مصر والسودان.. علاقات تاريخية ومصير مشترك

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

لطالما عاشت مصر والسودان تاريخاً مشتركاً منذ أقدم الأزمنة وحتى وقتنا الحالي، إلى الدرجة التي يتعذر معها الحديث عن تاريخ خاص بمصر أو تاريخ خاص بالسودان بمفردها، وهذه الحقيقة التاريخية تؤكد أن التاريخ المشترك بين البلدين قد أوجد قدراً كبيراً من التداخل بين مواطنو البلدين، وفي الوقت الحالي تؤكد القاهرة دوما على متانة العلاقات مع الخرطوم، وأنها علاقات إستراتيجية بالغة الأهمية للبلدين على كافة المستويات، إذ أولت مصر أهمية بالغة لعلاقتها مع شقيقتها، خاصت بعد إعادة ترتيب الأوراق، خاصت عقب ثورة 30 يونيو 2013  .

مرت العلاقات المصرية السودانية بمرحلتين رئيسيتين، مرحلة ما قبل انفصال السودان عن مصر حيث كانتا دولة واحدة، ومرحلة ما بعد الانفصال، فمنذ عام 1820 وحتى استقلال السودان في عام 1956، هناك تاريخ واحد كان يجمع البلدين.

أعطى الرئيس عبد الفتاح السيسي السودان أولوية قصوى على جدول أعماله الخارجي ، مما ترجم إلى حقيقة أنه كان أول بلد يزوره بعد انتخابه رئيسًا للجمهورية. وتعد هذه واحدة من عدة مؤشرات على الاهتمام المصري بالسودان الشقيق، بما في ذلك الزيارات الرئاسية المتبادلة على فترات منتظمة بالنظر إلى أن هذه هي الرحلة الأولى التي يقوم بها الرئيس السيسي بعد توليه منصبه.

دخلت القاهرة والخرطوم مؤخرًا مرحلة جديدة من علاقتهما، عرفت بـ "العلاقات الأخوية الإستراتيجية" ، والتي انعكست في عدد الزيارات المتبادلة بين البلدين على المستويات الرسمية والحكومية والشعبية، والتنسيق في جميع المجالات، والدفع نحو التنفيذ السريع لمشاريع التنمية المشتركة، ودعم الخيارات التي يتخذها الشعب السوداني لتقرير مستقبل وطنه.

طفرة قوية في العلاقات

يؤكد البلدان على تفعيل مختلف أطر التعاون المشترك، واستثمار ما يتوفر لدى البلدين الشقيقين من إمكانات كبيرة لتحقيق مصالحهما المشتركة بما يمثل نموذجاً يحتذى به في الترابط والتعاون... وكذلك مواصلة التنسيق المكثف بينهما بما يساهم في تحقيق مصالح البلدين المشتركة، فضلاً عن تعزيز التعاون على مختلف المستويات ودفع جهود التعاون بين دول المنطقة والقارة الإفريقية وتحقيق التنمية لما فيه صالح شعوبها.

وقد حدث باللجنة العليا بين البلدين، طفرة كبيرة هى الأخرى، حيث أصبحت تضم 30 لجنة مشتركة، تم تقسيمها إلى قطاعات وهى، السياسى والأمنى والقنصلى، العسكرى ، الاقتصادى والمالى، النقل، التعليم والثقافة، الخدمات، والزراعة والموارد المائية، وشهد الرئيسان خلال الدورة الاولى للجنة الرئاسية المشتركة في اكتوبر 2016 مراسم التوقيع على 13 اتفاقية ومذكرة تفاهم وبرنامج تنفيذى بين البلدين، ، وتشمل الاتفاق الإطارى بين جامعة القاهرة ووزارة التعليم العالى بالسودان بشأن عودة بعثة الجامعة فرع الخرطوم، البرنامج التنفيذى لمذكرة التفاهم الموقعة فى مجال التجارة بين الجانبين، بجانب مقترح البرنامج التنفيذى لبروتوكول التعاون بين وزارتى التجارة السودانية والتموين والتجارة الداخلية المصرية، اتفاقية للتعاون فى مجالى النفط والغاز، اتفاقية للتعاون فى التعليم العالى، البرنامج التنفيذى للتعاون فى مجال الشباب، وآخر فى الرياضة، برنامج عمل بين وزارتى الصحة، مشروع برنامج للتعاون الثقافى، اتفاق خدمات النقل الجوى، مذكرة تفاهم للتعاون فى إدارة الأزمات والأحداث الطارئة والكوارث، واتفاقية التعاون القانونى والقضائى.

 وفي اكتوبر 2018  شهدت اجتماعات اللجنة الرئاسية المصرية السودانية المشتركة في دورتها الثانية استعراض أوجه التعاون الثنائي بين البلدين، وذلك في إطار تنفيذ وثيقة الشراكة الاستراتيجية التي تم التوقيع عليها بين البلدين في 2016، حيث رحب الجانبان في هذا الصدد بالخطوات التى تم اتخاذها لتفعيل المشروعات الاستراتيجية الكبرى التى تم الاتفاق عليها بين البلدين، بما فيها مشروعات الربط الكهربائي وخطوط السكك الحديدية، وهى المشروعات التي من شأنها أن تحدث نقلة نوعية فى العلاقات بين مصر والسودان، وتشجع على تنفيذ المزيد من المشروعات الإنتاجية والخدمية المشتركة بين البلدين الشقيقين.. كما تشاور الجانبان حول سبل تعزيز التبادل التجارى والمشروعات التنموية والاستثمارية المشتركة بين البلدين، تحقيقاً للمنفعة المتبادلة بين الشعبين الشقيقين وتوفير المزيد من فرص العمل.

 ورحب الجانبان بالاتفاقيات التى تم التوقيع عليها خلال أعمال اللجنة الرئاسية، مؤكدين أنها تشكل أرضية صلبة لتعزيز علاقات البلدين فى مجالات الرعاية الصحية والزراعة والتعليم والإعلام وغيرها من المجالات، لتمثل بذلك قيمة مضافة جديدة لما سبق وأن أبرمه البلدان من اتفاقيات فى مختلف المجالات، الأمر الذى يمهد الطريق أمام مستقبل العلاقات بين البلدين والشعبين الشقيقين، ويشجع الأجيال القادمة نحو مزيد من الترابط والتكاتف سيراً على ذات النهج.

سد النهضة "ملف مشترك"

يتصدر ملف سد النهضة الإثيوبي اهتمامات البلدين في إطار التعاون المائي بينهما، حيث أعلنت إثيوبيا عن نيتها إنشاء عدد من المشروعات على أنهارها الدولية، وذلك في استراتيجية وطنية للمياه.

 وفي نوفمبر 2010 أعلنت الحكومة الإثيوبية الانتهاء من تصميم السد، وإعلان اعتزامها التنفيذ. وفي الثاني من أبريل 2011 اعلنت تدشين مشروع إنشاء سد النهضة لتوليد الطاقة الكهرومائية، وأعلنت أنها سوف تطلع مصر على مخططات السد لدراسة مدى تأثيره على دولتي المصب: مصر والسودان، وعقب ذلك تم تنظيم زيارات متبادلة لرئيسي وزراء البلدين لبحث الملف واتفقت مصر واثيوبيا على تشكيل لجنة دولية تدرس آثار بناء سد النهضة ومدى التأثير المحتمل للسد على مصر والسودان...والتي اصدرت تقريرها بضرورة إجراء دراسات تقييم لآثار السد على دولتي المصب. واتفقت السلطات المصرية والإثيوبية على تنفيذ توصيات اللجنة الدولية من خلال مكتب استشاري عالمي.

 في سبتمبر 2014عقد الاجتماع الأول للجنة ثلاثية تضم مصر وإثيوبيا والسودان للتباحث حول صياغة الشروط المرجعية للجنة الفنية وقواعدها الإجرائية والاتفاق على دورية عقد الاجتماعات.

في أكتوبر 2014اتفقت مصر وإثيوبيا والسودان على اختيار مكتبين استشاريين أحدهما هولندي والثاني فرنسي لعمل الدراسات المطلوبة بشأن السد.

في 23مارس 2015 وقع الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره السوداني عمر البشير(آنذاك) ورئيس وزراء إثيوبيا (آنذاك) هايلى ديسالين في العاصمة السودانية الخرطوم وثيقة "إعلان مبادئ سد النهضة". وتضمنت الوثيقة 10 مبادئ أساسية تتسق مع القواعد العامة في مبادئ القانون الدولي الحاكمة للتعامل مع الأنهار الدولية... وتضمن الاتفاق ورقة تشمل 10 مبادئ تلتزم بها الدول الثلاث بشأن سد النهضة وتم التوقيع عليها من قبل الدول الثلاث ومرفق بها ورقة شارحة حول إيجابيات الاتفاق وانعكاساته على علاقات الدول الثلاث.

أكدت الاتفاقية التعاون على أساس التفاهم المشترك، والمنفعة المشتركة، وحسن النوايا، والمكاسب للجميع، ومبادئ القانون الدولى، والتعاون فى تفهم الاحتياجات المائية لدول المنبع والمصب بمختلف مناحيها، مشيرة إلى أن الغرض من سد النهضة هو توليد الطاقة، المساهمة فى التنمية الاقتصادية، والترويج للتعاون عبر الحدود والتكامل الإقليمى من خلال توليد طاقة نظيفة ومستدامة يعتمد عليها، وتوفر كل من مصر وإثيوبيا والسودان البيانات والمعلومات اللازمة لإجراء الدراسات المشتركة للجنة الخبراء الوطنين، وذلك بروح حسن النية وفى التوقيت الملائم.