمانِ المجنيِّ عليهِ لبيانِ سبَبِ وكيفيةِ حدوثِ وَفاتِهِ، مع استمرارِ التحفظِ على اللودرِ المضبوطِ.

وجارٍ استكمالُ التحقيقاتِ، واتخاذُ إجراءاتِ إيداعِ المتهمِ إحدَى منشآتِ الصحةِ النفسيةِ الحكوميةِ لإعدادِ تقريرٍ بشأنِ حالتِهِ.