رئيس جامعة الأزهر: «التقوى» أعظم ثمرة للصيام وكل العبادات

د. سلامة داود
د. سلامة داود

يؤكد د. سلامة داود رئيس جامعة الأزهر أن العبرة بالشعائر والعبادات أنها ترقق القلب وتربى الضمير وتحييه وتحيى النفس الإنسانية وتحرك الشعور الإنسانى وتجعل عند الإنسان وازعًا دينيًّا وهو ما يتحدث عنه موضحًا الهدف الصيام».

يقول د. سلامة داود، : إنَّنا نعيش فى هذه الأجواء الرمضانية مع كلام ربنا ‏ومع شىء من لطائف الذكر الحكيم فى آيات الصيام، والقرآن لا تنقضى عجائبه ولا ينفد على كثرة الرد ولا يشبع منه العلماء ‏كما قال نبينا.

اقرأ ايضاً| د.عبد الفتاح العوارى: الصيام من مظاهر اجتماع الأمة ووحدتها

وقال سهل بن عبد الله: «لو أعطى العبد بكل حرف من القرآن ألف فهم لم يبلغ نهاية ما أودع الله فى آية من كتابه»، يعنى فهم من الكلمة الواحدة أو من ‏الجملة الواحدة ألف معنى واستنبط ألف حكم ما استطاع أن يصل إلى نهاية ما أودعه الله فى آية من كتابه، ذلك لأنه كلام الله، وكلامه صفته، وكما أنه لا نهاية لصفاته فلا نهاية لفهم كلامه.

ويضيف أنه إذا استفتحنا آيات الصيام هى وقفات قليلة، نجد أن الله عز ‏وجل قال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»، ولو فتحنا المصحف وبدأنا بأول سورة البقرة سنجد أركانًا ثلاثة ذكرها الله وبنى عليها هذا الدين وهى شهادة ألا إله إلا الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة: «الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ»، ثم تنتقل فتجد ذكر الصيام فى قوله: ‏«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ»، ثم فى الربع الذى بعده: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ»، فهذه أركان الإسلام وهذا منبعها فى كتاب الله.

يوضح أن ثمرة الصيام هى التقوى، وقد جاء ذلك فى أول وآخر آية نزلت فى الصيام، فأول آية: ‏«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ ‏تَتَّقُونَ»‏، وآخر آية فى الصيام: ‏«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ ‏تَتَّقُونَ».

وختمت هذه الآية بقول الله: «كَذَِلكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ»، فالتقوى هى ثمرة هذا الشهر، فمن خرج منه بالتقوى فقد خرج بالخير كله، والتقوى هى ثمرة الصيام والصلاة والحج وثمرة كل العبادات وكتاب الله يشهد بذلك.

ويؤكد أن العبرة من الشعائر والعبادات أنها ترقق القلب وتربى الضمير وتحييه وتحيى النفس الإنسانية وتحرك الشعور الإنسانى وتجعل عند الإنسان وازعًا دينيًّا، يقف عند الحلال وعند الحرام ويتحرى ويعيش حياته ليؤدى رسالة، محذرًا من أداء العبادات دون الاستفادة منها كما قال النبى  مثلا فى هذا الأمر فى أمر الصيام: «رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ والعَطش»، فالعبرة بالشيء الذى يمكث فى قلب العبد ويبقى فى النفس ويربيها ويهذبها لتعيش حياة جديدة مع الناس ومع نفسها ومع الله عز وجل.

ويبيَّن أن شهر رمضان جاء عنه فى القرآن: «أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ»، وهناك بعض الآيات فى القرآن فيها: «أَيَّامًا مَعْدُودَةً»، وكلاهما متبع فى كلام العرب فى وصف غير العاقل دائمًا، تقول: «جبال راسية» و«جبال راسيات»، ولكن قالوا إن بينهما فرقًا، وإن جمع المؤنث السالم فى «معدودات» و«راسيات» رمز على القلة، أى أن معدودات أقل من معدودة، إذن شهر رمضان: ‏«أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ»‏، أى قليلة، فيجب على العبد أن يغتنم هذه الأيام المعدودات ولا يضيع لحظة منها.

ويوضح أن الله قبل أن يتكلم عمن يطيق تكلم عمن لا يطيق الصوم وقال: «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»، ثم بعدها قال: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»، فذكر من يشهد الشهر ويصومه مرة واحدة وذكر أصحاب الأعذار مرتين، وهكذا الإسلام دائمًا مع الضعيف.

,من ناحية أخرى يحذر داود من مخاطر وسائل التواصل الاجتماعى موضحا أن العالم فى الأعوام القليلة الماضية شهد طفرةً هائلةً فى تطوير وسائل التواصل الاجتماعي، وكان الأصل فى هذه الوسائل أن تعين على التواصل بين أفراد الأسرة وأفراد المجتمع.

ولكن آل أمرها إلى أن تكون وسائل للتقاطع الاجتماعي، فأصابت الأفراد بالعزلة والانطوائية، وأصابت الأسرة ببعد أفرادها عن بعض، وأصابت المجتمع بآفات خطيرة، وكان تعامل السواد الأعظم من المجتمع معها شبيهًا بالإدمان، حتى قامت بعض المنظمات المعنية بالتحذير من خطر الإدمان الإلكتروني؛ لأنه لا يقل خطرًا عن إدمان المخدرات، فضلًا عن تدمير الجيل الناشئ بالألعاب الإلكترونية وأخواتها، وضياع الأعمار فيما لا يفيد.

ويضيف أن تدميرَ هذه الوسائل للوقت وتضييعها للأعمار لم يقتصر على النشء الصغير فقط، بل ضيعت كثيرًا من أوقات الكبار وفرضت بينهم وبين قراءة الكتب التى هى مستودع العلوم حجابًا مستورًا، وباتت الكتب المطبوعة تشكو بُعْدَ القراء وجفاءهم، منبهًا إلى عدد من الموبقات التى أهلكت الناس فى وسائل التواصل الاجتماعى التى يأتى أغلبها مما تغص به من نشر للشائعات وإشاعة الفواحش والإباحية فى المجتمع، وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» «النور: 19».

ويشير إلى أن تيسير الدخول على هذه المواقع التى تنشر الفاحشة، إنما هو فتنة وابتلاء؛ ليعلم الله من يخافه بالغيب، وإن أكبر ما تجره وسائل التواصل الاجتماعى من أضرار هو نشر الأخلاق الذميمة؛ مؤكدا أن صلاح الإنسان مرهون بحُسْنِ خُلُقِه، وصلاحُ الأمم مرهون بصلاح الإنسان؛ فإذا صَلَحَ الإنسانُ أَصْلَحَ كُلَّ شيء، وإذا فسد الإنسانُ أفسد كل شيء، فكل عمل يهذب سلوك الإنسان ويُقَوِّمُ نَفْسَه ويصلح رُوْحَه وجسمه يصب فى النهاية فى خدمة المجتمع الذى يعيش فيه وفى خدمة الأمة وخدمة الإنسانية.

ويؤكد أنه وسط هذه الأضرار والاستغلال السيئ لوسائل التواصل الاجتماعى تظهر بعض الأقمار المضيئة من الإيجابيات التى تنتشر فى هذه الوسائل لتخدم الدين والعلم وتصحح الأفكار المغلوطة؛ لهذا ينبغى استغلال هذه الوسائل فى الجانب الايجابى منها وهو إظهار الجوانب المشرقة المتفقة مع تعاليم الإسلام، والملائمة لقيمه وأخلاقه، وإبراز تأثيراتها الإيجابية والسلبية على الفرد والأسرة والمجتمع، وطرح الحلول المناسبة لمشكلاتها، والإفادة منها فى خدمة التراث الإسلامي، وكيفية تسخيرها فى المحافظة على الثوابت الدينية والقيم المجتمعية.