بورسعيد: أيمن عبد الهادي
مشهد قاس وبشع ايضًا..
أنس لاعب الكرة الصغير الشهير بين أصدقائه، يجرى فى شوارع بورفؤاد، ووراؤه فريق كامل من كرة القدم يقذقونه بالحجارة، وبعد لحظات، أحدهم يمسك به ثم يضربه بقوة بقطعة من الرخام فى رأسه.
يسقط أنس فى لحظة على الارض وسط بركة من الدماء، والصبية الصغار يهربون من مسرح الجريمة فورًا، وكأن الأرض التى شهدت جريمتهم قد انشقت وابتلعتهم فى لمح البصر، بينما صديقه بمعاونة آخرين يحاولون حمله ويهرولون به إلى احدى المستشفيات، ومن مستشفى إلى أخرى، بدأت رحلة جديدة فى مأساة الصغير أنس، العاشق لنجم منتخب مصر وفريق الليفربول.
لكن ما الذى دفع لاعبو الكرة إلى مطاردة أنس بعد انتهاء المباراة الودية بين فريقين؟، وما هى كواليس الجريمة؟، وما هى حالة الصغير أنس الآن؟، هذا ما سنجيب عنه خلال هذا التقرير..
في يوم 15 من شهر ابريل الماضي، ذهب أنس الخضيري إلى ملعب البوريفاج ببورسعيد لمشاهدة مباراة لكرة القدم، كي يتعلم منها أساليب جديدة ويضيف إلى مهاراته صورة جديدة، وخلال المباراة شعر أنس أن هناك خلافات بين الفريقين، ففضل عدم التشجيع أو دعم أي منهما، واتخذ جانبًا في المدرجات خشية أن يكون طرفًا فى الخلاف.
محاولة هروب
انتهت المباراة، وخرج أنس مع زملائه من الملعب ليفاجأ بوابل من الطوب والحجارة يلقى تجاه المشجعين، وقتها لم يكن يدور في عقله إلا الهروب من هذا المشهد خوفًا من تعرضه للاعتداء، واتخذ طريقًا وهرول مسرعًا للهروب، ونظر خلفه فوجد أشخاصًا يلاحقونه مسرعين، وأمسك أحدهم به من الخلف، وجاء آخر بقطعة من الرخام وضربه بها في جبهته فسقط على الأرض مغشيًا عليه.
كان مع أنس في هذا الوقت أحد زملائه المقربين، فنقله إلى مستشفى خاص، ونظرًا لخطورة حالته واحتياجه لطبيب جراح مخ وأعصاب، جرى نقله عن طريق الإسعاف لمستشفى السلام التابع لهيئة الرعاية الصحية، في هذا الوقت لم يكن أنس يشعر بما يحدث من حوله، وكان في حالة فقدان كامل للوعي.
أجرى له الأطباء اشاعة، تبين من خلالها أنه مصاب بكسر بعظام الجبهة، وجرح طوله 6 سنتيمترات، وكسر بعظام الجمجمة، وقرر الأطباء أنه يحتاج لجراحة عاجلة وخطيرة، وتحتاج هذه العملية الجراحية موافقة من أسرته، ولم يكن في هذا الوقت أمام زميله إلا أن يبلغ اسرته بما حدث.
أصعب قرار
تروي أم أنس لـ «أخبار الحوادث» تفاصيل مؤلمة في حياة الأسرة، بدأت عندما تلقت الاتصال الهاتفي التي علمت من خلاله أن نجلها مصاب، وتروي أنها ذهبت للمستشفى وجدت نجلها «سايح في دمه» ووجدت الأطباء يطالبونها بالتوقيع على أصعب ورقة في حياتها، علمت وقتها أن نجلها معرض للوفاة خلال الجراحة، ولكنها لم يكن أمامها إلا أن توقع لإنقاذ حياته.
وتستكمل: 6 ساعات كاملة قضاها نجلي أنس داخل العمليات، وعندما خرج وجدت رأسه مغطاة بشكل كامل، وسألت الطبيب عن حجم الجرح، قال لي: فتحنا من أعلى الراس من الأذن لـ الأذن وقمنا بتركيب شبكة في الجبهة وربنا «نجى» ابنك من الموت.
وتروي أن نجلها فتح عينيه بعد الحادث ونظر اليها وبكلمات مؤلمة قال لها: «ايه اللي حصلي يا ماما؟ أنا فين هنا؟»، ونظر تجاه والده قائلًا: «يا بابا أنا والله لو عملتلهم حاجة مكنتش زعلت غدروني وضربوني»، وروى التفاصيل المؤلمة لتقيد حركته وضربه بطرف مدبب لـ رخامة في جبهته.
توقف أنس في هذا الوقت عن الحديث، وبدأت صرخات الألم من الجرح المتواجد بالرأس والذي يتجاوز الـ 100 غرزة، وعاد للحديث مرة آخري: أنا مش شايف زي الأول النور بيحجب الرؤية أطفوا النور، ويستكمل: «أنا كده هقدر ألعب كورة تاني ولا مستقبلي ضاع؟».
شقة مفروشة
وفى سياق متصل، ألقت الأجهزة الأمنية بـ محافظة بورسعيد القبض على المتهمين بالاعتداء على لاعب كرة القدم الموهوب ببورسعيد، واللذان قاما بتهشيم رأسه بقطعة من الرخام، وذلك بعد محاولتهما للهروب في وحدة سكنية بمدينة بورفؤاد للاختفاء من الأمن، وخلال استجواب المتهمين أقرا بارتكاب الواقعة على إثر مشاجرة بالشارع بينهما وبين المجني عليه.
وتبين أن المتهمين هما: أحمد ع ج، وإبراهيم ع ا ا، وعقب تحرير المحضر الخاص بالواقعة من قبل رجال البحث الجنائي، جرى عرضهما على النيابة العامة لاتخاذ القرار، وتضمن المحضر اعترافات المتهمين بالواقعة.
كما أعلنت وزارة الداخلية في بيان رسمي القبض على شخصين لاعتدائهما على أحد الأشخاص وإحداث إصابته في بورسعيد.
وتضمن البيان تفاصيل الواقعة، بأنها بدأت عندما تبلغ لقسم شرطة الزهور بمديرية أمن بورسعيد من أحد الأشخاص، مقيم بدائرة قسم شرطة المناخ، مصاب بجرح قطعي في الجبهة وكسر بالجمجمة بتضرره من شخصين، لقيامهما بالاعتداء عليه بالضرب وإحداث إصابته المنوه عنها باستخدام قطعة حجرية.
وكشفت البيان، أنه بالفحص أمكن تحديد مرتكبي الواقعة وتبين أنهما مقيمان بمحافظة بورسعيد، وعقب تقنين الإجراءات تم استهدافهما وأمكن ضبطهما، وبمواجهتهما اعترفا بارتكابهما الواقعة بسبب حدوث مشادة كلامية بينهم أثناء مباراة كرة قدم بدائرة القسم تطورت إلى مشاجرة، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية.
مواجهة
وواجهت النيابة العامة المجني عليه أنس الخضيري بـ المتهمين، وتعرف عليهما، وأكد أمام النيابة أنهما من اعتديا عليه، وسألتهما النيابة عما حدث فحاولا وصف القضية بأنها مشاجرة وجرى على إثرها الاعتداء من كلا الطرفين على الآخر.
ومع نهاية التحقيقات، كان القرار بإخلاء سبيل المتهمين بكفالة على ذمة القضية،وبعدها تمت إحالتهما إلى المحكمة المختصة، بعد أن استكملت قرار الإحالة بتحريات المباحث وسؤال مأمور الضبط الضابط بإدارة البحث الجنائي.
سؤال من أنس
ويقول أنس: عندما واجهت المتهمين بالنيابة، كنت أريد سؤالهما عن أسباب التعدي علي بهذه الوحشية، وكنت أريد أن أقول لهما أنهما دمرا حياتي، وأضيف لهما أنني لم أعد قادرًا على الذهاب لدروسي أو حتى مراجعة المنهج بالمنزل وضاع حلمي بتحقيق نتائج جيدة بالثانوية العامة.
وتابع أنس: انا لا استطيع النظر إلى هاتفي أو حتى اضاءة الغرفة بسبب الإصابة، أشاهد مبارياتي في كرة القدم وأذهب إلى مثلي الأعلى محمد صلاح، وأنا دموعي تسقط على هذا الحلم الذي تدمر، معلقًا: عندما سألت الطبيب عن الموعد الذي أعود به للعب كرة القدم قال بعد 5 سنوات، وانا عمري 18، وان عدت في الـ 25 سوف أكون قد فقدت مهاراتي، كما أنني لن أكون بمهاراتي القديمة.
لم تتوقف دموع أم أنس عن البكاء طيلة هذه الأيام، وقالت: «ربيت أبنائي على الأخلاق والدين والرحمة واخترت لـ أنس طريق كرة القدم لحمايته من أصدقاء السوء، ولم أقترف ذنبًا أنا وأسرتي حتى نكون ضحية لـ هؤلاء المجرمين.
وطالبت بتوقيع أقصى عقوبة عليهما حتى يكون ذلك رادعًا لكن من تسول له نفسه الاعتداء على أولاد الناس بهذا الشكل، واختتمت: حبسهم نصرة للقانون والمجتمع،»انما انس بكل اسف مش هيرجع أنس زي ما كان، ولا هيحققله حلمه في كرة القدم، ولا هيجيب مجموع في دراسته».
نقلا من عدد أخبار الحوادث بتاريخ 11/5/2023
اقرأ أيضًا : ضبط مروجي الأقراص المخدرة ونشل المواطنين داخل القطارات بأسوان