دراسة أكاديمية عن «الموشح الديني في العصر المملوكي»

الباحث مع لجنة الإشراف والحكم بعد المناقشة
الباحث مع لجنة الإشراف والحكم بعد المناقشة

ظلت نشأة الموشح وأصوله مثار جدل بين الأدباء منذ أمد بعيد، ما بين القول بشرقيتها العربية، أو القول بأندلسيتها، أو بكونها أعجمية النشأة.. اشكالية بحثية فرضت نفسها على أهل الدرس العلمى، فتناولها الباحث محمد عادل توفيق فى دراسة بعنوان «الموشح الدينى فى المشرق.. العصر المملوكى أنموذجاً» فى الفترة (648- 923 ه/ 1250- 1517م)، حصل عنها الباحث على درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى، بإشراف الدكتور أيمن ميدان.

 وأوضح الباحث فى عرض رسالته، أنه اذا كانت الأندلس تمثل جزءا من العالم الإسلامى، وشكلت حضارة لا يستطيع أحد أن ينكرها إلى يومنا هذا، فإن الأمر  يقتضى  دراسة ذلك الفن الأندلسى فى أدب المشارقة الذين تأثروا به إلى حد كبير، فاستوعبوه وطوروا فيه.

وأضافوا إليه ما أضفى عليه روح وطابع المشرق العربى، الذى انتقل إليه الموشح الفاطمى مرورا بعصر الأيوبيين، حتى بلغ نضجه  فى عصر المماليك الذى ماج بالصراعات بين كثير من الملوك والأمراء، وكثرت خلاله الحروب، دفاعا عن العروبة والإسلام، والتى كان لها بعض الأثر فى توجهات كثير من الشعراء إلى ذلك الفن خاصة فى الغرض الدينى، مما أضفى عليه طفرة حضارية جعلته يعرف بعصر الموسوعات.

اقرأ أيضاً| الخطاب السكاني في بيت السناري

وأشار إلي أن ندرة الدراسات فى هذا الأدب - رغم ثرائه الفنى والإبداعى - دفعته لأن يكون محل بحثه، فضلا عن عدم تناول الموشح الدينى- بعينه- فى هذا العصر بالدراسة، ورغم تطوره من حيث الشكل والمضمون والبناء الفنى.

 وقد اعتمد الباحث فى دراسته على المنهج الوصفى التحليلى، الذى يستند الى  وصف الظاهرة وتحليلها، وجاءت الدراسة فى بابين، تناول الباحث فى الأول منهما أغراض الموشح الدينى، وضمنه ثلاثة فصول عن المديح النبوى، الزهد، التصوف.

 فى الفصل الأول تناول المديح النبوى، وفيه قال الباحث إن الوشاحين تناولوا عددا من الصفات التى اختص الله بها سيدنا رسول الله وحباه دون غيره بصفات فاقت كل أوصاف الرسل والأنبياء، كما تناول غرض المديح الحديث عن بعض معجزات سيدنا محمد:

سيداً وافَى رحيما  شأنه شأن عظيم

إن يكن موسى كليما  فهو خل  ٌٌمن قديم

وخلص الباحث إلى أن موشح المديح النبوى اتفق مع ما سبقه من مقدمات القصيدة العربية القديمة من حيث البدء بوصف الرحلة، إلا أنه اختلف عنها فى تناول تلك المقدمة. حيث لم يقبل الوشاح على وصف مشاق الرحلة وما تعرض له من أهوال.

وكان الزهد هو محور الفصل الثانى، وتعد التوبة والندم على الذنوب من أبواب الزهد التى يطرقها العبد قاصدا بها مولاه، مقبلا عليه نادما على ما صدر منه  يقول ابن الملحى الواعظ

«أين عمرى، وعلى عمره وآه»   خلَّف الحسرات يعتمد الوشاح هنا على دعوة الناس للعبادة من خلال بيان حسرته وندمه وآلامه على عمر فات لم يتنبه فيه إلى النهاية.

 وخلص الباحث إلى أن الوشاحين استطاعوا دعوة الناس إلى الله والتنبيه إلي اليوم الآخر بدلا من الانغماس فى الدنيا وملذاتها.

 وجاء الفصل الثالث والأخير فى هذا الباب وكان بعنوان «التصوف» والتصوف من الظواهر التى تميز العصر المملوكى- كما ذكر الباحث فى دراسته- لافتا إلى انتشار التصوف وكثرة العلماء، وازدهار العلوم الدينية، والدنيوية، إذ يعج هذا العصر بكبار رجال الصوفية ومجالس الذكر.

 ويرى الباحث أن الصوفية قد اتخذوا عدة مقامات وأحوال مروا بها فى تجاربهم العرفانية منها: حال المحبة، من ذلك قول عائشة الباعونية: تركت فيك اختيارى فصار رضاى أطلقتنى من قيودى  فصرت طير فضاكا ، فنراها تناجى ربها وقد تملكت محبته حواسها، فأحست بجمال محبته.

 وقد تناول الوشاحون الحديث عن الصوفية، ومراتبهم، ومقاماتهم وأحوالهم، ورمزوا لتجاربهم بعدد من الرموز التى أحسنوا توظيفها فى تقريب فكرهم وما مروا به إلى غيرهم من العوام.

 وقد خص الباحث الباب الثانى والأخير من الدراسة للحديث عن الدراسة الفنية وقد اشتمل على ثلاثة فصول تناول فيها بالترتيب، اللغة، الصورة، الموسيقى وعن لغة الموشحات أوضحت الدراسة بأن ثمة بعض الظواهر اللغوية التى ضمها الموشح الدينى إبان ذلك العصر ومن هذه الظواهر: تداخل مستويات الألفاظ، التراكيب.

 ولفت الباحث إلى وجود بعض الظواهر اللغوية التى شكلت ألفاظ الموشح الدينى فى ذلك العصر، وأن الألفاظ فى هذا الموشح غلب عليها السهولة والوضوح، كما أنها تنوعت بين الفصيح والعامى، كما أن  لغة الموشح غلب عليها الإغراق فى بحار الصوفية، والميل إلى استعمال الرمز وسيلة للتعبير عن تجارب وأفكار الوشاح.

 وعن الصورة فى الموشحات أشار الباحث إلى تنوع مصادر الصورة الفنية - لدى الوشاحين، ما بين ما تعكسه ثقافات الوشاح وتأثيره ببيئته المجتمعية، وبين تأثره بالصورة الذاتية القديمة.

 وفى الفصل الخاص بالموسيقى أوضح الباحث أن موسيقى الموشح الدينى تنوعت بنوعيها: الخارجية، والداخلية بين كل من : التزام وتجديد كما فى قول الواسطى يصف حاله:

 قلبى بكم يا أولي المعانى عانى ومن معى طليق

صبرى لبعد الذى جفانى  فانى وفى الحشا حريق

ما آن للدهر أن يرانى رانى لذلك الغريق

 ولفتت الدراسة إلى أن الموشح الدينى تضافرت فيه: الموسيقى الداخلية بشقيها الظاهرة متمثلة فى كل من : الجناس التصريع، الترصيع، حسن التقسيم، التكرار، لزوم ما لا يلزم، إضافة إلى الموسيقى الداخلية الخفية المتمثلة فى حسن اختيار الألفاظ وملاءمتها للجو النفسى للوشاح لاخراج الموشح بصورة فنية يتجلى من خلالها عنصر الإبداع، مما زاد الموشح بهاءً ورونقا إلى جانب كونه وضع من أجل الغناء.

 وبعد أن ناقش الباحث الموشحات الدينية فى العصر المملوكى: أهم مضامينها وبناؤها الفنى، توصل لعدة نتائج منها، اهتمام كثير من الوشاحين فى العصر المملوكى بالأغراض الدينية، وتأثر كثير  من الوشاحين فى مطالع موشحاتهم بمطالع قصائد الشعراء القدامى، وإن اختلفت بنية الموشح وشكله عن طبيعة القصيدة العربية القديمة.

وبين أن الموشح الصوفى كان من أكثر الأغراض والموضوعات التى تناولها الوشاحون، بحكم انتشار التصوف فى العصر المملوكى وظهور عدد من كبار العلماء والصوفيين.

 وقد توصل الباحث إلى أن لغة الموشح الدينى اتسمت بعدة سمات وخصائص جعلته أكثر تميزاً عن غيره، ومن هذه السمات: تداخل مستويات اللغة من حيث السهولة والوضوح، مجيء بعضها فصيحا أو عاميا، أو يجمع الوشاح بينهما داخل الموشح الواحد.

 كما لعبت التراكيب - حسب قول الباحث- دورا رئيسيا فى الموشح الدينى كاستخدام: التقديم والتأخير، والذكر والحذف، وجاء فى نتائج الدراسة، أن الصورة فى الموشح الدينى امتازت باعتمادها مصادر بيئية، وتراثية تستقى منها مادتها الفنية، إلى جانب الجمع بين كل من: الصور الحسية، والصور البيانية فى رسم وتشكيل الصورة الفنية، وإضفاء نوع من الشمولية عليها.

 وعن الموسيقى أكدت الدراسة أن موسيقى الموشح الدينى امتازت بالجمع بين كل من: الأصالة، والتجديد من خلال استخدام الأوزان العربية القديمة، أو من خلال زيادة أو حذف بعض الحركات والتفعيلات،  إضافة إلى استخدام  بعض الأوزان المستحدثة، أو من خلال الخروج عن الأوزان  والاعتماد على التفعيلات التى ترتبط بطبيعة الغناء والأداء.

 وأوضح الباحث أن العصر المملوكى يعد العصر الذهبى للموشح الدينى فى المشرق، حيث انتقل الموشح من الأندلس إلى المشرق فى العصر الفاطمى، وبدأ التقعيد له ووضع بعض الأسس والضوابط فى العصر الأيوبى على يد ابن سناء، وبلغ ذروة النضج والتطور خلال العصر المملوكى.

 واختتم الباحث عرض رسالته بقوله: من خلال دراستى الموشح الدينى فى العصر المملوكى، أوصى بضرورة دراسة فن الموشحات فى بلاد المشرق، حيث انه لم ينل حظه وقدره المناسب من الدراسات والبحوث، خاصة أنه فن أندلسى الأصل، كان له من الشهرة والذيوع ما يمثل ثروة حقيقية، بل ونادرة فى مجال علومنا العربية على تنوعها، كما أننا فى حاجة حقيقية إلى تحقيق بعض المخطوطات، واعادة التدقيق فى بعض الدواوين المحققة.

واقترح الباحث: تناول الموشح فى بلاد الشرق بالدرسات المستفيضة حيث أن الموشح الشرقى لم ينل حظه الكافى من الدراسات كالموشح الأندلسى. مشيرا إلى تناول بعض الدراسات للتناص بين الموشح الشرقى والموشح الأندلسى، دراسة أوزان وقوافى الموشح المشرقى.

ومن حيث التزامها بالأوزان التقليدية الموروثة، ومدى التجديد فيها، ودلالات أحرف الروى، وعلاقتها بمضمون الموشح وحالة الوشاح، التى يمكن الكشف عنها من خلال النص، وكذا من خلال الرجوع لتراجمه.

ضرورة أن تتناول الدراسات تأثير الموشح الأندلسى فى الموشح المشرقى، وإعادة القراءة فى الأقوال التى تنادى بأن الموشح مشرقى الأصل، والأخرى التى تذهب إلى أن أصوله رومانية أو فرنسية، أعجمية من خلال دراسة الموشحات الشرقية، دراسة نقدية منصفة، تهدف إلى الوصول إلى الحقيقة.

 ونادى الباحث بتحقيق المخطوطات العربية التى تضم الموشح بهدف الكشف عن الجديد وإضافة عدد لا بأس به من تلك الموشحات للدراسات الجادة. فضلا عن جمع الموشحات الشرقية فى ديوان يحمل كل عصر من عصوره الأدبية الموروثة، ويمكن إضافة ذلك - أيضا - إلى الموشح الدينى والموشح الغزلى، على غرار ديوان الموشحات الأندلسية.

والتى قام بجمعها وترتيبها سيد غازى، مؤكدا أن كثيراً من وشاحى المشاركة لم يأخذوا حظهم من التراجم الكافية، وأن يتم تناول البنى اللغوية والتركيبية، والإيقاعية، والبلاغية فى دراسات مستقلة لكل نوع بحيث تقوم على التأصيل الفنى والتركيز علي جوانبها المختلفة بصورة أكثر استفاضة.

وفضلا عن دراسة أنواع الصور الفنية، الحسية، والذهنية والرمزية، دراسة مستقلة إلى جانب التشبيه والاستعارة والكناية والمجاز فى الموشح الشرقى.

 تم مناقشة الرسالة فى كلية دار العلوم جامعة القاهرة، بإشراف الدكتور أيمن ميدان «رئيسا ومشرفا»، وضمت لجنة المناقشة الدكتور أحمد بلبولة «كلية دار العلوم»، الدكتور أحمد عطا «كلية الآداب، جامعة قناة السويس».