إبراهيم فرغلي: لا أحب أتذكر أحلامي

الأديب إبراهيم فرغلي
الأديب إبراهيم فرغلي

يأخذ الأديب إبراهيم فرغلي شخصيات رواياته إلى عوالم بعيدة عن الواقع، يدخلون عالم غرائبي ويقابلون شخصيات غريبة الأطوار من أزمنة مختلفة مثل رواية "كهف الفراشات" ورواية "أبناء الجبلاوي"  وأخيرا رواية "قارئة القطار" التي حصلت علي جائزة نجيب محفوظ بمجلس الأعلى للثقافة، تحكي عن شاب يركب قطارا فارغا من الركاب ما عدا فتاة تقرأ كتابا طوال الوقت، ستخبره إنها تعرف قصته الحقيقية، ويخوض الشاب معها تحربة شديدة الغرابة.

ويقول إبراهيم عن روايته: الحقيقة إني كنت مشغول بموضوعين هما الذاكرة، وموضوع الهوية بسبب الأحداث والتغيرات الاجتماعية التي تفجرت بعد 2011 ثم 2013 في مصر. بدأت الفكرة بشخص يدخل إلى قطار فيفقد ذاكرته، وتبدأ رحلته في البحث عن ذاكرته، وبالتالي البحث عن الذات، ثم ظهرت القارئة الكفيفة التي أوحت لي بفكرة الرواية بالشكل الذي جاءت عليه، ويتحدث صاحب "ابتسامة القديسين" عن روايته من خلال السطور التالية:


•    هل القطار كان يرمز بإنه مصنع الحكايات أم بناء ذاكرة جديدة للإنسان؟
-    الرواية رمزية، وبالتالي تحتمل الكثير من التأويلات. تأويل المكان نفسه كقطار يمثل واقعا حاضرا يسير بشكل يبدو أنه غير قابل للتوقف، وكمستودع لماض تمتلكه قارئة القطار، بما يعنيه ذلك من كونها مالكة الذاكرة، للمكان ولركاب القطار وبينهم بطل العمل. لكن الرواية كتب عنها الكثيرون، وتعددت التأويلات لمعنى القطار، وهذا أمر يسعدني لأن النص يحتمل التأويلات المتعددة.

وفي النهاية لا يمكن بناء ذاكرة بدون سردية محددة، أو حكاية كما تطلق أنت عليها، والفكرة هي في الكيفية التي يمكن للإنسان أن يقبل بسردية معينة عن تاريخه الشخصي وبالتالي عن معنى هويته. 


•    ذكرت جملة في الرواية "كل حلم هو قصة خوف جديدة" هل الأحلام تصنع قصصنا؟
-    أنا بشكل شخصي لا أحب أن أتذكر أحلامي. الحلم بالنسبة لي يبدو مثل سجادة طائرة يمكن أن تطير بعيدا لكنها أيضا يمكن أن تسقط في أي لحظة، والمنطق في الحلم قد يبدو للشخص في الحلم أنه متماسك جدا، لكن بمجرد أن يستيقظ أو يستدعي الحلم يتبين أنه مجرد خرافة، وأحيانا تكون الخرافة من فرط لا منطقيتها مرعبة. الأحلام تصنع هذه القصص الكابوسية بالنسبة لي، ولكنها أيضا رافد من روافد الكتابة. 


•    كذلك ذكرت "الحكي يجعل الانسان يهرب من الموت" كيف ينقذ الحكي الانسان من الموت؟
-    الحكاية هي الطريقة التي حاول الإنسان بها أن يفهم معنى حياته، وفي الرواية كان فقدان الذاكرة هو بمعنى من المعاني موت بالنسبة لمحمود الوهم، أو بطل العمل. لأنه فقد معنى وجوده. الحكاية التي كانت تحكيها القارئة أو زرقاء القطار كانت سيرته الذاتية، لكنها تبدأ دائما بكلمة "كان يا ما كان، كنت وكان ما كان"، وهي اللازمة الشهيرة في تراث الحكي، ولكنها بالنسبة لمحمود الوهم كانت مفتاح حياته، ومفتتح فصل جديد من فصول ذاكرته أو تاريخه وبالتالي من وعيه بذاته وهويته التي تعد بشكل ما حياته. 


•   كتب بطل الرواية قصته فمتى يدون الإنسان تاريخه؟
-    هذه أيضا لعبة في دلالات تدوين التاريخ، إنسان مصاب بفقدان الذاكرة، لا بد أنه مرعوب من أن يفقد الذاكرة الجديدة التي يكتسبها عن طريق حكايات زرقاء القطار، لذلك بدأ يدونها، وهذا أيضا مستوى رمزي عن الطريقة التي تمتلك بها الحضارات تاريخها، بالتوثيق والتدوين، كما في المعابد القديمة والآثار مثلا على المستوى تاريخي، أو بواسطة المؤرخين لاحقا، أو في اليوميات والمذكرات على المستوى الشخصي. 


•    استمع بطل الرواية الي حكاية عن شاب عاد من الموت في نهاية القرن 19 فما سبب اختيارك لتلك الفترة؟
-    أعتقد أننا بعد ما مرينا به، ولا زلنا من أحداث، وبسبب مفارقات مثل تحول مطالب الثورة في مصر من الحرية والعدالة إلى مطالبة بهوية وحيدة طالب بها التيار الإسلامي الذي وصل إلى السلطة في ظروف عجيبة وغريبة، كان علينا أن نتوقف ونسأل أنفسنا من نحن؟ ومن الذي من حقه أن يقمع جوانب من هويتنا مثل مصر القديمة ثم الهوية القبطية ثم العربية بمعناها المتعدد المنفتح لصالح هوية وحيدة؟ ما هي الظروف التي مهدت أو خلقت لهذا التيار؟ كان علي العودة لما قبل بداية القرن الماضي، إلى زمن أول ثورة في مصر ضد العائلة الخديوية، وتأمل الواقع المصري في هذه المرحلة التي قادت بشكل ما لاحقا إلى ثورة 1919، العودة لهذا الزمن ضرورية جدا في رأيي لأني تبينت أن الناس تردد كلاشيهات عن التاريخ وتصدقها بينما نحن في أمس الحاجة لإعادة قراءة تاريخنا وبطولاتنا الشعبية.

أما فكرة أن تكون رواية واحدة، فأنا من فترة أو تقريبا كل رواياتي مركبة من أكثر من رواية. أحب هذا الشكل المركب أو ما يعرف بالميتافكشن أو الرواية داخل الرواية، وأجده يتلاءم مع التعقيد الذي أصبح عليه عالمنا.