معرض «ذهب الفراعنة» حديث أوروبا.. ودعاية لمصر بملايين الدولارات

وزير السياحة والآثار قاد فريق عمل متكامل
وزير السياحة والآثار قاد فريق عمل متكامل

رسالة باريس: محمد البهنساوي

عيسى يقود تحركًا مشتركًا لجنى الثمار.. وسياسة الفريق الواحد تنجح عمليًا فى باريس

«الفرنساويين بيعشقوا الفراعنة « هكذا نقول دائمًا ، لكنه ليس مجرد كلام ، فما بين الفرنسيين والحضارة الفرعونية الكثير مما يؤكد ذلك منذ قرون، هذا العشق والتناغم ربما لم يبدأ فقط عندما اكتشف بيير فرانسوا بوشار - أحد ضباط الحملة الفرنسية - حجر رشيد، ولا عندما تمكن العالم الفرنسى أيضا جيان فرانسوا شامبليون من فك رموز هذا الحجر ، والتى كانت البداية الحقيقية لفك رموز الحضارة الفرعونية القديمة وكشف العديد من أسرارها للعالم أجمع ، لكنه عشق أقدم من ذلك ، ويترسخ مع مر العصور.

ولم يتوقف الاهتمام بالمعرض عند العاصمة والمدن الفرنسية ، لكنه امتد إلى أوروبا والعالم كله الذى شهد زخما إعلاميا كبيرا حول «رمسيس وذهب الفراعنة» ، فما من قناة أو شبكة إعلامية دولية أو وكالة أنباء أو صحيفة وموقع عالمى لم ينشر تقارير حول المعرض ومقتنياته وتاريخها الأثرى وعن الحضارة الفرعونية ، بجانب بوسترات تملأ شوارع عاصمة النور لتابوت الملك الفرعونى الأشهر وباقى القطع ، أما المؤتمر الصحفى الذى عقده وزير السياحة والآثار أحمد عيسى والوفد المصرى لإطلاق إشارة البدء بافتتاح المعرض فقد شهد حضورا مكثفا لممثلين لأكثر من 500 صحفى وإعلامى ممثلين لمختلف وسائل الإعلام حضروا المؤتمر وطافوا بكاميراتهم أركان المعرض مسجلين تقارير مصورة عن كل قطعة فيه ولقاءات مع أعضاء الوفد المصرى ، ليصبح بين ليلة وضحاها تابوت رمسيس الثانى و181 قطعة أثرية مرافقة له بالمعرض حديث فرنسا بأثرها ، ولنتساءل ، كم من ملايين الدولارات تساوى تلك الدعاية المباشرة لمصر وآثارها وسياحتها؟ 

مشاركة رفيعة 

بين حالى وسابق وأسبق !!

ونظرا لأهمية المعرض فى الاتجاهين ، فقد حرص الوزير أحمد عيسى على الحضور على رأس وفد رفيع من القطاعين السياحى والأثرى ، وحتى فى تشكيل وعضوية الوفد دليل سعة أفق وحسن إدارته للملف من وزير السياحة والآثار فقد ضم الوفد بالطبع قيادات الآثار وكذلك السياحة لأهمية المعرض الكبرى فى الترويج والتنشيط السياحى بشكل مباشر أو غير مباشر بما يحققه من تحسين لصورة مصر الذهنية دوليا ، ولم تكن المهمة ثنائية بين السياحة والآثار فقط ، لكن وحتى تكتمل عناصر استغلال المعرض وحصد ثماره السياحية ، كان لابد من تواجد الضلع الثالث وهو الطيران ، وهو ما حدث بالفعل لتصبح المهمة ذات قوة ثلاثية ، وهناك نقطة إيجابية أخرى فى تشكيل الوفد تحسب كذلك لوزير السياحة والآثار هى تواجد مسئولين سابقين بالوفد من بينهم وزيران للآثار ، أحدهما سابق والآخر أسبق !!

فقد ضم الوفد الذى ترأسه الوزير أحمد عيسى كلا من الدكتور زاهى حواس وزير الآثار الأسبق ، والدكتور خالد العنانى وزير السياحة والآثار السابق، والدكتور مصطفى وزيرى الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، والدكتور أحمد غنيم الرئيس التنفيذى لهيئة المتحف القومى للحضارة المصرية، وعمرو القاضى رئيس هيئة التنشيط السياحي، و أحمد عبيد مساعد الوزير لشئون قطاع مكتب الوزير، و يمنى البحار مساعد الوزير للشئون الفنية، والمستشار عمرو عبد الله المُشرف على الإدارة العامة للعلاقات الدولية والاتفاقيات بالوزارة ، وانضم للوفد فور وصوله السفير علاء يوسف سفير مصر فى فرنسا ، ولحق به حسين الشريف رئيس شركة إير كايرو إحدى الشركات التابعة لوزارة الطيران المدني.

المهمة «الثلاثية» 

والفريق «الواحد»

وإذا سلمنا بأهمية المعرض فى تحسين الصورة الذهنية عن مصر ، والدعاية وبقوة لآثارنا ، مما يروج للحركة السياحية التى تعد الطيران وجهها الآخر ، فهنا تبرز صورة معبرة بمقر السفارة المصرية فى باريس وتؤكد عمليا ما يتحدث عنه الوزير من سياسته الرئيسية بالتحرك كفريق واحد ، الصورة لاجتماع الوزير مع كبار وأهم منظمى الرحلات الفرنسيين ساهم فى الترتيب لها السفير النشيط الدؤوب وأيضا الخلوق الهادئ علاء يوسف سفير مصر فى باريس ، سبقها اجتماع مهم مع ممثلى أكبر شركة إدارة فندقية فى العالم ، تحدث أحمد عيسى وزير السياحة والآثار عن آلية مقترحة للتعاون المشترك لجذب مزيد من الحركة السياحية الفرنسية لمصر ، وكذلك الإجراءات والبرامج التى تقدمها الوزارة لتشجيع القطاع الخاص لزيادة الحركة لمصر، وشرح أهم ملامح السياسات العامة للوزارة وكذلك الاستراتيجية الوطنية لتنمية السياحة، ثم عرج بعد ذلك إلى المشاكل التى تواجه تلك الشركات و سائحيها الفرنسيين بمصر وناقش معهم سبل حلها وتحسين مناخ الاستثمار السياحى فى مصر وتحسين التجربة السياحية فيها .

إذن أين سياسة الفريق الواحد ؟ تتجسد تلك السياسة بعدة نقاط ، أولا حضور السفير للاجتماعات كاملة رغم تخصص مناقشاتها ،وثانيا إتاحة الفرصة كاملة لرئيس هيئة تنشيط السياحة عمرو القاضى و يمنى البحار مساعد الوزير لحديث كل منهما فى ملفه، والأهم حضور حسين الشريف رئيس شركة إير كايرو ليشرح الجديد الذى تقدمه وزارة الطيران المدنى من تسهيلات لتشجيع السياحة الفرنسية لمصر ، وكانت النتيجة المتوقعة نجاح الاجتماع بالفعل ، ودليلنا على هذا النجاح أن منظم رحلات فرنسيا كان قد استأجر طائرة من إير كايرو وأمام نمو الحركة احتاج طائرة أخرى فاستجاب له حسين الشريف على الفور وكان لتلك الخطوة  مردود إيجابى كبير خلال الاجتماع. 

وهنا لنا وقفة مهمة ، حيث يجب أن نعلم أن السوق الفرنسى له خصوصية أولا لأنه يعتمد فى معظمه على السياحة الداخلية وعند السفر يبحث عن الدول الناطقة بالفرنسية مثل دول المغرب العربى والأسواق الدافئة وعندما يسافر إلى شواطئ الأولوية لشواطئ بلده أو الدول الأوروبية المجاورة خاصة إسبانيا ، إذن فالسياحة الثقافية والآثار هى كلمة السر والدافع الأول والأهم لزيادة أعداد هذا السوق ، ومن هنا تتضاعف أهمية المعرض.

مكاسب المعارض 

والجهل بأهميتها 

نصل إلى نقطة مهمة تتعلق بمعارض الآثار بشكل عام وليس هذا المعرض فقط ، فهناك كل فترة تخرج أصوات تنادى بالوقف الفورى لإقامة أية معارض آثار مصرية بالخارج ، بل وصل الأمر بالبعض منهم إلى تقديم دعاوى و بلاغات امام النائب العام لوقف تلك المعارض فورا ، واعتمدوا فى شكواهم على بعض التخوفات التى أقل ما توصف به أنها سطحية وغير مدروسة ، مثل أن آثارنا لا يجب أن تذهب لأحد بل يحضر لها السائحون ، وادعاء الخوف على تلف أو لا قدر الله سرقة القطع الأثرية المشاركة بتلك المعارض ، بل ذهب بالبعض الشطط أن آثارنا المشاركة بالمعارض يتم استبدالها بأخرى مزيفة.

ولهؤلاء نريد منهم مناقشة عدة نقاط بهدوء وتجرد لأجل مصلحة الوطن ، فهل شاهدوا كيف تم تأمين مومياء رمسيس الثانى فى باريس عام 1976 عندما حضرت لعلاجها من فطريات أصابتها ، وأقيم له استقبال ملكى خاص مع تخصيص حراسة مشددة حتى عودتها لمصر ، وهو ما تم مع التابوت قبل أيام عند وصوله للمشاركة فى المعرض حيث تم تداول فيديو لقوات خاصة من الجيش الفرنسى لتأمين التابوت وكذلك المعرض ، ونتساءل أى دولة تلك التى تغامر بسمعتها ومكانتها الدولية وتقصر فى تأمين معرض بتلك الأهمية ، أما قصة استبدال الآثار وما شابه فهذا محض خيال علمى!

ولنتوقف عند نقاط مهمة لمعارض آثارنا بالخارج أولها دورها فى ربط شعوب العالم بمصر وحضارتها ، وأذكر هنا ما ذكره صحفى فرنسى التقينا على هامش المعرض وكيف أن معلمة ابنه ومنذ أسابيع تحفز جميع التلاميذ لزيارة المتحف ووعدت المتفوقين منهم بتذاكر للزيارة فألهبت حماسهم جميعا للمذاكرة والتفوق لحضور المعرض وكيف أن ابنه وزملاءه لا حديث لهم  سوى على المعرض والآثار الفرعونية عامة وكم الموضوعات التعبيرية التى أعدوها حوله ، فكم يساوى ذلك؟!

وثانيا الأهمية الكبرى لتلك المعارض فى الترويج والتنشيط السياحى دعاية تساوى ملايين الدولارات لا ندفع فيها سنتا واحدا وزيادة فى الحركة من كل دولة تستضيف المعرض ، وهنا يتصاعد للأذهان معرض توت عنخ آمون الذى أقيم بنفس المكان صالة لافاييت قاعة مؤتمرات باريس منذ عدة سنوات وكانت وقتها حركة طيران الشارتر الفرنسى متوقفة للمدن السياحية المصرية ، وبفضل معرض توت عنخ آمون وما أحدثه من رواج ودعاية تم على الفور فتح الشارتر من جديد ، وهناك حالة تفاؤل كبيرة لدى الشركات الفرنسية بحدوث طفرة فى الحركة لمصر بفضل المعرض .

وهنا لابد أن نذكر الدور المهم والمحورى الذى يقوم به المجلس الأعلى للآثار والدكتور مصطفى وزيرى الأمين العام للمجلس، أولا فى حسن اختيار الدول التى يقام بها معارض الآثار المصرية وثانياً فى حسن التفاوض للوصول إلى أفضل الشروط حفاظاً على آثارنا وحقوق المجلس وثالثاً وهى نقطة مهمة تتعلق بحسن اختيار القطع المعروضة فى تلك المعارض.

وتبقى كلمة 

هكذا نتأكد أن الحكومة ممثلة فى وزارة السياحة والآثار فعلت المطلوب منها بإقامة هذا المعرض بالتعاون مع المنظمين، وحرص وزير السياحة والآثار على قيادة فريق عمل متكامل وعقد لقاءات مهمة وإزالة عقبات وتقديم تسهيلات خاصة فى الطيران، يتبقى دور القطاع الخاص فى البناء على تلك الأرضية وبقوة واستغلال الزخم الذى تم حول المعرض وبدء تنظيم اتصال مباشر مع الشركات الفرنسية وتنظيم أحداث سياحية أو رحلات تعريفية لفرنسا استغلالا للمعرض ولتدشين عودة قوية للسياحة الفرنسية لمدننا خاصة الأثرية منها، لا نريد أن نرى القطاع الخاص كعادته ينظر فقط أسفل قدميه ، وينتظر أن تقوم الدولة بكل شىء دون مجهود منه يذكر !!

وبالطبع هيئة تنشيط السياحة عليها دور مهم فى استغلال المعرض وما أحدثه من ردود أفعال وزخم إعلامى ، وما علمته من عمرو القاضى رئيس الهيئة أنهم بدأوا بالفعل تدشين تلك الجهود، وبدأت حملات مشتركة مع منظمى رحلات فرنسيين تؤتى ثمارها وسوف يتم مضاعفة تلك الجهود الفترة المقبلة على هامش المعرض الذى سيستمر حتى شهر سبتمبر المقبل.

الفرص الذهبية كثيرة وسهلة المنال، المهم أن تتكامل الجهود وتخلص النوايا.