بداية

علاء عبدالكريم يكتب: لن نمل من تكرار الدفاع عن قضايا المرأة

علاء عبدالكريم
علاء عبدالكريم

■ بقلم: علاء عبدالكريم

..قضيتان في منتهى الخطورة، سبق أن أفردنا لهما الصفحات مرارًا وتكرارًا في «أخبار الحوادث» ولن نمل من مناقشتهما طالما آثارهما السيئة لا تزال باقية تدفع ثمنها الأسر والأبناء وهما؛ «الخلع الغيابي» أو كما اصطلح عليه بالمعنى الدارج «الخلع الأمريكاني»، والولاية على النفس، أو لنقل صراحة وبلا مواربة هي الولاية على المرأة والتضييق عليها، وكأنه لا يكفيها حزنها على رحيل شريك حياتها فـ نضيف إليها عبئًا وحزنًا آخر حين نصورها أنها غير أمينة على أولادها، ويالا العجب العجاب نأتمنها على أرواح أولادها ونخونها في الأموال.

◄ ارفعوا وصاية التسلط على المرأة..  فكيف نأتمنها على ابنائها ونخونهّا في الأموال؟!

كانت ظاهرة فريدة في الماضي القريب؛ أن نرى بيوتًا تهدمها كلمة في غمضة عين، كان الأزواج يجيدون – دون انتقاص من شخصياتهم أو تكبر من الطرفين– فن الاختباء خوفا من الاشتباك، كأنها فلسفة أو لنقل هدنة يتجاوز خلالها الطرفان المشكلات التي قد تعصف بحياتهما وبالتالي الخارجة عن سيطرتهما على أعصابهما.

قبل أن يجيد أزواج هذه الأيام اللعب على الحبال، فترى الرجل ينظر للمرأة على أنها «شرك» بفتح الشين والكاف – يُنصب للرجال، والمرأة لا تكف أبدًا عن اتهام زوجها بالخيانة وأنه لا يغض بصره عن النساء، بل كل المحاولات التي أتقنتها ونفذتها وازداد فيها ألمه من كثرة المطالب لم تعد تجدي مع زوج عنيد يصر على الخيانة، يقاوم الصدق والإخلاص والوفاء ببراعة منقطعة النظير، والنهاية هي أنفاس مقطوعة تسلب راحتهم، أيام وليالي يقضونها ما بين المحاكم ومكاتب المحامين تسرق أعمارهم ويدفع ثمنها في النهاية هم الأبناء..؛

تحولت البعثة العائلية من كبار عائلتي الزوجين إلى أشبه بلجنة تقصي الحقائق داخل بيت الزوجية؛حياة «وسام» شهدت أوجاعًا منذ اللحظة التي تزوجت فيها، ورغم أنها أنجبت طفلة منه، هي لا تزال تحفظ عن قلب نصيحة أمها، «بأنها يجب أن تفرض عليه سلطانها على مدار الساعة، لا تسمح له بالهروب أو أن يتوارى بعيدًا عن أنظارها، حتى وهو في عمله تلاحقه دائمًا بالاتصالات الهاتفية، أن تجعله يسئم ضيق الحركة والفرار، وأن يتعاطى مع حياتها سلبًا أو إيجابًا»، أما هو وحتى لا تضيع مخططاته سُدى، كان أمامها يبتسم ابتسامة الرضا، طريقة مضمونة منصوص عليها في كتب فن الخيانة الزوجية؛ وسام تأكدت من خيانة زوجها بعد مكالمة تلقتها من صديقة لها تخصصت في خراب البيوت، «الحقي نفسك جوزك دلوقتي قاعد مع واحدة زي القمر في مقهى بوسط البلد، بسرعة روحي امسكيه، الحرامي بشلته يا حبيبتي»!، لم تكذب وسام خبرًا، ارتدت ملابسها على عجل، أوقفت سيارة أجرة، ظلت طول الطريق والسيارة تنهب الطريق نهبًا؛الأسئلة تتسارع وتتصارع في عقلها؛ «صحيح الواثقة في الرجال، كالواثقة في بقاء الماء في الغربال»، فالمكالمة التي تلقتها وسام من صديقتها صادقة يُراد بها خراب البيت، يجب أن تنتهي بضبط الزوج متلبسًا بالجريمة، دخلت وسام إلى المقهى الراقي بوسط البلد وهي تنفخ وتفور كمرجل يغلي، أحست بالدماء تخفق بقوة في رأسها، أو كأنها ممتلئة بغاز تسرب إلى كل أعضاء جسدها، ولم يبق سوى الضغط على زر الولاعة ليتحول المكان كله إلى كتلة نيران نهمة تحرق كل ما يصادفها، وبعينين تتقادحان غلًا وشرًا قذفت بكوب العصير من يد زوجها على الأرض وسط اندهاش كل المتواجدين بالمقهى الذين شنفوا آذانهم لسماع كل ما لذ وطاب في قاموس الردح الزوجي، تصرخ في وجهه بصوت مدوي فبدت الكلمات التي تخرج من فمها وكأنها قاذفات لهب: «بتخوني يا راجل يا محترم، الهانم اللي قاعد معاها تعرف أنك أب، بدل ما تروح شغلك، قاعد تحب، كل ما تتأخر تتحجج بشغلك وكنت بصدقك من طيبتي وسذاجتي، بسببك فقدت التمييز بين العطور الرجالي والحريمي، كل ما اسألك أن العطر الذي في ملابسك حريمي تصرخ في وجهي تتهمني بالتخلف والجهل مصرًا على أنه عطر رجالي فاخر من زميلك في الشغل، ولما اسألك مرة تانية أنت بتتأخر ليه بقالك كام يوم، تقول لي غاضبًا بشتغل كتير عشان اجيبلك انتي وبنتك مصاريف البيت وألبي مطالبك التي لا تنتهي، دائمًا تقولين لي هات.. هات.. هات»!

خرجت وسام من المقهى بعد «ولولتها» وهي تقسم بحركات لا إرادية بكلتا يديها «أنه سيدفع الثمن غاليًا»، وفشلت لجنة تقصي الحقائق العائلية في عودة الوئام بين الزوجين بعدما صعدّت الزوجة الموقف؛ فكانت العملية التي خططت لها ووجب تنفيذها بأقصى سرعة؛ هي إهانته بقضية خلع لا يعلم عنها شيئًا، اي خلع «أمريكاني»، وحتى تبرر فعلتها هذه، أقنعت نفسها بأن ما تفعله ليس تحايلًا على القانون وإنما دفاعًا عن النفس ورد اعتبارها من زوج خائن، بررت لنفسها ما سوف تفعله قائلة: «مش فيه طلاق غيابي ايه المانع كمان يكون فيه خلع غيابي»!، بقي فقط البحث عن محامي يلعب بالبيضة والحجر، محامي لديه القدرة على أن يمتطى القانون ويسوقه في الاتجاه الذي يريده، لم تتأخر كثيرًا عثرت عليه على باب محكمة الأسرة، من هؤلاء الذين يُطلق عليهم الـ «المخلصاتي»، زعمت لزوجها أنها غاضبة وعليه أن يلوذ بحجرته عدة أشهر حتى تتخلص من آثار الخيانة وترجع المياه لمجاريها، صدقها الزوج وهو يقسم لها أنها غلطة لن تتكرر، لكن هيهات أن تصدقه، مضت الأيام تليها الشهور حتى ذات يوم؛ عاد الزوج من عمله فوجد حارس العمارة بوجه يكسوه الحزن يسلمه شنطة سفر وحيدة بها ملابسه ورسالة من ثلاثة أسطر، قالت له فيها: «أنا خلعتك واحمد ربنا أني سيبتك في البيت 8 شهور، مش كده وبس أنا اخدت كمان تمكين من شقة الزوجية لأني حاضنة، حبيبي اتقي شر امرأة جريحة وأنت جرحتني بخيانتك لي»!
ليبقى السؤال بعد هذه الحكاية وأكيد يوجد مثلها مئات إن لم يكن آلاف الحكايات تمتلئ بها قاعات المحاكم؛ هل بهذه السهولة تمكنت هذه الزوجة أن تحصل على حكم بالخلع؟!، نعم طالما هناك عوار قانوني وهو إعلان الزوج على عنوان مزيف أو قديم حتى لا يتم الاستدلال على عنوانه ولا يصل له إخطار بالقضية المرفوعة عليه ويكون ذلك إما بالاتفاق مع المحضر المسؤول عن إعلان القضية، أو من خلال القيام بإعلانات خاطئة، أو إعلانه إداريًا أي على الورق فقط، وتعتبر المحكمة أن الإعلام تحقق وانعقدت الخصومة بعد إعلان الزوج مرتين ولم يحضر أمام المحكمة.

■■■

قضية أخرى في غاية الخطورة طرحها مسلسل «تحت الوصاية»، بطولة الفنانة الرائعة منى زكي مع نخبة من الفنانين الكبار لا يجب أن نفوتها والأولى ألا يغفلها مجلس النواب المشرع المصري؛ لماذا يرفض القانون أن تمثل الأرملة أولادها ليأتي الواصي عليهم العم أو الجد، وكأن هذا القانون العقيم حكم على المرأة أن تظل بعد رحيل أو سفر زوجها مثل القاصر لا يمكنها أن تتصرف في حياة وتربية أولادها، وبدلًا من أن نقدر حزن المرأة على رحيل شريك حياتها، نضيف فوق حزنها حزنًا آخر وهو أن نصورها أنها غير أمينة على تربية أولادها؛ لنجعل العم أو الجد هو صاحب الولاية على الأبناء والمتصرف الوحيد في شؤونهم، صحيح أن  المجلس القومي للمرأة في هذا الشأن قال؛ « إن الولاية والوصاية المالية حق للمرأة، وتعد الولاية والوصاية المالية حق للمرأة فهي المؤتمنة على أطفالها وهي القائمة بأمورهم، هي التى تقوم بالتربية والرعاية والإنفاق أيضًا على أطفالها»، وصحيح أن هناك تحركا برلمانيا قد حدث في هذا الشأن، لكن وهذا هو الأهم نرجو أن يأتي ثماره بسقوط وصاية الاستبداد والتسلط الذي يمارسه بعض الأجداد والأعمام على الأرامل، لا حرصًا على مصلحة الصغار وإنما تشفيًا في الأمهات.