بدون روتوش

فيصل مصطفى يكتب: أسلحة الفَتكْ الحديثة

فيصل مصطفى
فيصل مصطفى

أعلنت كوريا الشمالية مؤخرا عن تطور هائل وخطير فى مجال الأسلحة والقدرات البحرية العسكرية ، حيث كشفت عن توصلها إلى تصنيع واستخدام وتجربة أول غواصة مسيرة صغيرة الحجم ، يصل حجمها ووزنها إلى حجم ووزن السمكة المتوسطة ، وتعمل بشكل إلكترونى كامل وبدون وجود أى عنصر بشرى ، وهى قادرة على حمل وتوجيه الرؤوس النووية المدمرة ، وهو تطور هائل يُدخل سلاح البحرية إلى مجال جديد تماما وغير مسبوق ، ويُكشف عن أنواع جديدة وحديثة من الحرب النووية والمدمرة بأقل التكلفة ، وبأقل عدد من البشر الذين يتعاملون مع هذه التقنية الحديثة جدا.

وإذا كانت العقول العسكرية ، قد توصلت منذ سنوات إلى الطائرات المسيرة ، والتى من خلالها تساوت الدول عسكريا من حيث القوة ، ولم يعد هناك فارق يذكر بين الدول الكبرى والصغرى من ناحية القدرة العسكرية والتدميرية .. فإن البشرية تخطو خطوة جديدة وجريئة فى مجال تطوير القدرات التسليحية بالدخول إلى عصر الغواصة المسيرة ، وهو الأمر الذى قد يعيد النظر مستقبلا فى الأعداد الضخمة من البحارة ، مثلما قد يعاد النظر أيضا مستقبلا فى الأعداد الضخمة من الطيارين وإلى فترة كبيرة نسبيا ، ويعاد النظر أيضاً إلى أهمية القوات البرية التى تقاتل على الأرض ، وتقتحم المواقع بعد أن تكون الطائرات المسيرة ، قد مهدت لها الأرض بالكامل ، وأصبح دخول القوات البرية مجرد مهمة لإحكام السيطرة والقيادة.

وإذا كانت كوريا الشمالية ، قد توصلت إلى هذا الإختراع الخطير والمثير قطعا بالتعاون مع التكنولوجيا الصينية ، وربما بمشاركة أيضا من التكنولوجيا الإيرانية ، والتى تفوقت فى مجال الطائرات المسيرة ، لدرجة أنها سدت ثغرة هامة  ولبت احتياج ضرورى للقوات الجوية الروسية ، وهى تخوض غمار الحرب الأوكرانية. 

وإذا كان الأمر كذلك ، فإننا لا نستبعد فى المستقبل القريب أن نرى الدبابة المسيرة والمدرعة المسيرة وغيرها من أسلحة الفتك الحديثة ، لتدخل البشرية مجالا جديدا ومثيرا من التقدم العسكرى ومن التطوير النوعى للقدرات العسكرية والهجومية والتدميرية للجيوش المختلفة.

وهى إذا كانت لديها جانب سلبى متمثل فى القدرة التدميرية الهائلة خاصة حملها لرؤوس نووية ، فإن لديها جانب إيجابى ، متمثل فى تقليل أعداد الجنود الذين يقاتلون ، والحد من الخسائر البشرية وتقليل التكلفة المالية الباهظة ، التى تُنفق على إعداد الجندى والضابط الواحد ، وهو ما قد يؤدى إلى إنخفاض فى ميزانية الحروب والجيوش والدفاع.

وهذا الإعلان الكورى ، والذى بالتأكيد يُدرس الآن ، ويُحلل فى كافة المعاهد والأكاديميات العسكرية ، فإنه يعنى أن كوريا الشمالية ، وعكس كل مايتردد عنها فى وسائل الإعلام الغربية ، قد وصلت إلى درجة من التقدم العلمى والصناعى قطعا وحتما ، وسوف ينعكس إيجابا على التقدم العلمى والصناعى فى المجالات المدنية والتنموية ، لأن الآلة التى تُصنع السلاح ، يُمكنها وبسهولة أن تُستخدم فى تصنيع أى جهاز أو آداة من أجهزة وأدوات الحياة المدنية المرفهة.. والغواصة المسيرة هذه ، لاشك أنها تُشكل تهديدا خطيرا للأمن القومى الأمريكى وبالذات الولايات الأمريكية الواقعة على ساحل المحيط الهادى.

اقرأ ايضا.. فيصل مصطفى يكتب.. أسبوع الأعياد

وهذا الأمر يعنى أيضا ، أن هذه التكنولوجيا المتقدمة سوف تنتقل إلى الدول الأخرى ، مع الوضع فى الإعتبار أن الدول لا تعلن عن أحدث ما توصلت إليها ترسانتها العسكرية ، أو أحدث ما توصلت إليها مصانعها وعقول علمائها ، وإنما عادة تعلن عما وصلت إليه من 5 سنوات مثلا ، وتُبقى دائما على السلاح الأحدث لديها ، والذى عادة ما يُحاط بالسرية الكاملة ، ولايُعلن عنه إلا عندما يتم التوصل إلى ما هو أحدث منه.

وهكذا تدخل البشرية مرحلة جديدة ومخيفة من سباق التسلح والتصعيد العسكرى فى مناطق عديدة وبؤر توتر فى أكثر من منطقة ملتهبة فى العالم سواء فى شبه الجزيرة الكورية ، أو فى الحرب الروسية الأوكرانية ، والتى تخيم بظلالها المخيفة على أوروبا المهددة بدمار شامل ، أو فى الشرق الأوسط الملتهب ، مع الإزدياد الجنونى لعمليات القمع الوحشية ، التى ترتكبها إسرائيل فى الأرض المحتلة ضد المدنيين العزل ، وبما يؤدى إلى تفاقم الأوضاع وابتعاد فرص السلام.

كل هذه الأمور مرتبطة أيضا بالحرب السيبرانية (الإلكترونية) ، التى تدور رحاها الآن فى العالم الخفى بين القوى الكبرى ، وتشهد نشاطا هائلا من حيث التدمير والتشويش والتعطيل المتبادل فى مجالات الحرب الإلكترونية والاتصالات وعالم الكمبيوتر والحواسب ، وهو ما قد يجعل القرن ال21 مسرحا لحروب من نوع جديد غير مسبوقة فى تاريخ البشرية ، تسبب الكثير من الضحايا والخسائر والتخريب الإقتصادى بأقل عدد من البشر المشاركين فى هذه الحروب والمواجهات الرهيبة.
[email protected]