بتأنٍ..

نادر غازي يكتب: الشيطان يعظ !

نادر غازي
نادر غازي

لا اختلاف على أن "الشيطان لا يعظ"، وإن حدث عكس ذلك فهي "الوسوسة" بعينها، أما في معشر الإنس فهناك "القتاتة" وهي كالمعنى السابق بامتياز، ولكن هنا، يتخذ
البعض هذا المصطلح سبيلاً للحياة، وأولئك من قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يدخل الجنة قَتَّات".. والآن.. لنترك هذه الفرضية قليلاً، ثم نعود إليها، في أواخر هذه السطور.

ولنذهب معًا الآن إلى ساحتين، الأولى: نتذكر سوياً رائعة "بوليود" الشهيرة، الفيلم البريطاني "المليونير المتشرد" أو Slumdog Millionaire، من إنتاج عام ٢٠٠٨ وإخراج داني بويل والمقتبس عن رواية الكاتب والدبلوماسي الهندي فيكاس سوارب، مع إجراء بعض التعديلات على تفاصيل الرواية. لنشاهد في الفيلم السينمائي وقائع كيفية وصول الشاب الفقير غير المتعلم عبر النسخة الهندية من برنامج من سيربح المليون، إلى كافة الإجابات على أسئلة البرنامج الأشهر عالميًا في ذلك الوقت، من خلال ذكريات مسيرة حياته الشاقة. مما أثار الشك أمام فوزه المتكرر وصولاً إلى جائزة المليون.. وهنا وجهت الحبكة الدرامية للفيلم، المشاهد إلى القدر، فهو الطريق الواصل بين نقطتين، إحداهما الإنسان والأخرى رزقه المكتوب، ومهما تعرج هذا الطريق ففي النهاية "المراد من رب العباد" هو السبيل، وقال تعالى في كتابه الكريم: "وما ربك بظلام للعبيد". صدق الله العظيم.

مفاتيح الحياة

أما الساحة الثانية، كانت خاصة، ففي حديث مع صديقي العزيز، عن ضغوطات الحياة المتعاقبة، والإصابات التي تتركها بداخل كثيرين جراء معارك طاحنة كردود فعل، لتحفر أشياءً لا تُنسى، وجراحاً يكاد بعضها ألا يندمل وكأنها أخاديد تنزف مدى الحياة، وهنا حكمت العظة الإلهية، بأن الله خلق الإنسان في "كَبَد".

دار حديثنا، ولم يطل، ووجدت بوصلة كلماتي تتجه نحو مفاتيح خمسة لحياة المستقبل، بمثابة الدواء النفيس لأي كائن على وجه البسيطة.

فالمفاتيح خمسة، لهذه الدنيا التي نعيش فيها بضغوطاتها اليومية وحياتنا العملية وظروفنا المعيشية المختلفة. الأول مراجعة العلاقة مع الله، وإن كان هناك تقصير ما، فعلينا البدء من الآن فـ "إن الله يغفر الذنوب جميعًا" و "إن الله غفور رحيم" بعباده.

اقرأ أيضا.. برئاسة مصر.. وزراء الخارجية يحسمون غدا عودة سوريا لـ«الحضن العربى»

عيد الأب

وثاني مفتاح هو بر الوالدين، فعلينا أن نعزز علاقاتنا بوالدينا إلى أبعد الحدود، وبمن يحبونهم أيضاً، ونطلب منهم الدعوات يومياً وبانكسار. رحم الله الموتي من والدينا جميعاً وأسكنهم فسيح جناته. وبارك الله في أبي العظيم، وحقق أمانينا بتحديد الدولة يوماً من كل عام كعيد للأب، ليتم فيه تكريم الآباء المثاليين. وحقاً لو بُحث بجد واجتهاد سيجدون الملايين من أولئك الآباء، وسيكون بينهم بالتأكيد: الأستاذ سمير غازي موجه الرياضيات، القاطن بالمحلة الكبرى، فهو ورب الكعبة، ونِعم الأب المثالي، عاش أبًا للآلاف طوال رحلة كفاحه، وعلى ثلاث مراحل، الأولى كانت لإخوته وثوابها احتسبه عند الله بدون مقابل، والثانية لأبنائه الأربعة سنده في الدنيا مدى حياته، والأخيرة المستمرة أيضاً لآلاف الطلبة ممن صانوا الجميل بمرور السنوات.

أما المفتاح الثالث للحياة فهو الرضا، فعلينا أن نعلم أن سر السعادة في هذه الحياة الشاقة يا صديقي، هو الرضا بما قسمه الله لنا، فنحن عبيده، وكل منا له نصيبه ورزقه وطريقه وحياته في هذا العالم المليء بالتقلبات. فالخير مكتوب ومقدر، والشر واقع لا مفر منه، علينا أن ندركه ونتعامل معه بحكمة ودهاء ممزوجين مع الرضا الكامل المُحلى بالصبر. فالعبد في التفكير والرب في التدبير.

والمفتاح الرابع هو تعاملك في حياتك اليومية، فعليك أن تكون "هيّن ليّن"، وتبتسم في وجه الجميع، وتصدِّر تلك الابتسامة في وجوه أعدائك قبل أحبابك، واجعل ضميرك هو مستشارك الأول في كل شئ، وحدثك الثاني، وثالثهما قلبك الذي ثُبت أنه بيت العقل ومكانه الأصيل، ثم اعقلها وتوكل.

المفتاح الخامس، إذا اتسعت سلسلتك وطال بالك، فهو خاص بالمتزوجين، فرعاية الأبناء أو البنات واجبة بكل ما أوتيتم من قوة وعلم ومال وحنان وكافة الصفات الطيبة. ولنتحقق أولًا أن الطيبين للطيبات، قبل الأبناء. وهناك قبل الرعاية والعناية بالأبناء، أولوية الأخوة والأخوات فلهم حق جَم علينا، لأن الأخ لا يعوض، ولنتذكر أيضاً في طريق الرحلة، صلة الرحم، فعلينا أن ننفذها ونوصي بها، للمحبين.

لست إلهًا

وفي الختام نستكمل ما بدأنا به من سطور، بدعاء: "اللهم باعد بيننا وبين شياطين الإنس في كل زمان ومكان، ونعوذ بك من شياطين الجن. اللهم قربنا من كل ما يقربنا إليك. واغفر لنا وارحمنا. وانصرنا على الظالمين".

ورب العرش العظيم، نحن يا سادة من البشر، لا نسوى ذرة تراب في تلك الحياة، وقد كرمنا الله في دنياه. فأنت لست إلهًا ومن حولك ليسوا ملائكة.

وللحديث بقية. دمتم بخير.