طالب الحقوق.. أنهى حياة «جنى» لطلب فدية من أسرتها

الطفلة جني
الطفلة جني

حبيبة جمال

 ليس هناك مجرم بالفطرة، ولكن حتمًا أن يختار الشخص بإرادته طريق الجريمة، أو أن تهيئ له الظروف الطريق إلى ارتكاب جرائم بدون تخطيط مسبق ولكن شرط أن يحمل في نفسه نوازع الشر.. قديما عندما كنا نطالع صفحات الحوادث كنا نرى أن معظم الجرائم يرتكبها مسجلون خطر سواء إن كانت الجريمة سرقة أو سطو أو نصب أو حتى قتل ولكن الغريب هو ما نشاهده الآن من تغير في شخصية المجرم نفسه، فأصبحنا نشاهد طلبة يرتكبون أبشع الجرائم، وآخرون يحملون شهادات عليا ويشغلون وظائف مرموقة ثم ينزلقون في مستنقع الجريمة، ولكن كل هذا لم يغب يومًا عن أعين رجال المباحث الذين يوسعون دائمًا من دائرة الاشتباه؛ لتتعدى حدود  المسجلين أو أصحاب السوابق.. في التحقيق التالي نسرد لثلاث جرائم قتل الرابط المشترك فيهم هو أن القتلة طلبة، والأدهى أن اثنين منهما تلميذان بالمرحلة الابتدائية لا يتعدى عمرهما 9 سنوات، والجريمة الثانية بطلها أيضًا تلميذ ثانوي، والجريمة الثالثة طالب في كلية الحقوق أي دارس للقانون وقواعد العدالة وعلم الإجرام، فهم جميعًا انجرفوا نحو طريق الإجرام البداية كانت تخطيطًا لجريمة سرقة وطلب فدية ثم تحولت إلى قتل عمد، وإلى تفاصيل الجرائم الثلاث.

تحول من طالب جامعي لقاتل محترف.. نزع قلبه ووضع مكانه قطعة من الحجارة، أعماه الطمع وسيطر على عقله وقلبه فأصبح لا يرى سوى الدم والتنكيل، بدلا من أن يفكر في طريقة أو عمل بالحلال لجلب المال له وتسديد ديونه؛ اختار طريق الشر والحرام؛ فكانت النتيجة قتل طفلة بلا ذنب، وصار حكم الإعدام مصيره.. وإلى التفاصيل المثيرة.

مصطفى فايز، هو اسم القاتل، طالب في الفرقة الثالثة بكلية الحقوق، من أسرة متوسطة الحال، توفى والده فانقلبت حياته رأسًا على عقب؛ فقرر الخروج لسوق العمل لكسب قوت يومه بالحلال لمساعدة أسرته، اشتغل عامل دليفري، ثم افتتح مشروعًا لكنه فشل، بدأت تتراكم عليه الديون، حتى وصلت ٤٠ ألف جنيه، بدأ اليأس يتسلل لقلبه، يتذكر كيف كان يعيش وكيف أصبح حاله، تذكر صديق له يدعى محمد، بدأ يشكي له همه، وبدلًا من أن يفكر معه في حل، كان محمد كالشيطان، اقترح عليه خطف طفلة وطلب فدية من أسرتها، ويبدو أن مصطفى كان لديه الاستعداد لفعل أي شيء مهما كان لجلب المال، جلس الاثنان يفكران في من تكون الضحية، ووقع اختيارهما على طفلة تدعى جنى جارة القاتل، بعدما علما بأن أسرتها يبحثان عن منزل جديد للشراء أي أن حالة الاسرة متيسرة، فقررا خطفها وطلب فدية؛ تجرد مصطفى من كل مشاعر الإنسانية وارتدى عباءة الشيطان وسيطر عليه الطمع والجشع وجلس يخطط لجريمته، تمر الأيام يوم بعد يوم، ومصطفى مازال يفكر في خطته حتى رسم كافة خيوطها وانتظر حتى تأتي الفرصة المناسبة.

في الناحية الأخرى وفي بيت بسيط ببولاق الدكرور، نشأت جنى، الضحية، طفلة لم تكمل عامها العاشر بعد، تشبه في ملامحها الملاك، نظراتها تملأ الكون بالبراءة والحيوية، هي أغلى ما يملك والدها، ينظر إليها وهي تكبر يوما بعد يوم أمام عينيه، لم يتخيل أن نهايتها ستكون القتل وخطفها من بين أحضانهم دون سابق إنذار وبلا أي ذنب.

تفاصيل الجريمة

كان مصطفى يقف مع صديقه محمد أمام منزله، حتى وجد جنى تأتي إليه وتسأله عن شقيقته لتلعب معها، وبينما كانت تجري هنا وهناك كالفراشة الجميلة، كان مصطفى يسير بخطوات بطيئة مثل اللصوص، يرقب بعينيه الضيقتين ضحيته، إلى أن نجح في استدراجها من عالمها الصغير؛ فذهبت معه بحسن نية وما أن دخل بها بيته تركها تلعب بعض الوقت، وخرج ينادي صديقه ليستكملا ما خططا له، لكن محمد تحجج وانصرف وترك مصطفى يتخلص من الضحية، فدخل البيت وأثناء لهوها أحضر حبلا وقبل أن يتخلص منها سألها: أنتِ حافظة القرآن؟، لتجيب نعم، فقال لها قولي أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، لتنفذ الطفلة بكل براءة ما قاله وما انتهت من نطق الشهادة خنقها بالحبل دون شفقة أو رحمة ولم يتركها إلا وهي جثة هامدة؛ لتسقط على الأرض ويجلس بجانبها لما يقرب من ربع ساعة لا يعرف كيف يتصرف أو ماذا يفعل، حتى وقعت عيناه على جوال داخل البيت، فوضع جنى بداخله ثم حملها وصعد بها أعلى المنزل وظل يبحث عن مكان يخفيها فيه، حتى وجد حفرة بالقرب من المنور فوضعها فيها وغطاها بالرمال ونزل مسرعًا لشقته، ثم اتصل بصديقه ليعرف منه الخطوة التالية، فأخبره أنه لابد من شراء خط جديد للاتصال بأسرة الطفلة وطلب فدية منهم، وفي اليوم التالي أحضر المتهم عامل لوضع طبقة أسمنتية فوق مكان الجثة حتى لا يكشفها أحد.

في الوقت الذي كان فيه مصطفى حائرا لا يعرف نهاية ما فعله، كانت أسرة جنى في حالة يرثى لها، يبحثون عنها في كل مكان، ولم يكن أمامهم حلا سوى إبلاغ مركز الشرطة، وتشكل فريق بحث لكشف اللغز.

وجد المتهم نفسه لا يستطيع الاتصال بأسرتها، وإلا سيتم القبض عليه وتنكشف جريمته؛ فاتصل بنجل عمه وأبلغه بجريمته، واستمع له وهو في حالة من الذهول، ثم ذهب معه لشقيقه وقرروا نقل مكان الجثة، فحملوها وذهبوا بها لسلم الرشاح على الدائري بصفط اللبن، وألقوا بالجثة في غرفة الصرف الصحي، ثم عادوا لمنازلهم.

منذ تلك اللحظة التي تخلص فيها مصطفى من الطفلة لم ينم ودائما ما يشعر بالقلق وتطارده الكوابيس كل ليلة؛ كل عدة أيام يذهب للمكان الذي ألقى فيه الجثة ويقف ينظر إليها ثم يعود لبيته، ظل على هذا الحال 29 يوما، اعتقد بذلك أنه أفلت من العقاب وسوف يعود لحياته بشكل طبيعي؛ لكن لم يستيقظ من أحلامه إلا ورجال المباحث يدقون بابه للقبض عليه بتهمة قتل الطفلة وذلك بعدما عثر عليها عامل أثناء تنظيف غرفة الصرف الصحي وبعد مراجعة كاميرات المراقبة تأكد رجال المباحث أنه القاتل.

وهناك أمام رجال النيابة انهار مصطفى واعترف بتفاصيل جريمته، وتم حبسه وثلاثة آخرين، وتحولت القضية لمحكمة الجنايات، وتولى المحامي وليد عبد الوهاب الدفاع عن المتهمين، وبعد ثلاث سنوات من تداول القضية داخل المحكمة، قضت الدائرة 12 بمحكمة جنايات الجيزة برئاسة المستشار أحمد حمدي السرجاني، وعضوية المستشارين طارق خميس محمد، وأحمد محمد البطران، وهاني صبري أحمد، بإعدام المتهم مصطفى، والسجن عشر سنوات لصديقه محمد،والحبس عام لكل من شقيقه ونجل عمه، وقال المحامي: إن الأحكام جاءت متفاوتة بسبب أدوار المتهمين في القضية، وأكد أنه سيلجأ للنقض على الحكم وهو حق أصيل يكفله القانون. 

وبعد النطق بالحكم، علق المتهم قائلا: «أنا مرتاح ومبسوط أهم حاجة أم البنت تسامحني وربنا يعينها على اللي هي فيه ويعيني على أنا فيه».

ليكون هذا الحكم هو عنوان الحقيقة، وليتأكد القاتل أنه لم يجن شيئا من طريق الشر ولم يحقق هدفه.. فقط تحول من إنسان شريف ومكافح لقاتل محترف يخسركل شيء. 

نقلا من عدد أخبار الحوادث بتاريخ 18/5/2023

اقرأ أيضًا : مسجلان خطر يمزقان جسد شاب في الشارع ويعلنان الجريمة عبر "الفيس بوك"