«شوق ملفح بالنيران» قصة قصيرة للكاتب مصطفى رشاد

الكاتب مصطفى رشاد
الكاتب مصطفى رشاد

جالسا أمام النافذة حول آلة موسيقية عتيقة.. يخترق شعاع الضوء النافذة منكسرا عليه وعلى آلته العتيقة، تطايرت ذرات الغبار ببطيء شديد، كسقوط الثلج في الطرقات، أو كقنديل البحر العظيم، وهو يسبح في الأعماق الشاسعة.


يكسو الخشب البني اللامع ذلك الاختراع العجيب، وداخله أزرار أغلبها يكسوها الأبيض وقليل منها أسود، يجلس معتدلا على كرسي دائري صغير، واضعا على يساره مشروبه المفضل، ذو الرائحة الخلابة، قهوة في فنجان مزخرف، تتمايل خيوط دخانه يمينا ويسار، كريشة بيكاسو وهي ترسم أموج البحر، واضعا أمامه دفتر يدون فيه رسومات وحروف، يبدو كأنها أدوات للسحر يدونها كي لا ينساها.
في أقصى يمين الغرفة، مدفئة خشبية بها بعض الحطب تلتهمه النار، وتصدر أصوات فرقعة ممتعة، ويظهر ذلك اللون السحري العجيب الممزوج بين الأصفر والأحمر والأبيض، النار المهيبة ترقص على أصوات احتراق الحطب.


يأخذ رشفة من الفنجان ثم يتذوقه ببطيء، ويعيده إلى طبقه مرة أخرى، مصدر صوت ارتطام هادئ، ويتمايل بسيطا على مقعده معلنا إعجابه الشديد واستمتاعه بمذاقها، ثم يهمهم بلا حروف، مجرد لحن صوتي ممدد راحيتيه على أزراره البيضاء، بداية من أقصى اليمين معاودا إلى اقصى اليسار واستقر في المنتصف وضغط بأصابعه ضغطة رقيقة مصدر صوت عجيب.


وانطلق يعزف ويدون، ويأخذ رشفة من الفنجان، ويعيد الكرة مرارا بحماس وانسجام مع الضوء والغبار ورقص الدخان والنار، إنها سيمفونية مذهلة ساحرة استطاعت أن تجمع تلك الأشياء وصنعت منهم حدثا مبهجا فريدا.


وبعد مرور دقائق إلى ساعات، وتدوين الرسومات وقلب الصفحات، انتهى من تحضير وصفه سحرية، ويستعد الآن لتنفيذها بكل حماس.
انطلقت أشجان الآلة الموسيقية العتيقة بنقرات هيام وغرام وحنين شوق ملفح بالنيران ويقول: لا تكذبي 
             أني رأيتكما معا
                ودع البكاء فقد كرهت الأدمع
 بصوت رخيم شديد النبرة رقيق المشاعر، ويا لها من تعويذة ابكتني وأسرتني، أفقدتني حروفي وكلماتي وأجبرتني على الاستماع ومشاهدة هذا الساحر في غرفته وآلته ومدفئته وغباره وقهوته ...