خبير أثري يوضح أهمية مدينة «تنيس» عبر العصور

 بحيرة "تنيس"
بحيرة "تنيس"

قال الخبير الأثري والمتخصص في علم المصريات أحمد عامر، إن بحيرة " تنيس" تعد أكبر متحف مـائي لبقايا وأطلال المدن والقرى التي بادت تحت سطحها، ويبدو أن كل جزيرة من جزرها كانت تحمل حلة أو عمرانا ما في الماضي وقت كانت أرض البحيرة كلها حقلاً منزرعاً كثيفاً، ونجد أن الدراسات الأكاديمية لا تدع مجالاً للشك في حدوث هذا الغرق علمياً والأدلة المادية والوثائقية وفيرة مثلما هي يقينية.

أقرأ أيضا :خبير أثري يستعرض تفاصيل افتتاح متحف أيمحتب بعد تطويره

وأشار "عامر" إلى أن "تنيس" كانت أكبر الجزر في العصر الإسلامي، حيث تقع في أقصى الشمال الشرقى من بحيرة المنزلة والجنوب الغربي من بورسعيد، وعلى بعد حوالي ثمانية كيلو مترات، لم تكن محافظة بورسعيد، حديثة العهد منذ إنشاء قناة السويس، ولكنها قديمة وتتعدد بها القيم الأثرية، ففيها إحدى محطات مرور العائلة المقدسة، وفيها جزيرة "تنيس" الأثرية التى خرجت منها كسوة الكعبة الشريفة وقتما كانت إحدى المدن التجارية والصناعية بعد الفتح الإسلامى، ولكنها باتت قيمة أثرية مهجورة.

منطقة بحيرة المنزلة

وتابع "عامر" إن منطقة بحيرة المنزلة أرضاً زراعية خصبة موفورة العطاء انخفضت أراضيها نتيجة الزلزال الذى حدث في أواخر القرن السادس الميلادي، فطغى ماء البحر واقتحم الكثبان الرملية التى كانت تفصل بين البحر وتلك الأراضى الزراعية، وأخذت المياه تغطيها عاما بعد عام حتى غمرت المنطقة ماعدا تنيس الشهيرة، وكانت عظيمة المباني متسعة الأرجاء عامرة بالتجار والرزق، وكان فيها النخيل والكروم والشجر والمزارع، وكان بها الصهاريج وهى عبارة عن مجارى مرتفعة عن الأرض ينحدر منها الماء ليصب فى البحر من جميع خلجانه المعروف الآن بالأشتوم، وسميت بتنيس نسبة إلى تنيس ابن حام ابن نوح.

واستطرد الخبير الأثري أن منطقة جزيرة تنيس تقع داخل محمية أشتوم الجميل، والتي تأخذ مساحة كبيرة داخل بحيرة المنزلة، وتعتبر بحيرة المنزلة ذات أكبر مساحة بين بحيرات الدلتا وتتميز بنُظُمها البيئية المتنوعة. 

بدأ تاريخ الجزيرة بنزوح بعض سكان مدينة "صان الحجر" الأثرية إليها، والتى كان يطلق عليها "تانى" باليونانية القديمة، وهذا هو سبب تسمية جزيرة تنيس بهذا الأسم، كما أن لجزيرة تنيس أهمية تاريخية خاصة، حيث يقع بها تل تنيس الأثري الذى يصل إرتفاعه إلى ٤.٥ متر عن سطح البحيرة، وكانت مدينة تنيس واحدة من أجمل مدن مصر منذ الفتح الإسلامي لمصر حتى العصر الأيوبي، وكانت المدينة تعج بالحركة التجارية والصناعية، وكان يصنع بها كسوة الكعبة، إلا أن المدينة تعرضت لكثير من هجمات الغزاة الشرسة، فأمر الملك محمد ابن العادل بن أيوب بهدم المدينة وتهجير أهلها عام ١٢٤٦ وتحكى أطلال المدينة قصتها التاريخية. 

وأكمل عامر"  في عام ١٩٧٩م حين أرسلت هيئة الآثار المصرية بعثة للحفائر برئاسة عباس الشناوى ثم توقف العمل مرة آخرى إلى أن جاء عام ١٩٩٠م وإستمر العمل في الحفائر ثمانية مواسم متتالية حتى موسم ١٩٩٨م، وتوقف العمل ثم استكمل عام ٢٠٠٣م، برئاسة طارق إبراهيم الحسيني وتوقف ثم استكمل ٢٠٠٩ وحتي عام ٢٠١٠م، وكانا آخر موسمين لحفائر التل عام ٢٠١٩م، كما تم تدوين كل هذه الآثار من خلال كتاب الخبر النفيس في تاريخ وآثار جزيزة تنيس طبع بالمجلس الأعلى للآثار عام ٢٠١٤م تأليف طارق إبراهيم الحسيني، ونجد أنه من خلال أعمال الحفائر عن آثار هذه المدينة التى تمثلت فى العديد من أساسات المبانى، ومجارى المياه، وصهاريج حفظ المياه، وخلجان الدفاعات عن المدينة، إلى جانب بقايا تحلل الطوب الأحمر الذى كانت تبنى منه جميع المبانى فى ذلك الوقت، وتتخذ الطيور من الجزيرة سكنا مريحا بعد أن غاب أهلها من البشر.

ولفت "عامر" يعتبر أهم ما عثر عليه من أساس الجدران مجموعة كبيرة منها تمثل بيت الجروي، أما عن المنشآت الصناعية فقد تم العثور على بقايا منشأة ربما كانت تمثل بقايا فرن لصناعة الزجاج "مسبك" يتكون من مبنى مستطيل ناقص ضلع، وخارجه عثر على كتلة مستديرة تمثل المستوقد وموازى لها ويفصل بينها وبين الجدار الغربى للفرن، بالإضافة إلى العثور على خبس الزجاج أو الخميص الناتج عن صهر الرمال أثناء عملية الصناعة وأشكال متنوعة وملونة من قطع الزجاج وكتلة صغيرة من الزجاج الخام قبل التشكيل، كما وجد أيضا بعض الأفران الخاصة بصناعة الفخار وضهر المعادن، وبعضها الملحقة بالدور أو المنازل وبعض قاعات النسيج، فضلاً عن بعض المنشآت الدفاعية وبعض التحصينات كأحد الأبراج ورسوم السور الخاص بالمدينة، وتم الكشف أيضا عن بعض أحجار طواحين الغلال، ولعل من أهم المبانى الأثرية على جزيرة تنيس إكتشاف آثاراً لرسوم المسجد الجامع والذى لم يتم التوصل إلى تاريخ محدد لوقت إنشاؤه حيث يظهر مواجهات جهة الجنوب الشرقى، كما يبدو أنه كان ذو صحن أوسط مكشوف محاط بأروقة ذات عقود على جوانبه الأربعة. 

المسجد الجامع

وقال "عامر" إن بعض كتب التاريخ ذكرت المسجد الجامع كان طوله من جهة القبلة إلى جهة البحر ١١٢ ذراعاً وعرضها ٢٩ ذراعاً، وكان يوقد فى شهر رمضان ٣١٠٠ مصباح و٢٥٠ شمعة، وكان يوقد فى كل ليلة فيه ٢٨٠٠ مصباح، معنى ذلك أن الشكل العام للمسجد عند انشائه كان يأخذ مساحة مستطيلة وبعد الزيادة بلغت مساحته الكلية ٧٦ متر فى ٣٨ متر، كما أسفرت نتائج المسح الأثرى عن رسوم الكنيسة كبيرة على الطراز البازيليكى الذى كان منتشرا فى خلال القرن الخامس والسادس ممتدة أفقياً، وبها مدخل يفضى إلى دهليز يفضى إلى صحن مقسم إلى٣ أجنحة أوسعها أوسطها، وهناك رسوم لأحد فنادق أو وكالات المدينة، بنيت للتجار كانت عبارة عن مجموعة من الحوانيت فى الدور الأرضى تمثل المخازن وتطل على فناء داخلى فسيح يسمح بتعبئة البضائع وتفريغها تعلوها وحدات سكنية تؤجر لمن يرغب فى السكن، كما تم الكشف حتى الآن عن ٢١ من الصهاريج المستخدمة فى حفظ وتخزين المياه العذبة بجزيرة تنيس، فضلاً عن شبكة طويلة من القنوات تمتد بطول ١٧٠ متر تقريبا تنقل وتوصل المياه فيما بين المصانع الصهاريج ووحدات تنقية الماء وأحواض لترسيب الماء، بالإضافة لبعض الآبار المتصلة بها، وتعد المرحلة التاريخية الأولى والأقدم لتشييد الصهاريج فى نهاية القرن الثانى وبداية الثالث الهجرى الثامن والتاسع الميلادى معظمها مرتبطة بشبكة القنوات التى تربط بينها، وتتركز فى منطقة الحفائر الرئيسية وسط المدينة، وتتسم بأن جدرانها مغطاة يمونة وردية اللون وقد تمت بها إصلاحات وتدعيمات، أما المجموعة الثانية شيدت فى القرن الرابع والخامس الهجرى، وتتميز بأنه تم بناؤها على ارتفاع أعلى وتم كسوة جدرانها الداخلية يمونة رمادية تحتوى على رماد الفرن وتوجد فى وسط المدينة وعند طرف القناة الجنوبية الغربية.