من قلب روسيا| «تجارة الأعضاء».. الوجه القـذر للحرب الأوكرانية

تجارة الأعضاء
تجارة الأعضاء

يقدمه: أيمن موسى

فى كل زمان ومكان كانت ومازالت الحروب تمثـــل الكابوس المرعب لأى أمة مهما بلغت قدراتها وقوتها، فالحروب كانت على مدار الأزمنة المختلفة هي الوسيلة لتحقيق الأهداف الجيوبوليتيكية لمختلف الدول، كما أنها الوسيلة للتوسعات وابتلاع الدول الكبرى للدول الصغرى، وكانت فى السابق هي وسيلة الدول المتقدمة فى نهب مقدرات وثروات الدول الضعيفة.

كما أن الحرب تمثل وسيلة لشرائح في المجتمعات المختلفة للثراء الفاًحش سواء من خلال مبيعات الأسلحة أو مستلزمات الجنود أو المواد الغذائية، وبطبيعة الحال إزالة مخلفات الجيوش بعد الحروب والمشاركة في إعادة بناء ما دمرته النزاعات المسلحة.

ولكن فى العقود الأخيرة ظهرت فئة جديدة من محترفى بيزنس الحروب، وهذه الفئة تعمل فى مجال تجارة الأعضاء البشرية؛ حيث أظهر العديد من التحقيقات الصحفية أن هذه الفئة من امصاصى دماء الشعوبب لها طرق ووسائل تفوق فى بشاعتها الحروب ذاتها، كما أنها ترتبط بتنظيمات وتشكيلات من مختلف المهن والتخصصات ربما تفوق فى سريتها وتجهيزاتها الجيوش النظامية المتقدمة، وتتسم بشراسة تجعل كل من يفكر فى تعقب ظلالها يفكر ألف مرة قبل القيام بذلك.

وربما الحديث عن هذه النوعية من التنظيمات السرية البشعة قد انتشر بشكل كبير خلال الحرب فى يوغسلافيا السابقة وكذلك فى العراق وغيرهما من مناطق النزاع التى تمثل فرصة جيدة لمثل هذه التنظيمات للعلب فى مساحة االمفقودينب، إلا أن هذا الموضوع قد بدأ يطرح نفسه مرة أخرى خلال الحرب التى تدور رحاها منذ قرابة العام ونصف العام بين روسيا وأوكرانيا، حيث فجر هذا الموضوع هذه المرة مدون جريء يدعى سيرجى بيريخود، الذى فجر فى البداية فضيحة العثور فى قريتى نيجنيا كرينكا وكومونار فى دونباص على مقابر جماعية تضم عشرات النساء والرجال الذين تعرضوا للقتل رميا بالرصاص، وفى إحدى هذه المقابر تم العثور على أكثر من أربعين جثة خالية من الأعضاء الداخلية فيما يؤكد وجود جهات تقوم باستئصال أعضاء الجثث ونقلها إلى مكان آخر.. وتتبع المدون هذه التجارة حيث تبين له أن بعض قادة المجموعات المسلحة فى دونباص يتعاملون مع شركات ومؤسسات أجنبية فى مجال تجارة الأعضاء، بحيث تقوم هذه الجهات بإيفاد أطباء ومتخصصين فى مجال استئصال الأعضاء فى ظروف الحروب وتحت حماية التشكيلات المسلحة تقوم هذه المجموعات بالانتقال بسرعة وبمعدات خاصة، حيث تقوم باستئصال أعضاء الجثث ثم دفنها فى مقابر جماعية.

العصابة

إلا أن اكتشاف هذه النوعية من المقابر فى الكثير من النزاعات المسلحة دفع هذه الشركات لتطوير أدائها، حيث لم تعد تقوم بدفن بقايا الجثث بل التخلص منها عن طريق المواد الكيماوية التى تذيب الجثث للتخلص نهائيا من هوية أصحابها.

وكانت صحيفة لايف جورنال المتخصصة فى التحقيقات المثيرة وتتبع هذه النوعيات من الأنشطة والجرائم، قد كتبت نقلا عن تقارير استخبارية موثوق فيها تشير إلى أنه عند اندلاع الحرب فى دونباص وصلت باخموت فى دونباص، والتى تشهد معارك شديدة جدا على مدار الأشهر الأخيرة، سيدة تدعى إلزابيث ا.....ب وهى متخصصة هولندية فى مجال زراعة الأعضاء وكان بصحبتها مؤسس مجموعة اموتسارتب العسكرية الخاصة أندريو ا.....ب ومساعداه جون وهنرى ا.....ب، وما استرعى اهتمام المخابرات الروسية فى هذه المجموعة هو أنه كان لها نشاط كبير جدا خلال الحرب فى يوغسلافيا حيث تخصصت فى انتزاع أعضاء الصرب والكوسوفيين والاتجار بها، إلى أن افتضح أمر هذه الشركة ولكنها لم توقف نشاطها بل قامت بتطويره وإضفاء طابع سرى محكم على أنشطتها.

مقابر جماعية

وتحدثت ذات الصحيفة عن عقيد فى الجيش الأوكرانى يدعى فلاديمير ا.....ب وكانت مهمته هى تحديد المناطق التى بها ضحايا كثر، إلى جانب توفير الغطاء اللازم لتحــــرك المجمــــوعات الســـرية التــــى ســتقوم بانتزاع الأعضاء ونقلها، حيث كان يحصل مقابل كل جثة وجريح بشكل خطير على 170 دولارا!

وقد يعتقد البعض أن هذا الحديث مجرد كلام فى إطار الحرب الإعلامية المتبادلة بين الجانبين، إلا أنه كلما امتد أمد الحرب كلما تكشفت المزيد من الحقائق، فقد أكد بعض الجنود المشاركين فى العمليات الحربية ضمن الجيش الأوكرانى أنه بعد إحدى المعارك الحامية تم الإبلاغ عن وقوع عدد كبير من الضحايا ما بين قتلى وجرحى، وعندما وصلت فرق الإسعاف فوجئت بأن العدد الموجود لا يزيد عن ثلث العدد المبلغ عنه وهو الأمر الذى دفع المدون سيرجى بيريخود لتحرى حقيقة هذا الموضوع، حيث اتضح أن هذا الاكتشاف كان يوم الخامس من مايو من العام الماضى وهو ما دفعه للمزيد من البحث والتحرى ليكتشف أيضا أنه فى العشرين من ذات الشهر تم العثور على مقبرة جماعية فى هضبة كارا تشون، وتحتوى على ١٨٠ جثة من الحرس الوطنى الأوكرانى وجميعها مفتوحة البطن، وفى منطقة تسمى ترويتسكى تم العثور على 300 جثة فى إحدى المقابر وجميعها بدون أعضاء داخلية، وأظهرت التحقيقات أن السكان المحليين قد لاحظوا فى أحد الأيام دخول سيارات عديدة تحمل علامات االصليب الأحمرب وبها عدد من الأطباء بدعوى تقديم الإسعافات اللازمة للجرحى، وبعدها تم اكتشاف هذه الجثث فيما يعتقد بأن هذه السيارات لا تتبع الصليب الأحمر وأنها كانت للتمويه على أعمال نزع الأعضاء، وفى الثامن والعشرين من يونيو اكتشفت القوات الروسية فى إقليم لوجانسك العديد من المقابر الجماعية التى تحتوى على جثث منزوعة الأعضاء الداخلية.

كبيرتهم اإلزاب

هذه الاكتشافات المفزعة دفعت بعض قراصنة الإنترنت لكسر شفرات بعض المسئولين المحليين وهو ما قاد وفقا لموقع ابوليت نوفيجيتورب الروسى إلى وجود علاقات بين هؤلاء المسئولين وشركات غربية متخصصة فى نقل الأعضاء، ومع تتبع أعمال هذه الشركات وجد أنها ترتبط بعلاقات وثيقة مع بعض كبريات المراكز الطبية فى الغرب وفى آسيا من المتخصصين فى عمليات نقل الأعضاء، ولوحظ أن قوائم الانتظار فى هذه المراكز كانت طويلة جدا إلا أنها أثناء النزاعات المسلحة فى مختلف مناطق العالم كانت هذه القوائم تتراجع إلى أقل من النصف فى فترة زمنية وجيزة.

إلا أن غالبية التحقيقات كانت تقود إلى السيدة إلزابيث التى أصبحت فيما بعد تشتهر باسم إلزا والتى حرصت فى السنوات الأخيرة على تشكيل شبكة اتصالات واسعة جدا مع المسئولين من مختلف المستويات، بحيث لم تعد تخشى من أى مضايقات على المستوى المحلي، ومن أهم سمات هذه السيدة هو أنها تستعين بأعلى مستوى من المحترفين فى مجالها الإجرامي، حيث يستغرق تعامل الجراحين التابعين للشركة مع كل جثة فترة لا تزيد عن سبعة دقائق لانتزاع ما يلزم من أعضاء، وفى النهاية إرسالها للمراكز الشهيرة فى زراعة الأعضاء فى عدد من الدول الأوروبية ودول الشرق الأوسط.

فى نفس الوقت ظهرت تسجيلات مصورة على يوتيوب لعناصر سابقة سواء فى الجيش أو المخابرات الأوكرانية، حيث اعترفوا بأن إلزابيث هذه والتى تشتهر بلقب اإلزاب ليست الوحيدة التى تعمل فى هذا المجال ولكنها الأكثر خبرة واتساعا فى الاتصالات، حيث أكدوا أن إلزا تتعامل مع كافة أنواع الأعضاء وعندما تضع يدها على جثة لا تترك فيها شيئا بداية من الأعضاء الداخلية والعيون وحتى العظام والجلد والشعر.

قائمة الأسعار

هناك مجموعة من قراصنة الإنترنت تلقب نفسها بمجموعة اكيبير بيركوتب، وهذه المجموعة نجحت فى كسر اتصالات شخص يدعى ألكسى ويعمل محاميا، حيث كان يتبادل الاتصال مع أولجا التى تعمل مع أحد أهم مراكز زراعة الأعضاء فى ألمانيا وكذلك اتصالات مع سيميونيتشينكو وهو قائد لإحدى الفرق العسكرية، حيث كان الحوار يدور حول تسليم امواد من دونباصب وتمكن القراصنة من اكتشاف شفرة المواد التى يجرى الحديث عنها وهى : كور – قلب، وبير – كلية، وهيب –كبد، وبان –بنكرياس، بيول – رئة.

وبالمزيد من التعمق فى هذه التجارة البشعة سوف نجد أن إلزا هذه ليست الوحيدة التى عملت وتعمل فى هذا المجال بل إن هناك تنظيمات وشخصيات أخرى تعمل بنشاط ربما يكون أكبر وأعمق فى هذه التجارة بما فى ذلك زوجة رئيس سابق لإحدى دول الاتحاد السوفيتي، وألفاًرق الوحيد بين الاثنتين هو أن الثانية تعمل فى إطار قانونى وتستغل فى هذا النشاط العديد من السلطات والجهات الرسمية، حتى أنها تسببت فى تعديل القوانين المحلية فى عدد من الدول بما يضفى الطابع الرسمى لنشاطها فى هذا المجال وبما يعطى صلاحيات أوسع فى انتزاع الأعضاء تحت ستار القانون والشرعية، وتقوم بنقل الأعضاء عبر القنوات الرسمية ونقلها بين مختلف الدول بشكل علنى ومشروع تماما.

وكــــانـــــت صحيفــــــة ازفــــيزدا - النجــــــــمب الأسبوعية الروسية أكثر جرأة عندما ذكرت أن الحديث هنا يدور حول ساندرا رولوفس الزوجة السابقة للرئيس الأوكرانى السابق ميخائيل ساكاشفيلى والتى لديها نشاط كبير جدا فى تجارة الأعضاء عبر المراكز الرئيسية المتخصصة فى أوروبا وآسيا فى مجال تجارة الأعضاء وأن سندرا هذه على اتصال بإلزا وتنسق معها مجال االتسويقب.

وتمكنت ازفيزداب من الحصول على نسخة من أسعار عمليات نقل الأعضاء فى ثلاثة من أكبر مراكز نقل الأعضاء فى ألمانيا وإنجلترا وإسرائيل حيث تراوحت الأسعار ما بين 200 ألف إلى 250 ألف دولار للكبد و180 ألفاً إلى 260 ألف دولار للكلى و120 ألفاً إلى 140 ألف دولار للنخاع الشوكى و50 ألفاً إلى 400 ألف دولار للقلب.

التحقيق الدولى

الحديث عن هذا الموضوع شائك للغاية ويسلط الضوء على قنوات وتنظيمات غاية فى الخطورة فى مجال نقل الأعضاء، وإذا كانت هناك جهات دولية حاولت أن تتهم الرئيس الروسى بأنه أباح نقل الأطفال من أوكرانيا بل واتخذت ضده قرارات محل تساؤل لدى الكثيرين، والحقيقة هى أن روسيا لم تقم بذلك بشكل سرى بل إنها قامت بتوفير الملجأ الآمن للأطفال وقامت بتسليم غالبيتهم لأسرهم ودونت أسماءهم عبر مواقع رسمية بحثا عن أسرهم، وهنا يجب أن نتساءل عن دور هذه الجهات والمنظمات الدولية فى تعقب محترفى سرقة الأعضاء وما إذا كان لدى المجتمع الدولى الاستعداد والشجاعة لتشكيل جهات تحقيق لتعقب هذه النوعية من التجارة التى أصبحت تزيد فى خطورتها عن تجارة المخدرات والبشر والسلاح، خاصة أن الحديث هنا يدور عن الآلاف من المفقودين وعن المليارات من الأرباح القذرة التى تحققت على مدار أقل من عام ونصف العام من بداية العلميات العسكرية فى أوكرانيا.

نقلا من عدد أخر ساعة بتاريخ 3/5/2023

اقرأ أيضًا : بدء مراسم تتويج تشارلز الثالث وكاميلا في كنيسة ويستمنستر