استبرق أحمد يكتب: ما لم تَرْوِهِ الأدلِّةُ

استبرق أحمد يكتب : ما لم تَرْوِهِ الأدلِّةُ
استبرق أحمد يكتب : ما لم تَرْوِهِ الأدلِّةُ

«المطبخ» المُرتكبون:المغسلة

لا تستطيعُ مياهى مسحَ صرخاتِها فى نوباتِها الحادة. تكدّس الصحون، الأكواب، والملاعق، والسكاكين، تُكرِّر ضرب قبضتها على حوضي، رأسُها مُرتخٍ على صدرها، تُحدِّق فى دوران الماء.

 فى إحدى خروجاتها على مشهدها اليومي، مضت فى سعار الغضب والهذيانات، رمت زجاجاتِ أدويةِ ابنِها فى حضني، كسرت الصحون والأكواب، أدارت مقبض الخلّاط، اندفعت المياه وقطع الزجاج، أصبتُ بدوار، فلفظتُ القطع الكبيرة، المحشورة فى ماسورتي.

ظلَّت ترفسُنى بينما أسعلُ بحدّةٍ، مهشّمه بالمقلاة المزيد.

ظهر ابنُها، أمسك زندها ضاغطاً بحُنوٍّ، احتضنها من الخلف، انتفضت، توقفت، تنهدت ولم ترفع رأسها ولم  تلتفت...الخزانة

مللنا، حتى ابنُها ازداد تبرُّماً وكآبةً.

اقرأ ايضاً |هدى الشوا تكتب: عطور البرابرة

دائمة الصراخ، لاعنة، شاتمة، مُهدِّدةً لنا بالاستغناء كما فعلت ببعض أغراضه الأثيرة،لا يكفُّ غضبُها عن جذب أدراجى وأبوابى التى عاندتها، فباتت تشدُّها للخارج، أو تلطمُها لتغلقها بقسوةٍ تُصيبها بالخراب والشلل.

 جنّت فى زيارة أختها الأخيرة لها ، شكت ابنها ولعنت المطبخ، مؤكدة أنهما سببُ انهياراتها المتواصلة، حاولت أختُها تهدئَتها، فتشاجرت معها وطردتها، رغم محاولة الابن ردعها عن ذلك.

دخل، بعد ساعة، مديراً ظهرَهُ لهلوساتها، مُتشاغلاً بالبحث عن أقلامه ودفاتره التى يدسُّها  فى أدراجي، لكمت ظهره، بصقت شتائمها على المطبخ؛ وعلت شهقات بكائِها.

الموقد

هو القرار الصحيح، فخبالُها تزايد، لا تتقيَّد بعلاجها ولا تذهب لمواعيد طبيبها،سابقاً تشعل عينى وتحرق ما يقع بيدها من أوراقه، تمادت حاشرةً دفاتره وكتبه فى فرنى بشكلٍ هستيريٍّ وغير مفهوم، أهانتنى ولعنتنى لاحقاً، مُدعيةً أنَّ الفرن احتفظ برائحته.

مؤخراً تكاثرت انفجاراتُ هيجانها، راكلةً الخزانة، باحثةً عن علبة الثقاب، تُكوِّم صوره وأوراقه، تقاريره الطبيّة، تشعل عينى تُطفئ بها هذياناتِها واحداً فآخر، وتغرق البقايا المُتفحمة فى المغسلة المتوجعة أكثرنا.

و...تشتمُنا؛ لأننا لم نتدخل عند حاجة ابنها إلينا، لتخرج صافقة الباب،ولذا سألتهم التعاون فى خطة الخلاص، تحمّست المغسلة جداً

باشرتُ

بدأب الصبورين ...وشوشت وشوشتوشوشتوشوشت وشوشت وشوشتوشوشتوشوشت فوافقوا على الخطة.

الابن

حطمتْ أحلامي، دفنتْها، وضعتْ فوقها حجارةً فوق حجارةٍ، حاولتُ كثيراً أن أجدَ معبراً لأحققَ درجةً من النجاح، لكنها أقعدتنى جانبها، أحبطتني، ما عدتُ أستطيعُ التحررَ من حبالِ محبتها المريضة، أما شح صداقاتى فتراها خيانات، لم أكن مُلتزماً بأدويتي، كثيراً ما أخذتُ كتبى لأقرأها فى المطبخ الفسيح الذى يعجبنى، أتحدث مع الأشياء، أخبرها عن الأبطال، من تجرَّدوا من الخوف، ومَضَوْا للموت... وعن جُبني.

ما فعلناه:

 بدخولها باكيةً  صباحاً، فوجِئتْ  بخرير المغسلة  يلمعُ على الأرض، كادت تنزلق، أمسكت بالحافة الرخامية للخزانة، اعتدلت، فتحت باب الخزانة السفلى، انحنتباحثةً عن لاصقٍ تخنق به الثُّقب، سقط بابُ الخزانة العلويّ على رأسها فشجَّهُ، دائخةً وقعت على الأرض، انقض الفرن مسرباً الغاز، لتعبّ من الموتِ بسخاءٍ، لمسة أظنُّها شاعريةً اقترحها الابنُ دون أن يدرى.

و...انتظرنا وحيدَها  طويلاً... ولم يأتِ وما لمحناه.

المُرتبكون:

جارةُ الشقة الملاصقة: تغيَّرت كثيراً خلال عامٍ واحدٍ، لم تعد تتصل ولا تخرج، اختفت، حارس العمارة: هاتفتنى تطلبُ ضرورةَ العثور سريعاً على من يأخذُ الموقد، قائلة:إنه يُكثرُ الهمساتِ الغامضةَ ووعدتها ببيعِهِ خلال أيام.

رى المطبخ

أختها الباكية: ابنها عانى كثيراً من اكتئاباته، ومن تعلُّقها به، هكذا زادت هلوساتُها خلال عام من وفاته فى المطبخ بشكلٍ مفاجئٍ ودون سببٍ ظاهرٍ، لتنهار فى هاوية التهيؤات،مُدعيةً أن للمطبخ دوراً فى موته.

الابن: رأيتُها تتجهُ إلى المطبخ، سمعتُ سقطَتَها، وقفتُ أريدُ لحاقَها، تجمَّدت. عرفت، لاحقاً، أنَّ الموقد حرّض الفرن، مُتذكراً روايتى عن شاعرة، باتت تُشبهها تُدعى سيلفيا بلاث.