عاجل

فورين بوليسي: مخاوف من تحول المنافسة بين أمريكا والصين إلى حرب باردة في الفضاء

أمريكا والصين
أمريكا والصين


تتسابق الولايات المتحدة الأمريكية والصين على تحقيق الهيمنة في الفضاء الخارجي. واشتعل هذا السباق خلال الفترة الماضية بعد أن كشفت بكين عن خططها لتصبح أول دولة تبني مستعمرة فوق سطح القمر.

وفي هذا السياق، أكد مدير وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) بيل نيلسون -في جلسة استماع أمام لجنة العلوم والتكنولوجيا بالكونجرس الأمريكي مؤخرا- أن الولايات المتحدة في تنافس مع الصين على مكان لها على سطح القمر، معربا عن خشيته من تفوق بكين على واشنطن وإعلانها أن القطب الجنوبي للقمر أرضا صينية.
وأشار نيلسون إلى أن هناك أماكن قليلة للغاية يمكن الهبوط فيها على سطح القمر، معربا عن قلقه من أن تكون الصين هناك أولا وتعلن أن القمر أرضها.
والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة، تحت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، بدأت في تنفيذ برنامج "أرتميس" الطموح للعودة إلى القمر، والذي يخطط لبناء محطة قريبة من القمر وإنزال رواد فضاء أمريكيين هناك.

وتخطط واشنطن لإرسال مسبار"بريمي-1" إلى القطب الجنوبي للقمر شهر يونيو القادم، والذي "سيبحث عن الماء تحت سطحه".


بينما على الجانب الآخر، فإن برنامج السبر القمري الصيني "تشانغ آه" بدأ بالفعل عام 2007، عندما تم إطلاق أول قمر صناعي إلى مدار القمر "تشانغ آه-1".


وأطلقت الصين في عام 2019، المرحلة التالية من برنامجها القمري، وحققت أول هبوط لجهاز على الجانب الخلفي للقمر. وفي نوفمبر 2020، زار مسبار "تشانغ آه-5" القمر ورجع بعينات من التربة إلى الأرض، لتصبح الصين الدولة الثالثة بعد الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي التي تمكنت من تنفيذ مثل هذه المهمة.
ومن المخطط أن يتم إطلاق مسبار "تشانغ آه-6" في عام 2024، لجمع عينات من منطقة القطب الجنوبي للقمر، أما هبوط طاقم من رواد الفضاء الصينيين على سطح القمر سيكون، وفقا لخطط بكين، ممكنا بحلول عام 2030، إن لم يتم تسريع الخطى ذات الصلة.

وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن الفضاء الخارجي الذي كان، ذات مرة، مثل الهواء والبحار، مشاعا عالميا يشترك فيه البشرية جمعاء، إلا أن المنافسة بين القوى العظمى، ونقص القواعد التنظيمية الحاكمة، واقتصاد الفضاء الخاص المزدهر (المعادن في الفضاء)، كلها عوامل تؤدي إلى تجاوز ذلك (فكرة المشاع العالمي)، والتحول إلى صورة أشبه بحرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة ودول مثل روسيا والصين.

وأشارت المجلة إلى أنه مع إعلان حلف الشمال الأطلسي (ناتو) في 2019 أن الفضاء مجال خامس للعمليات والحرب إلى جانب الجو والبر والبحر والفضاء الإلكتروني، فإن الحرب الجديدة ستشكل تهديدا للحياة على الأرض نفسها، وذلك بدءا من مخاطر الحطام الفضائي إلى إمكانية استهداف الأقمار الصناعية في مدار أرضي منخفض مزدحم بالفعل، والتي أصبح الكثير من مظاهر الحياة الحديثة يعتمد عليها.

ولفتت المجلة إلى أنه في ظل الافتقار إلى التعاون بين الولايات المتحدة والصين في مجال استكشاف الفضاء، يطلق مليارديرات مثل إيلون ماسك وجيف بيزوس جنبا إلى جنب مع أسواق ناشئة المزيد من الأقمار الصناعية لسد الفجوة الرقمية واستكشاف الفرص التجارية.

ومع التطلعات نحو الفضاء ومحاولة تجاوز فكرة أن الفضاء مشاع عالمي، تبنت العديد من الحكومات قوانين تسمح للقطاع الخاص باستغلال الموارد الفضائية. ففي الولايات المتحدة، وقع الرئيس الأسبق باراك أوباما قانون الفضاء التجاري لعام 2015 الذي يمنح الشركات الأمريكية الحق في استخراج الموارد من جميع أنحاء الكون.
كما أن لوكسمبورج، التي تسعى إلى أن تصبح مركزا أوروبيا للتعدين في الفضاء، سنت قانونا يمنح الشركات الخاصة الحق في موارد الفضاء، وأنشأت مركزا للتعدين الفضائي. واتخذ الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خطوة أخرى إلى الأمام في هذا الإطار بإصدار أمر تنفيذي لعام 2020 يأذن بالتطوير التجاري لموارد الفضاء، رافضا صراحة فكرة أن الفضاء هو أحد المشاعات العالمية.
ومع ذلك، فإن الوثيقة القانونية الدولية الأكثر أهمية فيما يتعلق بالأنشطة الفضائية، جاءت واضحة حيال استخدامات الفضاء، وهي (الوثيقة): معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967 (OST)، المعروفة رسميا باسم معاهدة المبادئ المنظمة لأنشطة الدول في ميدان استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي، بما في ذلك القمر والأجرام السماوية الأخرى، وهي المعاهدة التي تشكل أساس القانون الدولي للفضاء. وتضم الوثيقة 113 طرفا بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا والصين، وتنص في المادتين الأولى والثانية على أنه: يتم استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي، بما في ذلك القمر والأجرام السماوية الأخرى، لمنفعة ومصالح جميع البلدان، بغض النظر عن درجة تطورها الاقتصادي أو العلمي، ويكون (الفضاء) مجالا للبشرية جمعاء. كما أن الفضاء الخارجي، بما في ذلك القمر والأجرام السماوية الأخرى، لا يخضع للتملك القومي بدعوى السيادة أو عن طريق الاستخدام أو الاحتلال أو بأي وسيلة أخرى.

ونبهت "فورين بوليسي" إلى أنه لسوء الحظ، ومع التقدم التكنولوجي والجغرافيا السياسية، لا تتحدث المعاهدة عن عدد كبير من القضايا التي نتجت عن تكاثر الأنشطة الفضائية مثل مشكلة الحطام الفضائي المتزايدة أو كيفية التعامل مع تعمية (تشفير) الأقمار الصناعية، كما أنها تفتقر إلى آلية لحل النزاعات.

لا شك أن هناك بعض الاتفاقات القانونية الإضافية السارية في إطار مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي، والتي تغطي قضايا أخرى: المسؤولية عن الأضرار التي تسببها الأجسام الفضائية، وسلامة وإنقاذ المركبات الفضائية ورواد الفضاء، وتسجيل الأنشطة الفضائية، إلى جانب اتفاقية القمر لعام 1979 التي تحدد السلوك على القمر، إلا أنه لم يتم التصديق عليها من قبل أي قوى فضائية كبرى ويُنظر إليها على أنها معاهدة فاشلة. لذا، يتجه الفضاء نحو تدافع فوضوي بين الدول الكبرى لتحقيق ميزات خاصة وسط قواعد متعارضة. 

واعتبرت المجلة الأمريكية أن اللحظات القصيرة لمثالية ما بعد الحرب الباردة بشأن الفضاء قد ولت، حيث ألغت روسيا مشاركتها مع محطة الفضاء الدولية (ISS) التي انضمت إليها في عام 1993، وأصبحت وكالة ناسا ممنوعة من التعاون مع الصين بموجب تعديل وولف لعام 2011، وإن كان هذا الحظر لم يساعد واشنطن في عرقلة برنامج الفضاء الصيني، الذي حقق بالفعل هبوطا على الجانب الآخر من القمر ومركبته الجوالة على المريخ.

ورأت المجلة أنه لو لم يتم وضع اتفاقية أرتميس، (وهي اتفاقية دولية حول مبادئ التعاون في الاستكشاف المدني واستخدام القمر والمريخ والمذنبات والكويكبات للأغراض السلمية وفقا لما ورد في معاهدة الفضاء الخارجي 1967، ووقع عليها 23 دولة)، من جانب واحد فقط وهو وكالة ناسا، لكان من الممكن أن تكون الاتفاقية بمثابة اقتراح أمريكي قوي يمكن على أساسه بناء قواعد عالمية متفاوض عليها، ويتم قبول الكثير من بنودها.. حيث أسفرت محاولة واشنطن فرض الاتفاقية كأمر واقع عن عدم انضمام بعض القوى الفضائية الكبرى مثل: الصين وروسيا وألمانيا والهند إليها.
ونظرا للعلاقات المتوترة بين واشنطن وبكين، وبدلا من التعاون وتقديم مقترحات لتعديل الاتفاقية، عززت الصين بشكل كبير من استثماراتها في خططها الخاصة باستكشاف القمر. كما عززت من تعاونها مع روسيا في إنشاء قاعدة قمرية وأنشطة أخرى في الفضاء.

تجدر الإشارة هنا إلى أن الانتقادات لاتفاقية أرتميس تتركز في اعتبار بعض الدول (خاصة روسيا والصين) أن الاتفاقية محاولة من واشنطن لوضع قانون فضاء دولي يخدم الولايات المتحدة تكون بموجبه مستأثرة ومتحكمة في الأنشطة الفضائية للدول الأخرى، إلى جانب عدم وضوح الصياغة في جوانب مثل عمليات التعدين المستقبلية المحتملة، و(مناطق أمان) المنصوص عليها في الاتفاقية والتي ستحيط بالقواعد المستقبلية على سطح القمر لمنع ما تسميه إدارة ناسا "بالتدخل الضار" من الدول المنافسة أو الشركات التي تعمل في مناطق قريبة.
وتساءلت "فورين بوليسي" عما إذا وصلت الصين أو روسيا أو الهند إلى هناك (الفضاء) أولا، وماذا إذا منحوا حقوقا لشركات تعدين الفضاء الخاصة بهم؟ وماذا إذا بلغت الخلافات بين الولايات المتحدة والصين وروسيا قمتها؟ بلا شك، ستكون احتمالات الصراع حينها واضحة وأكثر احتمالا.

وشددت المجلة الأمريكية على أهمية التعاون، وبدء القوى الفضائية الكبرى هذا التعاون بالقضية الأكثر إلحاحا، وهي إزالة الحطام الفضائي، الذي يعتبر خطرا على جميع الدول التي ترتاد الفضاء. حيث إنه حتى مايو 2022، كان هناك 5465 قمرا صناعيا في المدار، ينتمون إلى حوالي 100 دولة، بينهم 3433 قمرا صناعيا أمريكيا. كما أن حوالي 2900 قمرا من هذه الأقمار تابعون للقطاع الخاص. وقد أدى ظهور مهام "كيوب ستات" الفضائية الصغيرة إلى زيادة أعداد هذه الأقمار في المدار بشكل كبير، فيما يخطط مستثمرن مثل "إيلون ماسك" إلى إطلاق 42000 قمر في المستقبل، بينما تخطط كل من Google و Amazon لإطلاق حوالي 3000 قمر.

ووفقا لمراقبين، فإن هذه الأقمار الصناعية ستكون عرضة لما لا يقل عن 27000 قطعة من الحطام الفضائي، وحوالي 500000 قطعة صغيرة أو أكثر يقل طولها عن بوصتين، علما بأن القطع الصغيرة من الحطام التي تسافر بسرعة 17000 ميل في الساعة يمكن أن تلحق أضرارا كارثية بالأقمار الصناعية التي تنتقل بنفس السرعة.
وأخيرا، فإنه حتى خلال الحرب الباردة، وضعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي بعض القواعد، من معاهدات الحد من الأسلحة إلى التعاون في مجال الأمراض المعدية، وذلك للتعامل مع بعض المشاكل والتحديات العالمية حينها، ولكن حتى الآن، هناك عجز محفوف بالمخاطر فيما يتعلق بوضع قواعد سلوك في الفضاء الخارجي، وهي مشكلة مشتركة بين جميع الدول التي ترتاد الفضاء. وإذا لم يتم حلها، فسيطال الضرر الجميع، وربما نجد أنفسنا في حرب باردة جديدة ولكن في الفضاء.


اقرأ أيضًا : لافروف: واشنطن لا تتوقف عن محاولة توظيف بنيتها التحتية العسكرية في أفغانستان