عصير القلم

أحمد الإمام يكتب: الكرم الزائد يعلم الطمع

أحمد الإمام
أحمد الإمام

..المبالغة في أي فعل تفسده وتعصف بالهدف المرجو من هذا الفعل، وهذا ما ينطبق أيضا على الأفعال النبيلة مثل الكرم الذي يتحول إلى إسراف وتبذير اذا زاد عن حده، وكذلك الشجاعة التي قد تبدو حماقة إن كانت في غير موضعها.

هذه الكلمات ليست دعوة للتخلي عن الصفات الايجابية والأفعال النبيلة ولكنها دعوة للتوازن في علاقاتك مع الجميع.
يجب ألا يكون العطاء بلا حدود لأن الكرم الزائد سيجعل الآخرون يعتادون عليه لدرجة الطمع.

زميلك في العمل الذي اعتدت أن تعزمه على الإفطار يوميا سيعاتبك لو توقفت عن هذه العادة لأي سبب لانه اعتبرها فرضًا يوميًا عليك أن تؤديه واذا تأخرت عنه فأنت مقصر في واجبك نحوه.
صديقك الذي اعتدت أن تدفع له فاتورة مشاريبه كلما التقيتما على المقهى لن يستوعب فكرة أن تدفع ثمن مشاريبك وحدك وسيعتبر تصرفك هذا بخلا غير مبرر وتغيرًا مذمومًا في طباعك!
هناك تصرفات كنت تقوم بها من باب الكرم والمحبة والود ، ولكنها ستتحول بدون أن تشعر إلى حقوق مكتسبة لن يتنازل عنها الآخرون لانهم اعتادوا عليها.

وخير مثال على ما أقول هذه القصة التي يرويها الفنان الموهوب ماجد الكدواني في أحد اللقاءات التليفزيونية قائلا: ابني كان بينسى يشحن موبايله قبل ما ينام فتطوعت وحطيته على الشاحن ، وصحي ابني لقى تليفونه مشحون فانبسط أوي وقعد يشكرني .

تاني يوم برضو نسي يشحن موبايله فشحنته له ، قالي : شكرا يا بابا. تالت يوم : نمت بدري وما شحنتش الموبايل بتاعه، صحي متضايق و زعلان وقعد يعاتبني .. ليه يابابا ما شحنتش الموبايل بتاعي زي كل يوم .. ينفع كده ؟

وحتى بنتي كانت مريضة فرتبت سريرها كام يوم بدالها ، ففوجئت انها بطلت ترتبه نهائيًا، حتى بعد شفائها من مرضها !
عودت صاحبي إني أتصل به يوميا للاطمئنان عليه، وفي يوم ما تعبت وما سألتش عليه ، وكانت الصدمة انه زعل مني وبدل ما يتصل هو يطمئن عليا ، كلمني يعاتبني على عدم اتصالي به كالمعتاد!

استحملت زميلي أكتر من مرة في لحظات الغضب والنرفزة ، فبقى العادي عنده إنه يتعصب عليا ولازم استحمله.

ذكرتني قصة الفنان ماجد الكدواني بصديق ورث هو وإخوته عمارة كبيرة يتقاسمون إيجارها ، ونظرا لتيسر الاحوال المادية لصديقي كان يترك نصيبه لإخوته عن طيب خاطر ، ولكن مر هذا الصديق بأزمة مادية خانقة واحتاج الى نصيبه الذي كان يتركه لأشقائه ، وعندما طالب بنصيبه فوجئ برد فعل غريب من جانبهم وعقدوا له محاكمة عائلية وبدأوا يسألونه أسئلة مستفزة عن سبب أزمته المادية والاسباب الخفية لمطالبته بنصيبه وكأنه يطالب بشيئ ليس من حقه ، أو انهم سيعطونه نصيبه من جيبهم!  

للأسف أصبح هذا هو الواقع المؤلم .. كل إللي ييجي علي نفسه عشان يرضي غيره ، لازم يستمر في العطاء بهذا الشكل وإلا هيعتبروه إتغير وأصبح انسان مش كويس.
لا تتنازل عن حقوقك حتى لا يعتبرها الآخرون حقوقا مكتسبة ، فالكرم الزائد يعلم الطمع.