انهيار الكوميديا .. مسئولية من ؟

علي ربيع «فيلم بعد الشر»
علي ربيع «فيلم بعد الشر»

تشهد الكوميديا حالة من التراجع في السنوات الأخيرة، سواء على مستوى السينما أو الدراما، وأصبح إيجاد عمل كوميدي متكامل يفخر به الفنان، ويترك بصمة وعلامة لدى المتفرج، ويحفر في ذاكرة الدراما والسينما المصرية، هو أمر بالغ الصعوبة، وأبرز دليل على ذلك أن المسلسلات الكوميدية فى الآونة الأخيرة حالها لا يسر حالها عدو ولا حبيب.

اقرأ أيضاً .. بعد انتهاء الموسم الدرامي الرمضاني.. الفضائيات تعيد مسلسلات كوميدية قديمة

هذا بالإضافة إلى انهيار الأفلام الكوميدية في السنوات الماضية، وليس في موسم عيد الفطر فقط، وحتى الفنانين الكوميديانات السوبر ستار الذين ينتظرهم جمهورهم أمثال هنيدي و محمد سعد وأحمد حلمي وغيرهم، أصبحت أعمالهم لا ترضي جمهورهم، والإيرادات التي يحققونها في شباك التذاكر لا تعكس بدرجة كبيرة جودة الفيلم، ولكنه يعكس فقط حب الجمهور للفنان.. قامت “أخبار النجوم” بطرح تساؤلات عديدة على النقاد لمعرفة أسباب انهيار الكوميديا وليس تراجعها فقط في الفترة الماضية، ومن المسؤول عن ذلك، وكيف تستعيد الكوميديا رونقها مرة أخرى؟

في البداية يقول الناقد عصام زكريا: الكثير من الأعمال الكوميدية سواء في السينما أو الدراما تعتمد بدرجة كبيرة على الإفيهات والارتجال العفوي من الفنانين، وهو الأداء الذي يصلح في كثير من الأحيان في المسرح، وهو أحد أسباب نجاح المسرحية بدرجة كبيرة مثلما كان يحدث مع الزعيم عادل إمام، والذي كان أدائه الإرتجالي على المسرح أحد أهم أسباب نجاحه في السنوات الماضية، إلا أن هذا الأسلوب لا يصلح في السينما والدراما، ويعتبر هذا النوع من الكوميديا هو الأسوأ على الاطلاق، لأن الجمهور أصبح في حالة تحتاج إلى مزيد من بذل الجهد ومحاولة خلق كوميديا جديدة تساعده على الضحك، لكن الطريقة المتبعة في كثير من الأعمال عن طريق السباب أو الضرب، كلها طرق لا تصلح لإضحاك المشاهد، فالعمل الكوميدي الناجح سواء كان رواية أم مسرحية أم فيلم أم مسلسلا هو الذي يحترم قيم معظم المشاهدين، ويتجنب جعل “السماجة” دافعاً للإضحاك، لأنها إذا أضحكت فإنما هي تضحك شريحة ضيقة من المشاهدين وليس الغالبية العظمى من الجمهور.

اقرأ أيضًا | ذكرى ميلاد ميرنا المهندس.. أبرز 10 معلومات عن فراشة السينما المصرية

ويضيف زكريا: الكوميديا تتراجع في السنوات الماضية بدرجة كبيرة وليس في هذا الموسم فقط، والسبب في ذلك ضعف السيناريو والاستسهال من قبل المؤلفين، كما أن مؤلفين أنفسهم أصبحوا يتجهوا في الفترة الماضية إلى الأعمال التي تجذب المشاهدين بدرجة كبيرة، وهي قضايا مجتمعية وقضايا المرأة،  وأبرز دليل على ذلك أن مسلسلات الدراما في رمضان الماضي قد خلت تقريبا من الأعمال الكوميديه فيما عدا النوادر، ومنها مسلسل “الأكس لانس” لمحمد سعد، والذي فشل فشلا ذريعًا، إلا أن أعمال أخرى قد لاقت استحسان من قبل الجمهور، مثل مسلسل “الصفارة” لأحمد أمين، ومن قبله مسلسلى “بالطو” و”اللعبة” لهشام ماجد وشيكو، وبالنظر إلى موسم عيد الفطر السينمائي، فإن الأفلام أغلبها كوميدية وجاءت ايراداتها ضعيفة للغاية، وهو ما يعبر ويعكس حالة الكوميديا في السنوات الأخيرة.

ويشير زكريا: منافسة الكوميديا بالسوشيال ميديا للأعمال الفنية الكوميدية سواء في السينما أو الدراما أصبح أمر ملحوظ، فاستطاع اليوتيوبرز والبلوجرز خلق مواقف كوميدية تساعد على إضحاك الجمهور، ولذا على صناع الأعمال الكوميدية بذل المزيد من الجهد في محاولة خلق أفكار خارج الصندوق وغير تقليدية على الإطلاق، حتى لا يكون الأمر متكرر أو مقتبس من السوشيال ميديا، ولذلك فإن إضحاك المشاهد أصبح من الصعوبات في الآونة الأخيرة، بالإضافة إلى أن السيناريوهات الجيدة في السوق أصبحت من النوادر.

ويؤكد عصام زكريا، أن مسلسل “بالطو” من أهم الأعمال الكوميدية في الفترة الماضية، لأنه يعتمد على الكوميديا السوداء أو القاتمة، وهى نوع درامي مركب يجد فيه الجمهور المتعة بسبب الموضوعات المطروحة، وهناك بعض الفنانين يسعون إلى الفصل بين الكوميديا والتراجيديا، وأن عصره قد انتهى وتحولت إلى دراما اجتماعية تعتمد على المفارقات التي تثير الضحك والبكاء في نفس الوقت، ومن هنا يبقى على الكوميديا في الدراما والسينما أن تسعي إلى نقد السلوكيات الإجتماعية السلبية لإصلاح وتطهير المجتمع، وإعادة التوازن إليه لا إلى التهكم والسخرية والاستهزاء من عيوب خلقية في الفنانين بشكل متكرر، مما يثير الملل، بالإضافة إلى أنه يجرح مشاعر المتفرج مثل السخرية على السمنة وضعف النظر والنحافة وغيرها. 

في حين تقول الناقده ماجده موريس: أحد أسباب تراجع الكوميديا في السنوات الماضية، هو انتشار الورش الفنية في كتابه السيناريو بدرجة كبيرة وملحوظة، وهى لا تصلح للأعمال الفنية بشكل عام والكوميدية بشكل خاص، ومنذ بداية الظاهرة وحتى قبل انتشارها بدرجة كبيرة أكدنا مرارا وتكرارا على خطورتها في المستقبل القريب، وهو ما حدث بالفعل، وأصبحنا نعاني من مساوئها في الفتره الحالية، لأن أحد أسباب نجاح السيناريو هو أن يتولى مؤلف واحد كتابة السيناريو من البداية للنهاية، لأنه الأكثر إلمامًا بخيوط السيناريو، ولكن ما يحدث حاليًا أن المؤلف الرئيسي يعقد اجتماعات متكررة مع بعض المؤلفين الصغار، وأن يتولى كل واحد منهم خيطا أو زاوية فنية في السيناريو، على أن يتولى هو تجميعها في النهاية، وهو ما يتسبب في فرط السيناريو من المؤلف ويتسبب في حالة من التوهان للمشاهد. 

ويقول الناقد رامي عبد الرازق: نعانى منذ فترة من غياب الكوميديا وتأثيرها على الخريطة الفنية، لدينا أزمة أكبر في الكتابة ووجود أفكار جيدة ومبتكرة ومتجددة للدراما، فلا يوجد كاتب متخصص في الكوميديا ومستمر فيها مثلما كان في الفترات السابقة، مثل أحمد عوض ويوسف معاطي ويوسف عوف ولينين الرملي، ولا ننكر وجود بعض المؤلفين الذين يحاولون الكتابة الكوميدية وبعضهم يحولها لمجرد عمل متكامل يعمل على فكرة قوية ثم يحاول حشو الحلقات بأحداث قد تكون غير ملائمة، فيظهر العمل فاشلًا في أغلب الأحيان، بالإضافة إلى ذلك فإن أحد أسباب تراجع وانهيار الكوميديا هو الفنان نفسه، بتدخلاته الزائدة عن الحد، مثلما يتردد عن محمد سعد، ففي الثمانينات والتسعينات كان المؤلف والمخرج يقوموا بعقد اجتماعات دورية وتحضيرية للعمل على أن يقوموا باختيار الفنانين، حتى البطل نفسه، إلا أن الذي يحدث في الفترة الحالية هو أن الفنان هو المسؤول الأول والأخير عن العمل، ويتدخل في أدق التفاصيل، حتى اختيار الأبطال، وبالتالي فإن آراء المؤلفين والمخرجين أصبحت هامشية، وذلك بدعوي أن البطل هو أحد أهم أسباب نجاح العمل، لأنه تم انتاجه وتسويقه بناء على اسمه ولأجله هو فقط، والتعامل على أن الفنان البطل هو أساس الحكاية وليس السيناريو الجيد.