محمود صالح
لذة تأخذك في عالم آخر، تُكون فيه سيد زمانك، والفارس الأول، والمحارب الذي استل سيفه وقادر على أن يطيح ببلدان كاملة، لكنها لحظات، فقط لحظات، وتتلاشى اللذة، فيصبح من يعتقد أنه السيد عبدًا، والفارس جبانًا، والمحارب الذي كان قادرًا على أن يطيح ببلدان كاملة، لا يقدر حتى على أن يمسك بسيفه بين خفيه.
هذه هي لذة المخدرات، والتي تأخذ في طياتها رجالًا كانوا يومًا ما ملء السمع والبصر، حتى ضربتهم وصاروا لها عبيدًا، ثم تمادوا في تعاطيها حتى أهلكتهم، وأودت بحياتهم، تفاصيل أكثر عن حالات توفيت بعد تعاطي جرعة مخدرات زائدة، ترويها السطور التالية.
قالها الكاتب الكبير محمود أبو زيد، على لسان «البهظ بيه» في رائعته، فيلم «الكيف»، عندما قال موجهًا كلامه إلى الدكتور صلاح، يحيى الفخراني، «دا الكيف نزاهة.. طول ما في جيبك تمنه».
هذه الجملة، يظنها المدمن حقيقة لا لبس فيها، ويدركها كل من وطأت قدماه أرض الإدمان، معللاً سبب إقدامه على التعاطي أن الكيف نزاهة، لذة، عالم خارج العالم، دنيا غير هذه الدنيا، ومع أنه يعلم تمام العلم أن هذه الأحاسيس لن تدوم إلا للحظات، وأن التعاطي بداية من بدايات الموت، والهلاك، إلا أنه يظل مصممًا على مواصلة هذا الطريق، غير عابئ بنصائح المئات ممن حوله بأن آخر الإدمان الموت، وهذا ما نجده واضحًا في الكثير من قصص المدمنين، الذين انتهى بهم المطاف إلى الموت، بعد «شَدة نفس».
مسن منشأة ناصر
اقترب عمر «عادل زغلول» من الـ٦٠ عامًا، وبدلا من ان يكون قدوة في هذا السن، أصبح مثار سخرية ومثلا سيئا، يمشي ببطء، حتى أنه يظن البعض واقفًا من فرط الضعف الذي أصابه.
هذا الرجل، يحكى أنه كان شابًا يافعًا، لكنه بين لحظة وأخرى، انجرف إلى طريق المخدرات، وأدرك لذته، وهام فيه، حتى أنه منذ اليوم الأول الذي بدأ فيها بتعاطي مخدر الحشيش، كان يوميًا لا يكف عن تعاطيه. حتى أنه صار بين أقرانه لقبه «الحشاش».
هذا المسن عاش حياة شبه غريبة، يتزوج ويطلق، يظهر مرة ويختفى مرات، وعلى هذا الحال عرفه أهالي منطقته، وتقبلوه على هذا الوضع المؤسف.
كان «عادل زغلول» يعيش في منشأة ناصر، ليس له عمل محدد، مرات يعمل في سوق الموسكي والحمزاوي، ومرات يعمل في حقائب الشنط داخل منشأة ناصر، ومرات يعمل في ورش الجلود.
ومع أن عمله في أكثر من مجال ينبأ عن أنه كان مكافحًا، إلا أنه كان يعمل كل هذه الأعمال لسبب واحد، أن يتقاضى ليشتري بما يتقاضاه مخدرات، والتي عنده أصبحت أهم من الأكل والشرب.
أربعون عامًا و»عادل زغلول» يتنفس مخدرات، ولا يكف عن تعاطيها، وهذا ما جعله في آخر ١٠ سنوات لا يقوى على العمل، ولا يطيقه، فجلس في الشارع هائمًا يطلب من الناس المعونة، ويأخذ ما يتفضل به عليه الأهالي، ليشتري مخدرات.
الأحد الماضي، قبل آذان الفجر، وأثناء ما كان الناس في منازلهم يتناولون عشاءهم، كان «عادل زغلول» يمشي في الشارع، وبدا عليه مظاهر الإرهاق، عيناه مغلقة لا يقوى حتى على فتحها، وتحتها سواد من تراكمات سنوات الإدمان، يتسند بيديه على الحوائط والجدران، حتى دخل عقار مهجور، وسقط على الأرض مغشيًا عليه.
تحرك من شاهد دخوله العقار خلفه، فوجده على الأرض، ولا يقوى على الحركة، حاول إسعافه، لكن كانت سُبل النجاة قد انقطعت، وصعدت روحه إلى بارئها، حينها تم إبلاغ الأجهزة الأمنية، والتي حضرت على الفور ونقل «عادل زغلول» إلى المستشفى، وهناك تبين وفاته، وأكد تقرير الطب الشرعي أن الوفاة ناتجة عن تعاطيه جرعة مخدرات زائدة، والتي عاش عليها ومات عليها.
شاب المرج
من مسن منشأة ناصر، إلى شاب المرج ثمة قصة بدايتها مشابهة، ونهايتها واحدة، الفرق فقط أن مسن منشأة ناصر، أكل التعاطي على ظهره وشرب، لكن شاب السلام، لم يتحمل حتى أن يُكمل تعاطيه المخدرات، ومات وهو في ريعان شبابه.
قد يظن البعض أن قصة وفاة مسن منشأة ناصر طبيعية، عجوز مات بعد تعاطيه المخدرات، وأي عجوز هو إلى الموت لا محالة، سواء كان بسبب المخدرات أم لا، وبالرغم من أنه استدلال ناقص، مبني على افتراضية العمر لا على سبب تدهور الصحة، إلا أن شاب المرج هو الآخر، وهو في ريعان شبابه، مات بسبب جرعة مخدرات زائدة.
حكاية «أحمد .ر» بدأت منذ أن كان عمره ١٣ عامًا، وتحديدًا وقت أن دخل مجال سمكرة السيارات في الحرفيين، وعمل هناك صبي في أحد المحلات، وحرص والده، وهو الرجل الفقير الذي لا يقوى على تعليم ابنه، أن يعلمه صنعة تؤهله لأن يعيش من عرق جبينه.
في العمل، تعرض الطفل وهو بعد في سن صغيرة، للصالح والطالح، وعن اقتناع منه دخل سكة الطالحين، وجرته صحبة السوء إلى التدخين، سجائر عادية، ومنها إلى الإدمان.
دخل الطفل سكة الإدمان حتى أصبح شابًا، وعمره تخطى الـ ٢٨ عامًا وما زال طالباً، كان فيها يتعاطى كل أنواع المخدرات، ولا يجد نوعًا إلا تعاطاه.
مساء الأربعاء، كان في طريق عودته إلى المنزل، وكان قد أبلغ أسرته أنه سيتأخر في الخارج لانشغاله مع صحبته في أمر ما، لكن اقترب الفجر، ولم يحضر، حتى سمعت أسرته أصوات طرق على الباب مفزع، وعندما فتحوا وجدوا من يقول لهم بأن ابنهم سقط في الأرض متوفيًا، وأنه قد تم إبلاغ الشرطة، والإسعاف، وجرى التحفظ على الجثة في مشرحة المستشفى حتى يتبين سبب الوفاة.
كانت الأسرة تعرف أن ابنها مدمن مخدرات، وكانوا متأكدين أن تقرير الطب الشرعي سوف يثبت أن وفاة ابنهم كانت بسبب تعاطيه جرعة زائدة من المخدرات، وما توقعته الأسرة حدث.
شقة البساتين
داخل شقة، في منطقة البساتين، بعد منتصف ليل القاهرة، كان الغمام يملأ أرجائها، ورائحة الدخان تفوح منها، والمخدرات على الطاولة أمام شاب يتعاطى بمفرده، «تصبيرة»، حتى يأتي أصدقاؤه ويتعاطون جماعة.
بعد ساعة، وصلت الصحبة غير الكريمة، طرقت باب الشقة لكن لم يفتح أحد، حينها ذهبوا وظنوا أن صاحبهم قد خلا بهم، خصوصا وأنهم حاولوا أكثر من مرة الاتصال به، إلا أنه كان لا يرد عليهم.
لكن بعد ساعة أخرى، كان قد حضر شاب ظنًا منه أنهم مجتمعين في الشقة، وظل يطرق على الباب، لكن عندما اتصل به سمع صوت هاتفه يأتي من الداخل، حينها توجس خيفة، وأبلغ الأجهزة الأمنية، التي حضرت على الفور، وتبين أن زميلهم قد توفي بسبب جرعة مخدرات زائدة.
حكايات كثيرة من دفاتر مدمنى المخدرات، بدايتها مشابهه ونهايتها واحدة، الناجون فقط فى المصحات، والباقين إما لفظوا أنفاسهم أو ينتظرون تلك النهاية المحتومة.
نقلا من عدد أخبار الحوادث بتاريخ 4/5/2023
اقرأ أيضًا : لتوفير أجواء آمنة للطلاب.. انتشار أمني بمحيط المدارس لتأمين الامتحانات