منذ اندلاع الأحداث الأخيرة بالسودان أعلنت مصر بوضوح رفضها أى محاولات للتدخل الخارجى والذى قد يسهم فى تفاقم الموقف وزيادة خطورته.
حدث ذلك رغم أن لمصر مكانة خاصة بحكم الجغرافيا وعلاقة القربى مع الشعب السودانى الشقيق وذلك إيمانا بأن ما يحدث بالسودان شأن داخلى بحت..
الموقف المصرى جاء انسجاما مع توجهات السياسة الخارجية والتى شهدت تحولا دقيقا منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى وهو عدم تورط مصر فى أى أحداث داخلية فى أى بقعة بالعالم طالما كانت لا تمثل تدخلا أو مساسا بالأمن القومى لمصر دون أن يعنى ذلك تفريطا فى أى حقوق عادلة لأى طرف من الأطراف.
لكن مبدأ التدخل يأخذ صورا أخرى تدعمها الشرعية والقانون الدولى ومبادئ الأمم المتحدة والتى ترسخ كلها قيمة وأهمية الحوار والمفاوضات المباشرة كأسلوب لحل النزاعات.
لقد انتهت حقبة الناصرية التى انساقت وراء شعارات رنانة وجوفاء والتى كانت سببا فى تورط مصر فى حروب ونزاعات كانت سببا أساسيا فى الحد من قدرات الاقتصاد المصرى وتحقيق الرخاء للشعب الذى دفع وحده ثمن تورط حكامه فى حروب لا ناقة فيها ولا جمل كان أفدحها دماء مئات الآلاف من الشهداء.. حرب اليمن وحرب ٦٧ أمثلة واضحة لفداحة التدخل فى الشأن الخارجى- قدمت مصر الكثير والكثير لحركات التحرر الوطنى من الاستعمار غير أن هذا الدعم اقتصر على تقديم المساعدات والعون دون أن يمتد إلى ارسال القوات أو غيرها من الدعم العسكرى المباشر.
لقد شهدت المنطقة مؤخرا الكثير من الأحداث وصلت ذروتها إلى ما سمى زورا وبهتانا بالربيع العربى والذى امتد ليشمل العديد من البلدان العربية بما فيها مصر غير أن وحدة واصطفاف الشعب مع قواته المسلحة بقيادة الرئيس السيسى كان عنصر الحسم فى اجتياز مصر لمؤامرة الشر التى صدرها الغرب متخفيا بشعارات براقة للتغيير والديمقراطية.
وطوال ما يقرب من 10 سنوات أرست مصر مبدأ عدم التورط فى أى شأن خارجى يخص غيرها من الدول. بالطبع لم يعن ذلك تخلى مصر عن دعم الحقوق والشرعية فى غيرها من الدول ولكن فى اطار من الشرعية الدولية ودون تدخل أو توريط قد ندفع ثمنه غاليا. حدث ذلك فى العراق وسوريا واليمن وتونس وليبيا ومؤخرا بالسودان.