ممدوح الصغير يكتب: أرض الأولياء

الكاتب الصحفي ممدوح الصغير
الكاتب الصحفي ممدوح الصغير

قرية قديمة، كثيفة السكان، عمرها من زمن الحضارة المصرية القديمة، كانت قِبلتى لقضاء أيام العيد، تعوَّدت على السفر إليها، إذ للعيد فيها فرحة ومذاق خاص لا أشعر به فى قاهرة المعز أجمل عواصم العرب.

أصفون المطاعنة، نجمة الحكاية التى أقصها لمن  يُطالع  سطورى، هى أكبر قرى مركز إسنا بالأقصر، والأعلى تعليمًا بين معظم  قرى الجنوب، نسبة من يحمل شهادات عليا رقم مرتفع بصورة كبيرة لا تراه فى أى قرية أخرى.. معالم الحضارة القديمة لا تزال تُحافظ عليها، فبها أقدم مئذنة فى مصر، تاريخها يرجع إلى 15  قرنًا ماضية، بسبب ندرتها، رصدت لها الدولة 7 ملايين جنيه لترميمها؛ للحفاظ عليها  كأثرٍ مهم.

وحتى اليوم لا تزال أضرحة أولياء  الله بها كما هى منذ  قرون عديدة، لم يُجدَّد بها حجرٌ واحد، أصفون كانت أرض أولياء الله، فأسفل ترابها عددٌ كبير من أولياء الله، أشهرهم الأمير غانم، الذى له مولد سنوى يُقام بناءً على موافقة من الحكومة صادرة من زمن محمد على، وتُقام الليلة الختامية 14 من شهر شعبان من كل عام، ومع فض المولد ينصرف المريدون للسفر لقنا؛ لحضور الليلة الختامية لقطب الزمان عبدالرحيم القناوى، الذى يُجاور ضريحه عددٌ من أضرحة أولياء الله من بينهم الشيخ ناصر، والشيخ معوض، والشيخ ريان، وهى أضرحة مُقامة منذ قرون بعيدة، شُيِّدت جُدرانها بالطين، وحافظ عليها سكان البلد ، وصار ممنوعًا الاعتداء عليها أو تغيير ملامحها، إذ يعتقد الجيران أنهم يعيشون ببركة أهل الجوار، أولياء الله.

يصعب أن تعرف حكاية أى ولى سوى الأمير غانم شهيد الحرب الذى كُرِّم بمولده بسبب كراماته التى وُرثت عبر حكايات رُويت ونُقلت من الأجداد للأحفاد.. جنوب القرية، يحف الحدود الجنوبية الشيخ أبوعوف، ذلك الشيخ المُعمِّر الذى عاش حتى نهاية حياته بأصفون، إذ أحبَّ أهلها، وكان قد عاش قَبلها عِدَّة سنوات فى قرية طفنيس، ولكنه عند موته أوصى بدفنه بجوار الشيخ الحسانى..

للشيخ  أبوعوف كرامات عاصرها الناس، دعا للعروس فتزوَّجت فى نفس الأسبوع،   فتح الله بالثراء على من كان يُعاونه فى الخير، حلَّ العشرات من المشاكل دون أن يُعلم أى فردٍ بالمشكلة، يتيميات تزوجن بفضل   جهده.

ورغم التوسعات الكبيرة  للقرية المعمِّرة، لا يزال أهلها يعشقون التواجد فى رحاب تجمعات أولياء الله، الكولة بأصفون أعلى منطقة بالقرية، فوق أرضها تتجمع أضرحة أولياء الله، فإن ممرت ليلًا رغم الظلام تشعر بالأمان لأنك ترى إضاءة مقامات الأضرحة.

وترجع أصول سكان أصفون للجزيرة العربية، كل سكان المطاعنة وفدوا من جريزة العرب، وكتب المقريزى عنها بأنها بلد العِلم والعلماء، منها نجم الدين الأصفونى، من فقهاء الشافعية، سكن مدينة قوص فترة من الزمان، وصاحب كتاب  مختصر الروضة، نجم الدين الأصفونى عاش فى القرن الثامن الهجرى، وقد كان فيه العلماء أصحاب الوزن.

يصعب حصر علماء أصفون الذين كثر عددهم، إذ بأصفون أكثر من خمسين إمامًا يخطبون على منابر مساجد المحافظة، ولأنها قرية تُقدِّر العِلم، يُحسب للدولة توفير  عدد كبير من المدارس الحكومية العامة والأزهرية.