كنوز| في الستينيات.. مكاتب لمكافحة مقالب الحموات

 مقالب الحموات
مقالب الحموات

 أحمد الجمَّال

 

من الموضوعات المهمة التى نشرتها «آخرساعة» عام 1969، ذلك التحقيق الذى تناول مكاتب توجيه الأسرة التى كان قد بدأ إنشاؤها فى أول الستينيات، وجرى إلقاء الضوء على دورها المهم فى حل الخلافات الزوجية وإبعاد شبح الطلاق بين الأزواج.. وقد نُشر التحقيق تحت عنوان فكاهى ظريف هو «مكاتب لمكافحة مقالب الحموات»، وفيما يلى نعيد نشره بتصرف محدود:

 

 

إذا استحكمت الخلافات بينك وبين زوجتك.. إذا أصبحت الأسرة مهددة بالانهيار.. إذا وجدت نفسك مخيرًا بين الحياة فى جحيم أسرة مزقها الشجار.. وبين الطلاق.. فاصبر قليلا.. وتوجه إلى هذه المكاتب.. فإن لها لمسة سحرية تبعد شبح الانفصال والطلاق وتمنع دمار الأسرة.. وهذه المكاتب اسمها مكاتب توجيه الأسرة.. وقد بدأت وزارة الشئون الاجتماعية فى إنشائها عام 1962 ..وهى تهدف أساسًا إلى تنقية جو الأسرة من كل ما يصيبه من مشكلات وخلافات.. ابتداء من المشاجرات الزوجية إلى مشاكل النفقة والحضانة.. وتربية الأطفال.

وقد بدأ هذا المشروع بخمسة مكاتب فقط فى القاهرة والإسكندرية والغربية والشرقية وأسيوط، لكنها تغطى الآن معظم الجمهورية، وكل أسرة استطاعت أن تحتفظ بكيانها ولا تنهار أمام أحد هذه الخلافات. وتبرز أهمية مكاتب توجيه الأسرة فى هذه الظروف لأنها تتيح للزوجين فرصة للتروى، وتقدم لهما الحل المناسب لمشاكلهما.. ويكفى أن تعرف أنها أعانت فى العام الماضى وحده أكثر من ألف أسرة على تخطى أزماتها ومواصلة الطريق بلا خلافات.

الزوج البخيل

وفى مكتب العتبة، وهو أحد المكاتب النشــــيطة فــــى محافظــــة القــــــاهرة، وجــــدت فى مكـــتب الســيدة (صنع النجار) مديرة المكتب، رجلا وزوجته كانت حياتهما مهددة بالانهيار رغم أن لهما ثلاثة أولاد، والزوجة تشكو من بخل زوجها الشديد، فهو مدرس ثانـــــوى يصـــل راتبه الشـــــهرى إلــــى خمسين جنيها، لكنه لا يخرج من جيبه قرشًا بسهولة.. وهو يقول: «أنا أحب أن أدخر نقودى.. لقد نشأت فى الحرمان.. وأريد أن يكون لى رصيد فى البنك.. إن كل مليم ندخره من نفقات المأكل والملبس سيزيد الرصيد».. والزوجة تقول: «إنه لا يترك لنا فى المنزل سوى قروش قليلة كل يوم.. ويطلب منا أن نفطر إفطارًا خفيفًا.. ثم أن نتناول وجبة واحدة فى الساعة السادسة مساء تقوم مقام الغداء والعشاء».

لقد ملت الزوجة هذه الحياة، فتركت منزل الزوجية إلى منزل والدها، ووجدها الرجل فرصة لمزيد من التوفير، فكان يعطى أبناءه قرشين فى الصباح للإفطار، ثم يعود للمنزل بعد الغروب ومعه أربعة أرغفة وقطعة جبن هى غذاء الأطفال الثلاثة.

وقرص الجوع والحرمان الابن الأكبر، فتوجه إلى السيدة صنع النجار وقص عليها كل ما حدث.. واستدعى المكتب المدرِّس وزوجته.. جلس أمامها كلٌ منهما يقول وجهة نظره.. وفى النهاية استطاعت أن تتفق مع الرجل بعد أن استدعت ناظر المدرسة ليؤثر عليه.. ووقّع على محضر صُلح مع زوجته على أن يعطيها خمسة عشرة جنيها شهريا لطعام الأسرة.

اقرأ ايضا: خبير اجتماعي تكشف أسباب «خناقات قبل العيد» بين الزوجين وطرق تفاديها

صحيح إن هذا النموذج من نماذج المشكلات العائلية نادر وقليل، إلا أن هناك نماذج أغرب.. مثل هذا المهندس بالسكة الحديد الذى كان يدير منزله بطريقة غريبة، فكان فى كل أسبوع يعلق فى صدر المنزل بيانا بالأعمال التى يجب أن يقوم بها كل فرد فى أى ساعة من ساعات الأسبوع.. فالزوجة عليها الاستيقاظ الساعة السادسة صباحا لتحضير الإفطار وفى الساعة الثامنة تنزل للسوق، وفى التاسعة تبدأ فى تنظيف المنزل، وفى الحادية عشرة تبدأ فى عمل الطعام وهكذا.. والأبناء لهم جدول للاستيقاظ والطعام والنوم والمذاكرة.. وبعد الساعة التاسعة ممنوع أن يكون أحد خارج سريره.. ولضمان ذلك يقوم بخلع كوبس النور.. ثم كانت هناك قائمة الممنوعات المستديمة.

ممنوع على الزوجة الاختلاط بالجارات.. ممنوع على الابن مصادقة أى زميل له.. أو الاشتراك فى أى نشـــــــاط فى مدرســـــته.. واســـــتطاع الطبيب النفســــى بالمكــتب أن يقنع الرجل بخطئه بعد عدة جلسات.. وعادت الحياة الطبيعية للأسرة.

ابن أمه

وتقول تقارير المكتب إن أكثر من 60% من الخلافات التى تنشب بين الزوجين تكون بسبب تدخل الأهل فى حياة الأسرة.. سواء كانوا أهل الزوج أو أهل الزوجة..

وضــــرب لنــــا مثـلا بأحد مديرى المصـــانع الكـــبرى.. أى أنـــه رجـــــل مجتهد فى عمله.. يستطيع أن يتخذ القرارات وينفذها، ولكنه كان فى بيته مثالا للرجل الذى لا يستطيع أن يتخذ قرارًا دون الرجوع إلى والدته، حتى أنه إذا دعا بعض الضيوف لزيارته يسأل والدته عما يقدمه لهم.. وكان يسألها عن الأصناف التى يجب أن تطهوها زوجته.. وهل يسافران أم لا.. وهل ينجبان أطفالا أم يتريثان.. وهكذا. وقد طلبت الزوجة الطلاق لأنها لا تستطيع أن تعيش مع مثل هذا الرجل، ووصلت القصة إلى مكتب العتبة وحاول المكتب إقناع الزوج.. وعشرات وعشرات من هذه الأمثلة تنتشر فى الأسر المصرية وتكون وراء معظم حالات الخلاف والانفصال التـــــى تحـــــدث.. وفــــى الشـــــهرين الأخيرين.. قام مكتب العتبة ببحث 89 حالة خلافات زوجية.. أمكنه أن يعيد السعادة إلى 74 حالة، بينما لم تستجب أطراف النزاع فى 15 حالة.

الخلافات فى الريف

وانتقلنا إلى قلب الريف بمركز ديرب نجم بمحافظة الشرقية، حيث يوجد أنشط مكتب فى الجمهورية كلها.. والغريب أن هذا المكتب لا تعمل به سوى إخصائية واحدة هى السيدة رجاء عبدالجليل، ولكن طول إقامتها فى البلدة، وقدرتها على اكتساب ثقة الجماهير فى القرى المحيطة بديرب نجم.. جعلت الإقبال على استشارة المكتب يأخذ صورة مذهلة وقبل أن يبدأ المكتب عمله فى المنطقة كانت نسبة الطلاق تزيد على 13%، أما الآن فقد انخفضت النسبة إلى 3% فقط.

وقد توصلت السيدة رجاء إلى اتفاق مع قضاة محكمة الأحوال الشخصية بأن يحولوا لها جميع قضايا المنازعات العائلية والمشاكل الزوجية قبل البت فيها.. وتقوم هى باستحضار الزوجين وتعمل على التوفيق بينهما.. فإذا تم الصلح - وهو يتم فى 83% من الحالات - تقوم بكتابة محضر يوقعه الأطراف يشمل شروط الصلح، وتقوم بتحويله للمحكمة فتُحفظ القضية قبل النظر فيها.

وبعد أن نجحت هذه التجربة فى ديرب نجم.. تدرس وزارة العدل الآن مشروع قانون يقضى بأن تحوِّل جميع محاكم الأحوال الشخصية قضاياها إلى هذه المكاتب قبل النظر فيها.

ويقول الأستاذ محمد القلش مدير مكاتب الزقازيق لتوجيه الأسرة إن أسباب الخلافات الزوجية فى الريف لا تختلف كثيرا عنها فى المدينة فإن لها طابعا مميزا..

فالسبب الرئيسى وراء الخلافات الزوجية فى الريف هو تدخل الأقارب فى حياة الزوجين.. وهى تأخذ صورة أشد وضوحا فى الريف أن طبيعة الإقامة تحتم تدخل الأهل.. حيث لابد أن يسكن الابن بعد زواجه فى دار والده.. وأن تذهب الابنة بعد زواجها إلى دار «حماها».. وبطبيعة الحال.. ونظرا لوجود الزوجين فى بيت الأسرة الكبيرة.. تكون حياتهما متصلة تماما مع الأقارب.. وتنشأ المشاكل فى كثير من الأحيان بسبب مقالب الحموات. 

وتأتى التقاليد وسوء الاختيار وعدم تفهم كلٍ من الزوجين لمسئولياته كأسباب ثانوية بعد ذلك فى معظم حالات الخلافات الزوجية فى الريف.. وتقول السيدة رجاء عبدالجليل: إن عدم وجود أى مورد اقتصادى للمرأة فى الريف هو واحد من الأسباب البارزة للقلاقل الزوجية هناك، فالمرأة هناك لا تعمل ولا يتوافر لديها أى ضمان للمستقبل فى حالة إذا ما طلقها الزوج، لذلك فهى خائفة دائمًا مليئة بالشك دائمًا.. تشعر أن حياتها ومستقبلها معلقان بكلمة على لسان الزوج أو أهله، وبعدها لا تجد لها أى سند فى الحياة.

لقد أثبتت هذه المكاتب أنها تستطيع أن تحمى أسرتك من الانهيار أمام أى عاصفة تقابلكما.. وما أكثر العواصف التى تمر بأى زوجين.. إن هذه المكاتب موجودة فى عدة أماكن، ويمكنك أن تلجأ إليها فى أى وقت لتحل لك مشاكلك، وهى تقوم بجميع خدماتها مجانًا.

(«آخرساعة» 12 مارس 1969)