إنها مصر

السودان وذكريات غالية !

كرم جبر
كرم جبر

كان السودان بطل المصالحة التاريخية بين الرئيس جمال عبد الناصر والملك فيصل، فى القمة العربية بالخرطوم فى أعقاب هزيمة 1967، وهى المعروفة بقمة اللاءات الثلاث «لا تصالح، لا تفاوض، لا اعتراف»‬ بإسرائيل، وكانت الأزمات بين مصر والسعودية فى ذروتها، بسبب الحرب فى اليمن.
كانت المصالحة هى مفتاح بناء موقف عربى قوى فى أعقاب الهزيمة.. وكانت المفاجأة هى خروج الشعب السودانى لاستقبال عبد الناصر بشكل أسطوري، وافترش الملايين طريق المطار منذ الفجر، وارتسمت الابتسامة على وجه عبد الناصر لأول مرة منذ انتهاء الحرب، وخرجت من الخرطوم رسالة قوية: عبد الناصر لا يزال زعيماً للعرب.


وكان رئيس الوزراء السودانى محمد أحمد المحجوب هو رسول السلام بين البلدين، وأقام مأدبة عشاء فى منزله للزعيمين، بعيداً عن الكاميرات، وحلف بالطلاق أن يتصافحا، وكان ذلك بداية تصفية الأجواء.


دارت أغلب المناقشات فى مؤتمر الخرطوم حول الدعم العربى لدول المواجهة، لتحقيق الانسحاب من الأراضى العربية المحتلة، وكان عبد الناصر يعتقد أن مصر تستطيع تحرير سيناء، ولكنه كان قلقاً على الوضع فى الضفة الغربية والقدس، وكان يرى ضرورة العمل الدبلوماسى لتحريرهما بأقصى سرعة، واستغلال العلاقات الطيبة بين العاهل الأردنى الملك حسين والولايات المتحدة.


وعاد عبد الناصر من السودان منتصراً رغم الهزيمة، ومزوداً بشحنات حماسية رائعة، استمدها من روح الشعب السوداني، وحبه لمصر، ووقوفه بجانبها فى لحظات الشدة، وكانت حرب 67 وهى الأزمة الأكبر فى تاريخ العرب، نموذجاً لدور سودانى فعال، حفاظاً على تماسك العروبة ووحدتها، ومنع انفراط عقدها.
مواقف مشهودة رغم قسوة الأحداث، فبين مصر والسودان رصيد ثقافى وعلاقات شعبية تقف كحائط صد ضد أى خلاف أو وقيعة، لأن ما يجمع الشعبين هو رباط قوي، وتحرص مصر دائماً على أمن واستقرار ومصالح السودان، وتتسم سياستها بالتقريب بين الأشقاء وعدم التدخل فى الشأن الداخلي.
بيننا قواسم مشتركة كان من الضرورى توظيفها للانطلاق نحو المستقبل، بما يخدم البلدين والشعبين.. حفظ الله الشعب السودانى وأعاد إليه الهدوء والاستقرار.
>>>
الدولة القوية يحميها جيش قوى، لا يغامر ولا يهدد ولا يعتدى، لكنه يحمى بلده من أعداء الحياة، فقد عاشت مصر وطناً للمحبة والأمن والسلام، وحينما حاول الأشرار أن يجعلوها أرضاً للخوف، صدرت إليهم الخوف، ولعلهم استوعبوا الدرس.
فالدول مثل الأشخاص، لا يعمل حسابها الصديق أو العدو إلا إذا كانت قوية وتفرض احترامها على الجميع، وفى عالم اليوم يأكل الكبير الصغير، وتدوس الأفيال العشب، وفى عالم السياسة ليس هناك حب وكراهية بل مصالح ومطامع.
>>>
الشائعات.. تحاول سرقة العقل والتفكير، ومع الإلحاح والتكرار وغياب المواجهة ترسخ الأكاذيب فى الأذهان ويصدقها الناس «اكذب ثم اكذب ثم اكذب، قد يصدقك الناس»، وتضع الشائعات الجمهور المستهدف فى «مرمى التدمير».
وزير الدعاية النازى «جوبلز» ابتكر نظرية «التأطير» ومعناها إبراز الجوانب السلبية فى الحدث والتركيز عليها، وطمس الجوانب الأخرى، نفس النظرية بالضبط استخدمتها الجماعة الارهابية.. ولا تزال.