«ست الحُسن» قصة قصيرة للكاتبة شاهيناز الفقي

الكاتبة شاهيناز الفقي
الكاتبة شاهيناز الفقي

هل اختبر أحدكم من قبل إحساس الانفجار مللاً، أنا الآن انفجرت مللًا وتبعثرت في أركان الغرفة، في حين لم يكف هو عن الحديث للحظات لابتلاع ريقه الذي ملأ فمه وكاد يفلت منه على سجادتي التي قضيت يوما كاملًا في تنظيفها، أو لإشعال سيجارة من علبته البيضاء بغلافها المأساوي الذي يحمل صورة تلك السيدة المقتولة ودخان السجائر يلتف حول عنقها، ولا حتى لتجفيف ذلك العرق المتلألئ على جبينه ليذكرنا بشعارات الستينات عن العمل والعرق و طوبة فضة و طوبة ذهب. يتحدث بمنتهى الشغف عنها، يصفُ شكلها ونضارتها، إشراقها صباحاً وعطرها مساءاً، وكيف تبعث في نفسه الراحة والسكينة، وإن أسعد أوقاته هو ذلك الوقت الذي يقضيه بجوارها.

 

أطرق الحاضرون لحديثه وهم يحتسون الضجر، ونظرت أنا بلا وعي لحديقتي الصغيرة، أتحسر على زمن مضى، كانت هنا جنتي يومًا ما، بوردها الجوري و الياسمينة التي تتدلى بتواضع لتعانق شجرة الليمون قصيرة القامة، فيصنعا لي ذلك العبير الذي يعجز عن مضاهاته الكونت دي مونت شانيل بذاته، وريحانة كانت تتمايل زهوًا مع النسائم الصيفية، وذلك الركن الهادئ الذي طالما حلقت منه لأحلام اليقظة، كل ذلك قبل أن تطالها أعين الحساد ونتعرف على (ست الحسن)، تلك النبتة المتسلقة المستبدة والتي أهداها لزوجي أحد الأشرار، وهي ليست من الحسن في شيء، خضراء ذات رائحة نفاذة، استولت على اهتمام زوجي فبات يقضي معظم وقته  لرعايتها وسقياها، هو الرجل الذي كنا نوقظه بالطبل البلدي أصبح يستيقظ من نومه في منتصف الليل للاطمئنان عليها،


وقد اضطر أن يزيد من ارتفاع سور الحديقة حتى تستطيع التسلق كما يحلو لها، فأصبحت أنا محاصرة بجدران خضراء عالية عزلتني عن العالم الخارجي، و لم يقف الأمر عند هذا الحد بل إن تلك المتوحشة استطاعت التوغل و فرض سيطرتها على حديقتي فتسلقت كل ما يمكن تسلقه من أغصان الورد و الياسمينة و شجرة الليمون وحتى مقابض الأبواب والنوافذ والتهمت أعمدة الدرابزين ومصباح كان يسطع في ظلمة الليل، وباتت تنتابني الهواجس والأحلام المزعجة أن استيقظ في أحد الأيام لأجدها قد تسلقت زوجي أو التفت بوحشية حول جسدي. أعادني من أفكاري صوت أحد الحاضرين وهو يشكرنا على تلك الهدية الكريمة ويحتضن بشغف علبة امتلأت ببذور ست الحسن أهداها زوجي له ليزرعها في حديقته، هممت أن احذره ولكنى اكتفيت بابتسامة، وتيقنت وقتها من صدق العبارة التي تقول بأن الطبيعة الإنسانية تميل إلى الشر في كثير من الأحيان.