الذكاء الاصطناعي يصنع أغنيات وأفلام .. فن بدون فنانين

الذكاء الاصطناعى
الذكاء الاصطناعى

ريزان العرباوي

باتت الاستخدامات المتعددة لنظم الذكاء الاصطناعي، وخاصة في كتابة البرامج النصية, تكتسب أهمية كبيرة في هوليود ومنها للشرق الأوسط، حتى أصبح بإمكان تلك البرامج الذكية المختلفة، ومنها “Chat GPT” وغيرها, القيام بالوظائف البشرية في شتى المجالات، ومنها الفن, حيث تم استخدامه كعامل مساعد في كتابة بعض السيناريوهات والأغاني، ليحدث ثورة في عالم صناعة السينما والتلحين والموسيقى, وبعد أن كان من المفترض توظيف تلك المستحدثات لمساعدة صانعي الأعمال الفنية في إنتاج أعمالهم وفقا لأعلى المعايير, انتشرت المخاوف من فكرة الاستغناء عن العنصر البشري وإستبداله بالذكاء الاصطناعي الذي أصبح قادرا على محاكاة العقل البشري.. فما مدى تأثير وهيمنة تلك الثورة الرقمية؟, وهل من الممكن أن تحل البرامج الذكية محل كتاب السيناريو والمؤلفين وصناع الأغاني في المستقبل؟، والأهم هل من الممكن أن يصنع الفن بواسطة آلة؟.

انطلقت المطالب في هوليوود بضرورة حماية الصناعة والإستمرار في استخدام الذكاء الاصطناعي فقط كعامل مساعد, بينما يظل البشر في موقع القيادة, جاءت تلك المطالب تزامنا مع إضراب كتاب السيناريو والمؤلفين للمطالبة بضرورة حماية حقوقهم بعد انتشار المخاوف من إستبدال العنصر البشري بالبرامج الذكية في المستقبل.

تلك البرامج تمكنت أيضا من غزو صناعة الأغاني, بتقديم أغاني مزيفة بأصوات أشهر المطربين, ومؤخرا انتشرت أغنية مزيفة للمطربين الكنديين “Drake & TheWeeknd” من صنع الذكاء الاصطناعي، واستطاع صانع المحتوى جنى آلاف الدولارات مقابل هذا العمل الذي يندرج تحت مسمى التزييف والاحتيال وإختراق حقوق الملكية الفكرية.

بعدها أعلن بعض المطربين السماح باستخدام صوتهم لتوليد أغاني بالذكاء الاصطناعي، شرط الحصول على نصف العائد الذي تحققه تلك الأغاني.

الغريب في الأمر هو إعلان جيفري هينتون، الملقب بـ”الأب الروحي للذكاء الاصطناعي”، استقالته من منصبه في شركة “جوجل”, ونشر تغريدة قال فيها:  “غادرت حتى أتمكن من التحدث عن مخاطر الذكاء الاصطناعي دون التفكير في كيفية تأثير ذلك على (جوجل)”, وحذر هينتون من التهديدات طويلة المدى التي تشكلها أنظمة الذكاء الاصطناعي على البشر إذا تم منح التكنولوجيا قدرا من الاستقلالية أكثر مما ينبغي، الأمر الذي زاد من مخاوف صناع الفن سواء في هوليود أو الشرق الأوسط.

 

جرائم إلكترونية

أكد د. حسن عماد مكاوي، أستاذ الإعلام وخبير تكنولوجيا المعلومات, في بداية حديثه على أهمية التكنولوجيا بحياة الإنسان وضرورة تطويعها لخدمته, ويقول: “مما لا شك فيه أصبح للذكاء الاصطناعي دور فعال في شتى المجالات, فلا يمكن إنكار وظائفه وتأثيره الإيجابي, فقد سهل على سبيل المثال صناعة قصة إخبارية بالكامل أو طرح تفاصيل اجتماع عن طريق برنامج (Chat Gpt) من خلال استخدام البيانات الضخمة, كما يستطيع من خلال الخوارزميات أن يجمع كل المعلومات المرتبطة بقضية معينة ويقدمها بشكل يحاكي صنع الإنسان وأحيانا قد يتفوق عليه، بالإضافة إلى سرعة إنجاز المهام الموكل بها”.

لكن بالرغم من الإيجابيات السابقة لا يمكن إغفال أو غض البصر عن أن الإنسان أصبح في مواجهة تحدي من نوع خاص، فتلك المميزات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي والقدرة على القيام بالوظائف البشرية المتعددة, قد يشكل تهديد للعنصر البشري نفسه الذي قام هو بخلقه وابتكاره, فقدرة التعلم الذاتي الذي تمتاز به الآلة بعد تغذيتها بالمعلومات تمكنها من تعليم نفسها ذاتيا وزيادة معلوماتها بعيدا عن الإنسان، وهذا خطر كبير جدا, ولا استبعد انفلات الأمور بشكل غير مرغوب فيه مستقبلا، مع التطور والانتشار أو من خلال التطوير الذاتي للآلة, لذلك نطالب العلماء بالبحث عن كيفية الاستفادة من التكنولوجيا، وفي نفس الوقت وضع قيود على تلك البرامج والأجهزة التي تطور من نفسها بعيدا عن تدخل الإنسان, ومع ذلك فكرة الاستغناء عن التكنولوجيا غير واردة، ومن المستحيل استبعادتها، لكن من المهم العمل على توظيفها بما يخدم البشرية، وليس بما يحقق الضرر”.

ويتابع قائلا: “حتى الآن مازال العنصر البشري المسيطر والمتحكم بشكل أساسي، ويسخر الآلة أو الذكاء الاصطناعي بما يخدم أهدافه وأغراضه, ولإستمرار ذلك لابد من استحداث قوانين للحماية, لكن للآسف دائما ما تأتي متأخرة, فالتكنولوجيا سابقة بمراحل كبيرة، وهي مشكلة قد تواجه رجال القانون لمواكبة أو ملاحقة تلك التطورات بما فيها من تأثيرات ضارة وخطيرة.. ومن بعض الاستخدامات الضارة لتلك البرامج العمل على تزييف الصوت والصورة بتركيب صوت شخص ما على صورة آخر, أيضا هناك التزييف العميق الذي يتمكن من خلق حكايات كاملة من خلال صورة شخصية ثابتة قد يصنع منها أفلام سينمائية, فالمسألة في منتهى الخطورة، وقد تفتح المجال للجرائم الإلكترونية من إبتزاز أو تحرش وغير ذلك”.

تجارب فنية

في ذات الإطار، أعرب السيناريست عمرو سمير عاطف, عن قلقه بشأن الهيمنة الإلكترونية, قائلا: “للآسف الشديد ليس بإمكان أي شخص أن يوقف عجلة التطور, وأن يقف في مواجهة الآلة التي أصبحت قادرة على فعل كل شيء وأي شئ والقيام بوظائف مختلفة، حتى لو ترتب عليه تعطيل وظائف وإحلال بعض الناس من وظائفهم وتهديدهم بالجلوس في منازلهم, فالتحديات كبيرة, لذلك لابد أن يتميز العمل البشري بالإنجاز والإبداع، وطالما أنه يتحقق بتكلفة أقل فهي وسيلة لضمان البقاء والإستمرار في مواجهة هذا التطور الذي أصبح من الصعب عرقلته، حتى وإن تم سن وتشريع قوانين للحماية، سنجد من يخالف هذا الإجماع في سبيل تحقيق أغراض شخصية”.

ويضيف: “الغزو الإلكتروني للعقل البشري بدأ بالفعل، فهناك تجارب فنية لأفلام قصيرة من صنع الذكاء الاصطناعي, وأنا شاهدت فيلم قصير مدته ربع ساعة تأليف وإخراج وتصوير الذكاء الاصطناعي, فكنت أمام عمل مذهل يضاهي الصناعة البشرية فهي تجربة تستحق التوقف عندها ودراستها, ومع ذلك مازال هناك جوانب في الفن أأعتقد من الصعب على ذلك الذكاء الاصطناعي منافستها, وبالتالي لن تتأثر بهذا الغزو, وهي العروض الحية كالمسرح والحفلات الغنائية، حتى مع وجود حفلات (الهولوجرام) إلا أنها لم تتمكن من أن تحل محل المطرب الحقيقي, وفي الخارج يستخدم الذكاء الاصطناعي ككاتب مساعد, فالكاتب يقوم بوظيفته لكن بمساعدة تلك البرامج في التفكير, ونظام العمل في أمريكا قائم على ورش الكتابة، ولكل ورشة مشرف، وتمت المطالبة بأن تظل تلك البرامج تحت سيطرة هذا المشرف، لإستخدامها في وظائف محددة, لكن مع التطور الهائل، أرى أنه من الصعب السير على نفس المنوال، وخلال فترة وجيزة سيهيمن هذا الفضاء الإلكتروني على المجال بشكل كامل, لنجد في يوم من الأيام طفل يبلغ من العمر 15 عاما، وقادر على تنفيذ فيلم سينمائي بالكامل من بيته بمساعدة تلك البرامج”.

ويتابع: “المسألة تشكل تحدي لكتاب السيناريو والمؤلفين أكثر من كونها تهديد، بمعنى أن الإنسان مطالب بأن يجد لنفسه دور بديل، ومكان يحتاج لوجوده بالفعل, فمن الصعب الوقوف أمام العلم ومحاربته، فهذا التطور حتميا، وكان لابد وأن يحدث يوما ما، ومهما كان هناك محاولات لمواجهته، ففي النهاية سيكون هو السائد, وإن كنت أرى أن الفن المصنوع من قبل الآلة لن يستطيع منافسة الصناعة البشرية من حيث عناصر متعددة، منها الصدق وتجسيد المشاعر الإنسانية المختلفة أو تأليف قصة بعمق وحساسية (الجريمة والعقاب) مثلا، أو كتب نجيب محفوظ، وغيرها من كبار الكتاب, فالفن إحساس ومشاعر، ولن نجد تنوع بهذا الشكل، وفي رأي من الممكن أن يؤدي فقط الغرض منه بتقديم الحد الأدنى، وهذا في توقعي الشخصي، لكن الاحتمالات والفرضيات قائمة، وكل شيء جائز”.

خوف و ترقب

ويقول الشاعر أمير طعيمة: “حاليا لابد أن يوضع الذكاء الاصطناعي بين قوسين، لأن أي مستحداثات خاصة في مجال التكنولوجيا القادرة على منافس العقل البشري غالبا ما يقابلها خوف وترقب، وأحيانا رفض, لذلك الحكم النهائي لابد أن يأتي بعد فترة من وجودها, ومع ذلك أرى أنه بالفعل موضوع مقلق، خاصة في الوقت الحالي, وقد خدعت بالفعل في بعض المحتويات، وأعتقدت أنها حقيقية، مثل صور الملك تشارلز بعد تنصيبه, إذا نحن أمام تحدي كبير, كذلك فكرة الصوت، وأن يتم صناعة أغنية بالكامل لأشهر المطربين في العالم بواسطة تلك البرامج أمر مربك ويستدعي القلق من فقدان القدرة على التمييز بين كل ماهو حقيقي ومزيف، وبعد فترة بسيطة من الممكن أن يصبح خادع بنسبة 100%, أيضا استمعت لأغنية من أغاني شيرين بصوت إليسا وأصالة”.

ويتابع: “تم التحايل على الواقع في الخارج لتطويع تلك المستحدثات لخدمة المطرب بحصوله على نسبة مقابل إستخدام صوته، في محاولة للتحايل بشكل قانوني على الوضع الجديد، لكن لا نستبعد أن يصبح بعد فترة (تطبيق) بـ5 دولار مثلا يتم من خلاله استغلال أصوات أشهر المطربين, وقتها سيصبح من الصعب السيطرة على الأمر، وسيلحق الضرر بالجميع، وبشكل مباشر, وكلها طرق شيطانية، فكل ما يخالف المنطق والطبيعة الكونية بهذا التدخل يشكل خطورة على الإنسان, والمسألة ليست متعلقة بالفن فقط، فهو موضوع خطير جدا قد ينم عنه كوارث أخرى, فهو يحاول تجسيد الباطل بنفس صورة الحقيقة, المشكلة عند دخول تلك البرامج في الإبداع الذي يعتمد على الموهبة وتجسيد المشاعر الإنسانية، وسنصل لدرجة من عدم الاهتمام بوجود مواهب وأصوات مميزة، (مش مهم يكون في ناس أصلا)”.

ويضيف: “لا أعلم مدى الفائدة من الذكاء الاصطناعي حتى وقتنا هذا، لكن يمكن تصنيفها تحت بند الحروب بصورها الجديدة, فلا أرى لها أي إيجابيات، وهذا الأمر يأتي ضمن الحروب التي نعيشها في آخر 20 سنة، فهناك أوبئة نتيجة للحرب البيولوجية وكوارث طبيعية مصنعة بالتلاعب في عناصر البيئة, فالأمر من الأساس لا يفترض فيه حسن النية، لأن هذا الإفتراض يقتصر فقط على ما فيه نفع للبشرية, لكن هنا البداية والنهاية واحدة، وهي تضليل الناس، ومع ذلك أتمنى أن يكون له إيجابيات، ويتم تقنينه وتوظيفه لخدمة البشر، لا لقتلهم”.

الأب الروحي

الشاعر صابر كمال، حاول فهم هذا العالم الإلكتروني من خلال عدة تجارب يحكي عنها قائلا: “هذا الموضوع شغل حيز كبير من تفكيري منذ بدايته، خاصة عندما قيل أنه سيحل محل البشر في الوظائف الإبداعية وغيرها من المجالات, فخلق بداخلي فضول كبير لإكتشاف هذا العالم, ومن واقع تجربة شخصية أمتدت لخمس ساعات متواصلة، وفي كل محاولة استخدم شتى الطرق والمدخلات التي يتم تغذيته بها, طلبت منه كتابة أغنية بالعامية المصرية مكونة من 12 سطر، أول 4 أسطر وآخر 4 أسطر على نفس الوزن والقافية، مع شرح تفاصيل أغنية حقيقية كما لو كنت أقوم أنا بكتابتها, حتى أصل لنهايته وقدرته ستصل به إلى أي مدى، وشكل المنتج النهائي، والنتيجة كانت مضحكة جدا, حينها أدركت أنه ليس بإستطاعة الآلة تغيير الثوابت ومضاهاة العقل البشري، وقتها أطمئن قلبي, فهو يعمل من خلال تغذيته بأطنان من البيانات لتصبح سيناريو لفيلم أو قصة أو أغنية, تلك النتيجة جاءت بعد عدة محاولات وساعات طويلة لاستكشافه رغبة للوصول لأقصى ما يمكن تنفيذه، وهل نحن بالفعل في خطر؟”.

صابر استكمل حديثه عن تجربته مع الذكاء الاصطناعي بالقول: “قد تكون كفاءة البرامج في الخارج أعلى مما وصل إلينا, لكن المتاح الآن برنامج يتم تغذيته ببعض البيانات فيعيد صياغتها بشكل آخر، أي أنه غير مبتكر من تلقاء نفسه, ومن ضمن الأسئلة التي وجهتها للبرنامج سؤال مباشر عن قدرته في أن يحل محل الكتاب والمؤلفين في المستقبل، فرد قائلا: (لن أحل محل تلك الوظائف، لكن بإمكاني المساعدة), ثم أعدت صياغة السؤال فأجاب مؤكدا أنه بالفعل قادر على ذلك, من هنا بدأت المحاولات التي أفرزت عن أغاني بكلمات غير ملائمة وأوزان مكسورة وقافية غير متطابقة, والموضوع مختل عقليا مطعم بالعامية والفصحى واللهجة اللبنانية والمغربية, لذلك أرى أنه مازال الوقت مبكرا، فهو غير مطعم بالمشاعر الإنسانية، ومهما تم تطويره في المستقبل من المستحيل أن يترجم مشاعر تنافس تلك التي أفرزت عن (اللي شفته قبل ما تشوفك عينيا عمر ضايع يحسبوه إزاي عليا)، مستحيل أن يصل لهذا المعنى، ولن يقوم بخلق شيء جديد، خاصة في مجال كتابة الأغنية، فهذا عمل موجز جدا، وجرعة مركزة من الأحاسيس الملزمة بقافية وأوزان، فهي ليست مجرد كلمة (حلوة) تقال”.

ويتابع: “لا أستطيع التنبؤ بمستقبل الفن في ظل تلك الإستخدامات، فأنا رافض هذا التصور من الأساس، ويجب التحرك سريعا بسن قوانين لحماية الصناع، فهي مسألة ملتبسة ولها أبعاد كثيرة، منها حقوق الملكية الفكرية, وتلك القوانين ستفرض ضد من، وأعتقد أن معظم التجارب التي قد نشهدها من خلال تلك البرامج قد تكون ناتجة عن استخدامات شخصية، وليست كيانات بعينها، فمن سنقاضي، ومن الصعب فرض رقابة على هذا الفضاء, والحل هو إستمرار الإنسان في الإبداع لإثبات أنه من الصعب إستبداله بعقل إلكتروني.. فهو مازال حتى الآن في مرحلة الطفولة، وذلك من واقع تجربتي”.

واختتم حديثه قائلا: “لست ضد أي تطور، لكن أرفض تماما المنطقة التي تسعى إليها التكنولوجيا، حتى إن الأب الروحي للذكاء الاصطناعي استقال من شركة (جوجل) ليحذر من خطورة هذا الأمر، قائلا: (أرجوكم أوقفوا التعامل مع الذكاء الاصطناعي، سيأتي يوما يصعب فيه السيطرة عليه)، وهذا التصرف يؤكد ما قد ينتج عنه من مخاطر, وأنا لا أريد مشاهدة فيلم مصنوع من آلة بلا روح”.

نقلا من عدد أخبار النجوم بتاريخ 18/5/2023

اقرأ أيضًا : بعد إعلان مقاضاته له.. أول رد من عمرو مصطفي على محسن جابر