طارق سعيد أحمد
المتأمل في أعمال السيناريست القدير مجدي صابر، وخصوصا الدرامية منها، لابد أن يسأل نفسه عن سر انجذابه لعالمه الدرامي، ومن لم يسأل بعد عليه مناقشة الأمر مرة أخرى،ومن ثم رصد عناصر الأعمال الدرامية التي تكتمل وتبرز في رائعته “سلسال الدم” مثلا - بطولة الفنانة عبلة كامل - العمل الذي استحوذ على نسب مشاهدة مرتفعة مصريا وعربيا لخمس سنوات كاملة..ويقود تلك العناصر عنصر تشكيل الشخصية الدرامية أو بالأحرى “نحتها بمشرط جراح” يستأصل عضوا أو يزرع آخر في جسد الشخصية، هكذا ينحت صابر شخوصه ويرسم لهم بمنتهى الدقة خرائطهم الزمانية والمكانية الخاصة، تحت أحداث تحمل على متنها رسائله الإبداعية، بشخوص وصلت لدرجة تشبع واقعية بكثافتها البصرية وثقل حضورها..التقيته بعد أن وقفت على بعد خطوات منه لمدة دقيقة أشاهد رجل نابض بالحيوية أمامه رزمة من الأوراق والأقلام مستغرق في عمل ما ويسمع “كوكب الشرق”، اعتذرت له لحضوري المبكر بنصف ساعة عن الموعد المحدد بيننا،فقال: “لا عليك.. أعيش يومي هكذا أكتب”، وعدته بأنني سوف أنهي عملي سريعا دون إرهاق..لكني لم أفعل.
في حواري معه سألته عن أجواء كواليس عمله الأخير “ليلة السقوط”، وهل تلقى تهديدات بالقتل من “داعش” كما فعلت مع المنتج العراقي؟، وكيف كانت ردود أفعال طاقم العمل بعد انفجار لغم في وحدة تصوير؟، وعن شهور المعايشة التي قضاها في العراق؟، ولماذا اختار الفنان طارق لطفي؟، وعن سباق الأعمال الدرامية في الماراثون الرمضاني؟، كما ذهبنا للحديث عن تجربة “سلسال الدم” واعتزال الفنانة عبلة كامل، واستشرفنا المستقبل بالحديث عن أعماله الدرامية المقبلة.
قطعة من الواقع
كمن انتهى لتوه من عراك مع الواقع قال صابر: قضيت6 أشهر معايشة ومعاينة بمدينة الموصل، التي جرت بها الأحداث، وفي سنجار أيضا، وقابلت الكثير من القادة العراقيين الذين مروا بالأزمة، كما قابلت الكثير من ضحايا (داعش)، كما استعنت بمراجع، ثم استغرقت الكتابة حوالي عام، وحضرت بدايات التصوير لمدة أسبوعين تقريبا، ثم عدت إلى القاهرة بعد أن إطمأننت أن الأمور تسير على ما يرام”.
ويضيف: “هناك سمعت من الضحايا حكايات من هولها لم أذكرها في (ليلة السقوط)،منها على سبيل المثال الإغتصاب الجماعي للنساء، ورأيت منهن بعض الضحايا، وما لم أذكره في (ليلة السقوط)أيضا حرقهن بصب (الجاز) عليهن وإشعال النيران فيهن، وكانوا من (الشيعة)، و(داعش) تعتبر (الشيعة) من ألد الأعداء لها، وتكفرهم.. فبعد احتلال منازلهم كانوا يشعلوا النيران بهم، لكني استبدلت في عملي القتل بالنيران إلى القتل بالرصاص، لأن هذه المشاهد سوف تصدم المتلقي بصدمة بصرية مريعة، واقتربنا من بشاعة (داعش) في بعض المشاهد، منها قطع رأس القاضي القبطي إلياس، وهو والد البطلة كندة حنا، لأنه حكم على (الدباح / طارق لطفي) بالإعدام في أحداث المسلسل”.
ويستطرد: “هنا ثمة تحول، فالمجرم هو من نفذ حكم الإعدام في القاضي، وهذا حدث بالفعل في العديد من المرات، فـ(الدواعش) يفضلون قطع الأعناق، لأنها ذات تأثير لانتشار الرعب،و(داعش) قامت على فكرة إثارة الرعب في المنطقة العربية بالوكالة عن أمريكا، فهي من أحيت فكرة الجهادية التكفيرية.. وطرحت في المسلسل سؤال يكشف عن تورط أمريكا بشكل مباشر، فأبو بكر البغدادي أمير (داعش) جاء إلى الموصل في موكب يتجاوز الـ50 سيارة ليصلي بجماعته تحت أعين الأقمار الصناعية الأمريكية، ولم يطلق عليه رصاصة واحدة، كما كانت تسلح بأحدث الأسلحة، وكانت (داعش) أيضا تدخل وتخرج من الحدود التركية إلى العراق بمنتهى اليسر، بل كانت قادتهم يتم علاجها في تركيا، وكانوا يسرقون البترول العراقي ويتم بيعه في تركيا، كما كانوا يبيعوا الآثار العراقية في تركيا أيضا، فالعمل تم تصويره بالأماكن الحقيقية التي جرت عليها الأحداث الحقيقية، وتلقينا دعما من الحكومة العراقية، ودعمونا بالجيش وقوات مكافحة الإرهاب، ومن حكومة كردستان أيضا”.
سوق الجوارى .. وأشياء أخرى
واستكمل صابر حديثه قائلا: “(ليلة السقوط) من أهم أعمالي الدرامية، وبه تأريخ لفترة زمنية من 2014 وحتى 2017،وتحمل أحداث جلل، وهو احتلال (داعش) لمحافظة الموصل، وهي تقريبا ثلث مساحة العراق، وهو حدث فارق في تاريخنا المعاصر، واحتلالها للرقة وأجزاء كبيرة من سوريا،وكادت تتحول (داعش) إلى دولة، فحاولت رصد هذه الظاهرة لأسباب كثيرة، منها أن بعض أهل الموصل رحب بدخول (داعش) لأنه رأى فيها التخلص من السلطات الحاكمة التي كانت تقسو وتتجبر عليهم، وبمجيئها ظنوا إقتراب الخلاص، لكن كان على يديها الخراب الأعظم..وناقشت خلال المسلسل (لماذا قبل البعض داعش؟، وماذا فعلت هي بأهل الموصل وسنجار؟)، فمثلا ما يقرب من 6 آلاف فتاة إيزيدية من سن 10 إلى 25، تم إختطافهن وسبيهن وإغتصابهن وبيعهن في سوق للجواري، كأنهم غنم، بغرض تلبية الرغبات الجنسية لـ(الدواعش)، وناقشت أيضا من كان وراء (داعش)، ومن سمح لها بالتمدد، لذلك أعتبر (ليلة السقوط) من أهم الأعمال الدرامية التي عرضت في الموسم الرمضاني الأخير في العالم العربي، وهو إنتاج عراقي مصري مشترك، وبه نجوم من سوريا ولبنان والعراق والأردن، ومن مصر بطبيعة الحال، فهو عمل درامي عربي بإمتياز يعالج قضية في منتهى الخطورة، وأرجو أن يعرض في مصر قريبا، فالعمل حقق مشاهدات على قنوات عربية غير طبيعية،بل مذهلة، لذلك أتمنى الجمهور المصري بالكامل أن يشاهد هذا العمل الوطني التنويري، حيث أنه يفضح الفكر الداعشي وأساليبه”.
الدباح
وعن “الدباح / طارق لطفي” قال صابر: “طارق لطفي قام بدور عمره في هذا العمل، فقد جسد القائد الداعشي الدموي الذي يطوع كل الأشياء لمصلحته حتى أنه كان يشرب الخمر والمخدرات ويقنع محدثه بأنها لا تخالف الشريعة، كما جسد الهوس الجنسي الداعشي بمهارة فائقة، وشهوة القتل، ويحسب له أيضا موافقته على الدور بمنتهى الشجاعة، فقبله عرضنا دور (الدباح) على 6نجوم، وكان رفضهم خوفا من مطاردة (داعش) لهم، لذلك أحييه على شجاعته التي تجاوزت العمل الفني لتصل إلى كشف (داعش) التي أدعت الدين، وهم من الدين براء، ولا أبالغ حين أقول أن كل مشاهد طارق لطفي (ماستر سين)،ومنها على سبيل المثال المشاهد التي اختزلت الشخصية الداعشية، خاصة مشهد إصرار بنت القاضي المخطوفة من (الدباح) على حضور والدها الزواج، ووافق (الدباح)، وليلة الزواج أمرها بأن ترتدي فستانا أسود اللون، وبالفعل أرتدته مرغمة، وانتظرت والدها في غرفتها ليبارك لها،ودخل عليها (الدباح) وهو يحمل على صينية رأس والدها ويردد:(وعدتك وأوفيت وعدي بحضور والدك الزيجة)، وهو مشهد من الخيال اختزلت فيه بشاعة (داعش)، كما كل أبطال العمل محض خيال، وربما يكون في المستقبل أجزاء أخرى من (ليلة السقوط)، لأن الأمر يستدعي الكشف ومناقشة ومواجهة الفكر الداعشي”.
ويستكمل صابر حديثه بالقول: “أحيي كل فريق العمل، وعلى رأسهم المنتج العراقي قيس الرضواني الذي تلقى العديد من التهديدات من(داعش) بالقتل، لكنه أصر على فضحهم، فكان التصوير تحت حراسة الجيش العراقي، واستمر التصوير حتى بعد انفجار لغم في إحدى وحدات التصوير بالموصل القديمة، وأحيي أيضا المنتج المنفذ محمد عشوب، وكل فريق العمل”.
الماراثون
وعن المارثوان الرمضاني قال مجدي صابر: “الموسم الرمضاني كان متنوعا ما بين الأعمال الوطنية والاجتماعية والكوميدية،وراق لي مشاركة دنيا سمير غانم بمسلسل (جت سليمة)، فهو أقرب إلى الحواديت، واحتوى على الإستعراض والأغنية والكوميديا، وأيضا مسلسل (تحت الوصاية) دراما اجتماعية ناضجة، وأعتبره من أهم الأعمال الدرامية في السنوات العشر الأخيرة، فهو جذبنا لأجواء لم أرها من قبل، وعمل درامي ناجح على كل المستويات، وأيضا نال إعجابي مسلسل (ستهم)بطولة روجينا، فهو عمل بذل به جهد كبير في كتابة السيناريو، وفي الإخراج والتمثيل أيضا، ومسلسل (سوق الكانتو) كنت أتابعه عن كثب، وباقي الأعمال لم يتسع الوقت لأشاهدها”.
كما اختار صابر نجوم الموسم الرمضاني قائلا: “طارق لطفي في دور (الدباح)، وخالد النبوي قدم دور عظيم في مسلسل (رسالة الإمام)، ومن الأعمال الدرامية التي تابعتها بإهتمام مسلسل (سره باتع) للمخرج خالد يوسف، وأفضل ممثلة منى زكي وروجينا”.
نصرة
وعن تجاربه الدرامية قال صابر: “كتبت في الدراما البوليسية والاجتماعية والكوميدية، وكان لدي رغبة في تقديم عمل درامي يناقش قضايا هامة في الصعيد، فقدمت(سلسال الدم)، وتحمست أكثر حينما عرضت فكرته على الفنانة عبلة كامل وتحمست جدا لتقديمه”.
قاطعته هنا لأسأله: “ماذا عن ما يتردد في الأوساط الفنية والصحف عن اعتزال الفنانة عبلة كامل، خاصة أنك كنت قريب منها؟”، ليرد صابر: “لا أعرف أكثر من أنها غيرت أرقام هواتفها وتركتها مديرة أعمالها، لذلك انقطع الاتصال بيننا”.
ليستكمل حديثه عن “سلسال الدم” قائلا: “ناقشت في(سلسال الدم) كيفية مواجهة امرأة ضعيفة لقوة غاشمة، ورغم عدم تكافؤ أطراف الصراع أردت الانتصار لـ(نصرة) التي تجسد مصر عبر دراما لأجيال تلاحقت منذ السبعينيات وحتى ثورة 30 يونيو، ومنذ البداية كنت أعمل على 3 أجزاء، ووصلت لكتابة الجزء الرابع،وضم 60حلقة، لكن تم عرضه على جزأين منفصلين في موسمين متتاليين، وتحركت الأحداث بقضايا كبرى تمت مناقشتها، مثل الثأر والزواج المبكر وغيرها من القضايا التي تمس عصب مجتمعنا”.
سيرة للزمن
وعن أعماله الدرامية المقبلة، قال: “أعمل على عدد من الأعمال حاليا، منهم سيرة ذاتيةلروزاليوسف، وأجمع حاليا كل ما يمكن جمعه من معلومات حول الشخصية، فمنذ تعرضي لها في مسلسل (قلبي دليلي)، وهي تشغل تفكيري بإلحاح، حيث أنها نموذج عظيم للمرأة المصرية، ورمز حيوي لمصر، وسيدة مشوارها طويل وبه مراحل عديدة، وكانت مؤثرة في المجتمع المصري لدرجة أنها أسقطت حكومات ووقفت في وجه الملك، ومن خلال هذه الرحلة سنتعرض لشخصيات كثيرة كانت في حياة روز اليوسف ولأحداث هامة في تاريخ مصر، لذلك أتصور أن هذا العمل سيكون عملا ملحميا يمكن القول أنه سيكون سيرة ذاتية للزمن”.
نقلا من عدد أخبار النجوم بتاريخ 11/5/2023
اقرأ أيضًا : «لوحة باهتة» تجمع الثنائي أنغام وتامر عاشور في مهرجان «صيف الكويت»