«سمكة بـ 700 جنيه».. تقتل طفلًا وتصيب أسرته بالتسمم

تسمم أسرة
تسمم أسرة

قنا ــ أبو المعارف الحفناوي

  انتظرت الأسرة كعادتها كل عام، يوم شم النسيم، حتى يجتمعوا على مائدة واحدة، فرحين بأعياد الربيع، وعيد القيامة المجيد، أعدوا العدة وجهزوا أنفسهم لتناول سمك الملوحة الذي يشتهر به الصعيد، وهي الوجبة المفضلة لهم كغيرهم في هذا التوقيت بالذات، لكن ما حدث بعد ذلك أصاب الجميع بمأساة لم تخطر على بال أحد.

ذهبت الأم لشراء سمك الملوحة، من تاجر ملوحة هو الأشهر بنجع حمادي شمالي قنا، والتي اعتادت كل الأسر الشراء منه بشكل معتاد، خاصة في شم النسيم، لتناول الغذاء مع أسرتها في جو من البهجة والسرور.

اختارت الأم سمكة كبيرة، سألت التاجر عن سعرها، والذي أبلغها بأن سعر هذه السمكة المملحة غالي إلى حد ما، يصل إلى 700 جنيه، اشترتها الأم ولم تبخل بها، فرحت بانتهاء مهمتها في الشراء، خاصة لوجود تزاحم من المواطنين على الشراء،عادت إلى منزلها، لتجهيز الوجية المفضلة لهم.

لم تكن الأم تعلم أن هذه السمكة، التي اشترتها لترسم السعادة على وجوه أسرتها، لديها القدرة على رسم الحزن في قلوبهم، بعد أن لقي ابنها «ب» التلميذ بالصف الثاني الابتدائي،  مصرعه، متأثرًا بإصابته بالتسمم من هذه الوجبة، وإصابة والدته وشقيقته وخاله، بنفس السم.

البداية

في الثالثة عصرا، جلست الأسرة بأكملها على مائدة واحدة، لتناول وجبة الملوحة، وسط فرحة بلمة العيلة، وتناولوا بعض المشروبات والتسالي.

كانت الفرحة والسعادة تغمرهم، تناولوا الملوحة بلهفة، حتى امتلأت بطونهم، استمرت الفرحة والسعادة، قرابة ساعات، كانت الأمور تسير بشكل طبيعي، لم تظهر على الأسرة أي أعراض أو تعب، كانت الأمور هادئة أو بدت هكذا، تسيطر على الجميع روح المحبة والفرحة بقدوم العيد.

وفي العاشرة مساءً، بدأ طفلهم الصغير «ب»، يشعر بالتعب، ألم في البطن مع قيء وإسهال لا ينقطع، ظنت أسرته في البداية أن هذا طبيعي وربما يكون نزلة برد اصابت المعدة، لكن سرعان ما اشتد الألم والأعراض عليه، هرولوا به مسرعين إلى المستشفى، في محاولة لمعرفة ما أصابه من ألم.

دخل التلميذ المصاب مستشفى نجع حمادي العام، وكان في استقباله الأطباء والتمريض،  حاولوا إسعافه، ولكن دون جدوى، لفظ الصغير أنفاسه الأخيرة هناك، وهنا كانت الصدمة التي لم يتحملها أحد، بكاء وصراخ وولولة في كل مكان.

لحظات وظهرت على خاله نفس الأعراض، وتم نقله إلى مستشفى فرشوط، ووضعه في العناية المركزة، تحت جهاز التنفس الصناعي لخطورة حالته الصحية، وبعدها بساعات، ظهرت نفس الأعراض على والدة «ب»، وشقيقته، وتم نقلهما إلى المستشفى لتلقي العلاج اللازم، تحت إشراف ورعاية من الدكتور راجي تاوضروس صالح، وكيل وزارة الصحة بقنا.

دارت الشكوك وبينت التحريات الأولية؛ أن السبب في الواقعة، هو إصابة الأسرة بالتسمم، نتيجة تناولهم وجبة الملوحة، مما أسفر عن مصرع التلميذ وإصابة الباقين من أفراد أسرته.

انتقلت قوة أمنية إلى مكان بائع الملوحة، وألقت القبض عليه، وكان برفقتهم لجنة من الصحة، وتم تشميع المحل، وسحب عينات من بقايا الطعام عند الأسرة و من الملوحة داخل المحل.

بدأت جهات التحقيق بمركز نجع حمادي، التحقيق مع بائع الملوحة، وبعدها أخلت سبيله، في انتظار ظهور عينات نتيجة العينات التي تم سحبها من برميل الملوحة.

مفاجأة

بعدها أعلنت مديرية الشؤون الصحية بقنا، عن ظهور نتيجة العينات، والتي أثبتت أن الملوحة بها سم فئران، وأن بها البكتريا المسببة للتسمم الممباري، وأن نتيجة تحاليل الدم من أحد المصابين، بها تسمم بالتوكسينات الخاصة بالتسمم الممباري، كما أن العينات المسحوبة من التلميذ المتوفى، خاصة بالطب الشرعي ولم تظهر نتيجتها بعد، وجهات التحقيق تجري تحقيقاتها في القضية.

وحذرت مديرية الصحة بقنا، المواطنين من تناول الملوحة، لما تحتويه من ميكروبات تسبب الشلل والوفاة.

وأوضحت مديرية الصحة بقنا؛ أن»الملوحة» والفسيخ وكافة الأسماك المملحة تسبب العديد من الأمراض وتؤدي أحيانًا إلى الشلل والوفاة، وأن هذه الأنواع يوجد بها ميكروبات عديدة، والتي غالبًا ما تؤدي إلى أمراض مثل الإسهال والقئ وألم في البطن، كما يوجد بداخلها أيضًا مادة «البتيولزم» السامة، التي سرعان ما تؤثر على الجهاز العصبي، وتؤدي إلى الشلل والوفاة.

وقال الدكتور راجي تاوضروس، وكيل وزارة الصحة بقنا: إنه فور تلقي المديرية بلاغ، بوجود حالات تسمم بنجع حمادي، أسفر ذلك عن مصرع تلميذ وإصابة والدته وشقيقته وخاله، تم توفير كافة سبل الرعاية الصحية لهم، ووضع الثلاثة المصابين في العناية المركزة مع اعطاء المصل لهم.

وأوضح؛ أنه تحسنت الحالة الصحية لوالدة الطفل وشقيقته، وتم خروجهما من المستشفى عقب الاطمئنان عليهما، وأن الحالة المصابة المتبقية تخضع للرعاية الطبية الكاملة بالعناية المركزة بالمستشفى مع التشديد بضرورة تقديم كافة أوجه الدعم لهم حتى التعافي والخروج من المستشفى.

وبعد خروج والدة الطفل من المستشفى، لم تكن تعلم أن صغيرها تم دفنه، أصيبت وقت معرفتها بذلك بصدمة عصبية، وحالة إغماء، حاول الأهل والأقارب تهدئتها، والوقوف بجانبها لما أصابها من ألم نتيجة لفقدان ابنها.

خطورته

وأوضح الدكتور راجي تاوضروس؛ وكيل وزارة الصحة بقنا، أن التسمم الممباري، هو مرض خطير ينتج عن سم يفرز بواسطة بكتيريا تسمى كلوستيريوم بوتيولينيم (clostriumbotulinium )، كما أن هذا السم له القدرة على إحداث وباء.

وتابع: يحدث التسمم الممبارى عند تناول طعام ملوث بسموم البوتيولينيم مع توافر وسط لا هوائي ودرجة حموضة منخفضة، كما قد يساعد ذلك قلة نسبة الملح أو السكر فى الأطعمة المحفوظة مثل السمك المملح (الفسيخ) والأطعمة المعلبة، والحقن بسموم البوتيولينيم (البوتكس) للعلاج الطبيعي والتجميلى، وفترة الحضانة من ١٢ - ٣٦ ساعة (بحد أدنى ٤ ساعات وأقصى ١٠ أيام) بعد التعرض لسموم البوتيولينيم.

وأضاف تاوضورس: الحالة المشتبه فيها شخص تناول طعام معلب أو أسماك مملحة (فسيخ) وتظهر عليه الأعراض الآتية: ازدواج فى الرؤية لا تفسير له (زغللة)، صداع، جفاف بالحلق، ضعف بصري (bulbar weakness)، شلل رخو هابط مماثل على الجانبين قد تكون مصحوبة بقيء أو غثيان.

أما الحالة المؤكدة، فهي حالة مشتبهه تؤكدها الفحوص المعملية عن طريق اكتشاف سم البوتيولينيم فى الدم أو البراز أو محتويات المعدة أو الطعام، وعزل بكتيريا الكلوستيريوم من البراز أو القيء أو الطعام.

كما أن هناك حالة مشتبهه مخالطة لأشخاص تناولوا من نفس الطعام الذي تناوله أشخاص ثبت معمليا إصابتهم بالتسمم الممبارى (حالة مؤكدة)، وحدوث وفاة حالة مخالطة لحالة مؤكدة ولم يؤخذ منها عينة وكانت مشاركة فى نفس الاعراض والتعرض لنفس الطعام.

ويعتمد التشخيص الإكلينيكي والتاريخ المرضي للتعرض ويتبع ذلك تأكيد بالفحوصات المعملية وعزل البكتيريا أو التسمم المسبب للبوتيولينيم فى عينات البراز أو الطعام المشتبه. 

 نقلا من عدد أخبار الحوادث بتاريخ 4/5/2023