حبر على ورق

لقطات فى حفل تتويج الملك

نوال مصطفى
نوال مصطفى

شاهدت مراسم واحتفالات تتويج الملك تشارلز الثالث على قنوات التليفزيون المختلفة، كنت أتوقع اختلافا كبيرا فى درجة اهتمام الشعب البريطانى فى متابعة الحدث، وكذلك إقبال أقل من المشاهدين حول العالم عما كان يحدث فى الاحتفالات الملكية الكبرى أيام الملكة اليزابيث.

لكن ما حدث أثبت عكس ذلك. يبدو - فعلا - أن التقاليد البريطانية راسخة فيما يتعلق بالملكية البريطانية، وأن هناك نسبة كبيرة من الشعب مرتبط بها كمكون أساسى للهوية البريطانية، وصورة جسد الإبهار والأبهة لشخصية الأمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس. الملكية هى القوة الناعمة التى تتباهى بها بريطانيا أمام العالم، وهى مصدر قوى لجذب السائحين من مختلف دول العالم، وبالتالى جلب الكثير من عناصر الدخل والقوة للبلاد.

توقعت أن الملكة إليزابيث الأم كانت لها شعبية كاسحة فى قلوب البريطانيين، وذلك لأسباب عديدة منها أنها تربعت على العرش قرابة السبعين عاما، خاضت خلالها الكثير من التحديات الصعبة، وواجهت مواقف وعثرات من شأنها أن تهزم أعتى الرجال، لكنها تدربت على الحياة الملكية منذ شبابها المبكر، وتقلدت حكم البلاد وعمرها ستة وعشرون عاما فقط. بل إنها أخلصت للعرش إخلاصا كاملا وانتصرت لبقائه واستمراره قبل أى شيء آخر فى حياتها.

ومع كل هذه الاعتبارات التى كنت أحسب أنها قد تؤثر فى استقبال الشعب للملك الجديد بعدما عاش وليا للعهد لمدة طويلة جدا، إلا أن التمسك بفخامة الحياة والهوية الملكية لدى الشعب البريطانى انتصر على شيء. رأينا الحفل ومراسم التتويج المبهرة، ودعوة ممثلين عن دول العالم، لاحظنا كذلك بصمات الحداثة وومضات التغيير تضيء الحفل وأهمها حضور ممثلين عن الأديان المختلفة حتى البوذية والهندوسية فى حفل التتويج، رسائل واضحة يريد الملك الجديد أن يرسلها إلى العالم ليؤكد أن الملكية باقية ومستمرة لأنها تمثل التقاليد البريطانية العريقة، ورسالة أخرى تؤكد فى نفس الوقت أن تلك التقاليد لن تمنعه من عصرنة الحياة الملكية وتحديثها، وأن على الملكية أن تتفاعل، وتواكب العصر، ليس هذا فقط بل إن عليها أن تؤثر فى القضايا الراهنة مثل التغير المناخى والحفاظ على البيئة باعتبارها القوة الناعمة القوية وكذلك أن يكون لها دور فى حل الصراعات والأزمات على مستوى العالم.

هناك جدل واسع يدور فى بريطانيا الآن حول جدوى استمرار الملكية من عدمه، الشباب صغير السن من 18- 30 سنة، نسبة لا تتعدى الـ 39% منهم من يرى أنه لا ضرورة لاستمرار الملكية كنظام حكم فى بريطانيا، بينما الأكبر سنا يرى 69% منهم ضرورة استمرار الملكية ويؤمنون أنها تشكل ركنا أصيلا فى الهوية البريطانية. يبدو أن الجملة الساخرة التى قالها الملك فاروق، ملك مصر السابق تتحقق. عندما سألوه عن مستقبل الملكيات فى العالم قال: سيأتى يوم تنتهى فيه كل الملكيات فى العالم، فقط سيبقى خمسة ملوك، الأربعة ملوك فى الكوتشينة وملك بريطانيا!

يحسب للملك الجديد تشارلز الثالث كونه مثقفا رفيع المستوى، يتقن عدة لغات من بينها اللغة العربية، وإنه مشتبك مع قضايا العالم، مطلع على الأحداث، كذلك معروف عنه اهتمامه بالعمل التطوعى والخيرى منذ شبابه المبكر وحتى الآن فهو يتبنى عددا كبيرا من الجمعيات الأهلية البريطانية.

لقد أثبت حفل تتويج الملك تشارلز الثالث واهتمام البريطانيين الهائل بحضور مراسمه، واصطحاب العائلات لأولادهم من الشباب والأطفال للوقوف تحت شرفة الملك لساعات طويلة انتظارا ليطل عليهم من شرفة قصر بيكنجهام فى مشهد مهيب، أن الملكية البريطانية فعلا تشكل جزءا أصيلا فى وجدان الشعب البريطانى ومن الصعب زحزحتها أو اختفاؤها من المشهد.