«خفاجي»: صانعو الأفلام الوثائقية في أمريكا يزيفون التاريخ بـ«فيلم كليوباترا»

فيلم كليوباترا
فيلم كليوباترا

نواصل عرض الدراسة الفريدة من نوعها على مستوى الوطن العربى للفقيه المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة، المتخصص علمياً فى تاريخ أنظمة الحكم فى مصر القديمة وتراث الشعوب - غاية فى الأهمية بعنوان "مسئولية شبكة نتفليكس أمام القضاء الأمريكى بتعويض مصر عن تزييف تاريخها القديم للملكة كليوباترا، دراسة فى ضوء المعايير الأمريكية المهنية والأخلاقية عن الأفلام الوثائقية".

مغالطات تاريخية

ويعد الموضوع حديث الساعة ويحتل المرتبة الأولى عالمياً نظرا لما ستعرضه  شبكة نتفليكس  “Netflix” 10 مايو 2023 لفيلم وثائقى باسمQUEEN CLEOPATRA " الملكة كليوباترا، يتضمن مغالطات تاريخية وظهورها سوداء، يكشف فيه الفقيه المصرى عن مفاجاَت وقضايا خطيرة تخص شبكة نتفليكس بالأدلة الأمريكية، وحقوق مصر تجاهها فىالتعويض، وسوف نعرض للجزء الثانى من  تلك الدراسة الخطيرة فيما يلي: 

أولاً : وشهد شاهد من أهلها - دراسة أمريكية : على صانعى الأفلام الوثائقية الأمريكية توخى الحقائق دون زيف ومراعاة المعايير الأخلاقية :

يقول الدكتور محمد خفاجى أنه فى أحدث دراسة أمريكية لاستطلاع الرأى بين منتجى ومخرجى الأفلام الوثائقية فى الولايات المتحدة الأمريكية قامت بها الدكتورة "بيتر جايزى" أستاذ القانون بكلية الحقوق بالجامعة الأمريكية بواشنطن بالمشاركة مع الدكتور "بات أوفديرهيد " مدير مركز التأثير الإعلامي والاجتماعي بالجامعة، وقدمت هذه الدراسة خريطة للتحديات الأخلاقية المتصورة التي حددها صانعو الأفلام الوثائقية - المخرجون والمنتجون - في الولايات المتحدة الأمريكية في ممارسة مهنتهم من خلال نتائج 45 مقابلة مطولة طُلب فيها من صانعي الأفلام وصف التحديات الأخلاقية الأخيرة التي ظهرت في أعمالهم , للتمكين من صياغة معايير ناشئة عن الخبرة والقيم المشتركة  لصناع الأفلام الوثائقية لما يتضمن بعضها من مخاطر تغيير الحقيقة وأحيانا التلاعب بها .

الأفلام الوثائقية

وفى البداية اعترف صانعو الأفلام الوثائقية الذين جرت بشأنهم المقابلات – وليس من بينهم شبكة نتفليكس - على أنفسهم أنهم فنانين مبدعين يمثل السلوك الأخلاقي بالنسبة لهم جوهر عملهم الفنى , رغم الضغوط المالية غير المسبوقة على صانعي الأفلام لخفض التكاليف وزيادة الإنتاجية، وأفاد صانعو الأفلام أنهم يجدون أنفسهم بشكل روتيني في مواقف يحتاجون فيها إلى موازنة المسؤوليات الأخلاقية مقابل الاعتبارات العملية. 

اقرأ أيضا| متهم آخر في قضية نيرة أشرف.. النقض تكشف حقيقة ادعاء دفاع القاتل| انفراد

ويضيف الدكتور محمد خفاجى أنه يمكن تلخيص نتائج دراسة استطلاع الرأى الأمريكية من تعليقات من شاركوا فيه , أنهم أكدوا على القرارات الأخلاقية الظرفية لكل حالة على حدة وتشاركوا فى وضع القيود العامة دون تفصيلات من حيث ثلاثة محاور المبادئ والموضوعات والمشاهدين ففيما يتعلق بالمبادئ أكدوا على "عدم إلحاق الضرر" وفيما يتعلق بالموضوعات انتهوا إلى "حماية الضعفاء لا نصرة قوى الشر"، وفيما يتعلق بالمشاهدين أكدوا على "احترام ثقة المشاهد بعرض الحقائق دون تزييف".

تسعينات القرن الماضى

ويشير أن دراسة استطلاع الرأى الأمريكية اعترفت أيضاً بأن صانعى الأفلام الوثائقية فى تسعينات القرن الماضى في الولايات المتحدة كانوا يحظون باحترام واسع، ومعترف بهم كأصوات مستقلة في تأثير القيم المجتمعية  على عكس الاَن من بدايات عقود القرن الحادى والعشرين حيث تراجعت ثقة الجمهور في وسائل الإعلام الرئيسية وفي نزاهة العرض مما كان له تأثيره على صانعي الأفلام الوثائقية، سواء كانوا ينتجون تاريخًا أو برامج الطبيعة أو الأفلام الوثائقية السياسية المستقلة التى لوحظ بعضها يقوم بالتشويه للشخصيات والأحداث لأهداف سياسية وهو الأمر الذى ينبغى أن يبتعد عنه الفن.

ويشير أن الدراسة الأمريكية بين أهل الفن انتهت إلى أنه فى مجال صانعى الأفلام الوثائقية خاصة الشخصيات التاريخية فى الحضارات المختلفة يجب أن تتطور أي مدونة أخلاقية وثائقية لتتمتع بالمصداقية باحتوائها على مجموعة واسعة من الممارسات من فهم مشترك للقيم والمعايير والممارسات الإبداعية.

فيلم كليوباترا

ويوضح دكتور خفاجى الرأى عندى أنه مهما واجه صانعو الأفلام الوثائقية ضغوطًا لتضخيم الدراما أو الصراع بين الشخصيات فلا يجوز لهم إزاء الشخصيات التاريخية التى أضافت رصيدا للإنسانية فى تاريخ الحضارة أن يقوموا بتغيير الحقيقة فى الصفات الجوهرية للشخصية أو تزييف الأحداث بما يعرض الحضارة لطمس الهوية , واعترف بعض صانعي الأفلام الوثائقية بأمريكا – كفيلم كليوباترا الذى تعتزم شبكة نتفليكس بثه - أن عملهم يقوم على سوء النية المباشرة والخداع الصريح ، بعدم قول الحقيقة كاملة وإخفاء " دوافعهم السياسة الحقيقية" حيث يطغى الضرر الذي يقع على أصحاب الحضارة التى تم تزويرها على حقوق البث ويتعداه بمراحل مفجعة تصيب الأجيال السابقة والمعاصرة واللاحقة , وهنا يكون مكمن الخطر فيتحول الفيلم الوثائقى من عمل "مبدع" إلى عمل "مضلل" للجمهور بتزوير الحقائق , مما تبرز معه أهمية مسألة المعايير الأخلاقية فى العمل الإبداعى للحفاظ على ثقة المشاهد في دقة العمل ونزاهته.

ثانياً : تاريخ مصر القديمة ليس داخل متحف وإنما هو فجر الضمير العام للإنسانية وأمريكا انكوت بنار الأخبار المزيفةمنذ 125 عاما مع إسبانيا 

يذكر الدكتور محمد خفاجى إن تاريخ مصر القديمة ليس داخل متحف وإنما هو فجر الضمير العام للإنسانية فهو تاريخ يستكشف الماضى لنبصر به الحاضر فلا يجب أبدا أن يقوم على الأخبار المزيفة, ولا يجب استخدام القصص الكاذبة لتوجيه الرأي العام العالمى بالأخبار المزيفة عن أعظم حضارة فى الإمبراطوريات الشرقية القديمة.

ويضيف إن صناعة الأخبار المزيفة فى الأفلام الوثائقية أو العمل الصحفى ذاته انكوت بناره أمريكا ذاتها , فمنذ 125 عاما، ساعدت وسائل الإعلام في بدء حرب بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا , وكانت كاليفورنيا التى يقع فى دائرتها الاًن مقر شبكة نتفليكس - المصدر المسبب لها حيث يُنظر إلى الناشر "ويليام راندولف" بصحيفة هيرست في كاليفورنيا على أنه الأب الروحى "للصحافة الصفراء"، وهو نوع من الصحافة المصممة لزيادة التداول عن طريق إثارة الأحداث الإخبارية المهمة وتزييفها عمدًا - ويوازيها حديثاً "الشبكات الإلكترونية الصفراء "- ففي عام 1898 ، بدأت صحيفة "هيرست"حملة لإذكاء نيران الهستيريا المعادية للإسبانية خلال ثورة كان ذلك البلد يخوضها في كوبا .

طوربيد إسباني

والقصة باختصار أن الصحفيين  اختلقوا قصصًا مروعة عن الفظائع الإسبانية ضد الكوبيين ، ودعوا الولايات المتحدة الأمريكية إلى التدخل في الصراع عندما انفجرت البارجة الأمريكية "يو إس إس مين " في ميناء هافانا - و البارجة أو دارعة (Battleship)‏هي سفينة حربية كبيرة مدرعة ببطارية رئيسية تتكون من مدافع من عيار كبير خلال أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين - وادعت"هيرست" دون حقيقة أو دليل، أن الكارثة نجمت عن طوربيد إسباني. وهكذا ادعت الصحف الأمريكية -المنخرطة في الصحافة الصفراء لزيادة عدد مبيعاتها- مسئولية الإسبان عن تدمير السفينة , وقد أصبحت عبارة «تذكر البارجة "مين !" فلتذهب إسبانيا إلى الجحيم (Remember the Maine! To  hell with Spain!) صيحة استنفار للحرب على الرغم من أن انفجار سفينة "مين " لم يكن سببًا مباشرًا للحرب، إلا أنه كان بمثابة المحفز الذى أسرع من وتيرة الأحداث بتلك الحرب بسبب اختلاق الأكاذيب دون مصادر موثوقة لتحقيق أهداف قليلة الأهمية بالنظر للمضار التى وقعت بين دولتين مثل أمريكا وإسبانيا .