اليمن.. مؤشرات باتجاه نجاح تسوية سياسية للأزمة

صوره أرشيفية
صوره أرشيفية

حالة من التفاؤل الحذر تسود الساحة اليمنية بتوافر مؤشرات باتجاه حل الأزمة وسط زخم من المواقف والاتصالات والجهود الإقليمية والدولية التى تعزز هذا التوجه مع حديث عن إطار لهذا الحل يتم بحثه مع تلك الأطراف خاصة أن الأسبوعين الماضيين شهدت محطات ذات مغزى مثلت علامات بارزة فى مسار تلك الأزمة ونتوقف عند ثلاثة من هذه التواريخ وهى كالتالى:

الأول: مرور ثمانية سنوات على انطلاق عاصفة الحزم والتى بدأت عملياتها العسكرية فى ٢٥ مارس ٢٠١٥ وكانت نتيجة طبيعية لانقلاب جماعة الحوثى فى سبتمبر ٢٠١٤ ومحاولة سيطرتها على كل أنحاء اليمن شمالا وجنوبا واندلاع المعارك بين الجماعة والحكومة الشرعية فى مارس ٢٠١٥  وحسمها لمعارك الاستيلاء على العاصمة صنعاء واستمرار قواتها فى الزحف الى الجنوب بعد وصول الرئيس الأسبق عبدربه منصور هادى الى عدن فى فبراير من عام ٢٠١٥ ونجاح الجماعة فى الاستيلاء على كل محافظات الشمال واستمرت المعارك فى الجنوب حتى نهاية مارس من نفس العام دون ان يتمكن من بسط سيطرته على عاصمة الجنوب وحتى اندلعت عمليات عاصفة الحزم فى نهاية الشهر ولكن الصراع على الجنوب ظل مستمرا والعملية جاءت بطلب من الحكومة اليمنية الشرعية بعد فشل الجهود الدولية والاقليمية للتوصل الى حل سلمى لأزمة يمكن من خلاله انقاذ اليمن وشعبه نتيجة تخريب جماعة الحوثى لكل تلك الجهود كما انها جاءت فى توقيت صعب عندما كانت جماعة الحوثى قد بدأت حملتها لغزو الجنوب باتجاه لحج وعدن ومواصلة احتلالهم للمؤسسات كما انها جاءت ثانيا ردا على تهديدات جماعة الحوثى ولدول الجوار خاصة السعودية فى ظل ترسانة من الأسلحة تم السيطرة عليها من مخازن الجيش اليمنى سواء اسلحة ثقيلة وصواريخ قصيرة وبعيدة المدى.   

هدنه منقوصة

الثانى: مرور عام على اعلان اول هدنة حقيقية فى الحرب الطويلة وكانت فى الثانى من ابريل من العام الماضى والتى استمرت ست اشهر كان لها اسهامات حقيقية فى تحسين الوضع الانسانى حيث انقذت- كما قال الرئيس الأمريكى جون بايدن فى بيانه الذى نشره البيت الابيض الاثنين الماضى - ارواحا كثيرة لاحصر لها من اليمنيين وسمحت بزيادة تدفق المساعدات الانسانية فى جميع انحاء البلاد وسمحت لليمنيين بالسفر وتوقف الهجمات الجوية داخل اليمن وخارجه وللأسف الشديد لم تستطع كل الجهود التى يبذلها المبعوث الدولى لليمن غروندبرج فى مدها طوال تلك الفترة وإن كان كما قال هو نفسه يتم تنفيذ كثير من بنودها.

الثالث: مرور عام على تشكيل المجلس الرئاسى اليمنى فى السابع من ابريل من العام الماضى الذى مثل محاولة لإعادة ترتيب البيت اليمنى وانهاء حالة التشرذم التى تسود مكونات الشرعية اليمنية وقد أظهر هذا العام أن التجربة كشفت عن بعض السلبيات مما دعا المملكة العربية السعودية الى دعوة اعضائه الى الاجتماع فى الرياض خلال الأسبوع الماضى لفتح حوار موسع بين كامل اعضائه حول ضرورة معالجة تلك السلبيات  والمطروح تقليص تشكيل المجلس نفسه الى رئيس ونائبين او تحديد صلاحيات واضحة لكل عضوٍ بعد زيادة الخلافات بين الأعضاء والعمل على تخفيف التوتر بين المجلس والمجلس الانتقالى الجنوبى مع  حساسية الأخير فى التعامل مع أى تفاهمات تخص الجنوب وملف دمج التشكيلات العسكرية التابعة للشرعية أو للمجلس الرئاسى أو التابعة لطارق صالح عضو المجلس الرئاسى والتى تتعامل كما لو كانت جزرا منعزلة وكانت تلك المناسبة وراء دعوة الأمين العام لمجلس التعاون الخليجى جاسم البديوى الذى مثل مظلة لذلك الحوار بين كل المكونات اليمنية والذى اثمر فى نهاية الأمر فى تشكيله فى تجديد دعوته لإجراء محادثات السلام للتوصل الى حل سياسى وفقا للمبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطنى وقرار مجلس الأمن ٢٠١٦.

فى طريق الحل

ويستطيع المراقب للملف اليمنى أن يرصد بعض التحركات التى تشير الى امكانية ان يتم وضع الأزمة على طريق التسوية السياسية وهى متعددة منها:

١- على المستوى اليمنى: قدرة اليمنيين على انجاز الطرفين جماعة الحوثى والحكومة الشرعية صفقة اتفاق جزئى لتبادل ٨٨٧ أسيرًا مع الاتفاق على استمرار الإفراج عن صفقات جديدة برعاية أممية وبمشاركة الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر على قاعدة الكل مقابل الكل بعد حوار بين طرفى النزاع وصلت الى سبع جولات من بين الأسرى ١٨١ من جانب الشرعية والباقى لجماعة الحوثى ومن بينهم وزير الدفاع الأسبق محمود الصبيحى وشقيق الرئيس السابق عبدربه منصور هادى واثنان من اشقاء طارق صالح عضو المجلس الرئاسى هما  شقيقه وابنه، عملية التبادل ستبدأ فى ١١ ابريل الحالى ولمدة ثلاثة ايام. 

٢- على المستوى الثنائى بين السعودية وجماعة الحوثى حيث شهدت الحوارات بين الطرفين زخما شديدا فى الأسابيع الماضية من خلال مباحثات أجراها المسئول السعودى عن الملف اليمنى السفير محمد آل جابر مع جماعة الحوثى فى صنعاء وكذلك حوارات مسقط بين الطرفين برعاية عمانية قد تنتهى بتجديد الهدنة والاتفاق على مبادئ للحل السلمى بما فيها رفع الحصار عن ميناء الحديدة وموانى البحر الأحمر وتوسيع مطار صنعاء وفتح الطرق خاصة المؤدية لمحافظة تعز.

٣- على المستوى الاقليمى التطورات المهمة على صعيد الحوار السعودى الايرانى الذى تمخض عن توقيع اتفاق فى العاشر من مارس على مبادئ للحوار واعادة العلاقات الدبلوماسية خلال ستين يوما ويحقق نتائج مهمة بدليل لقاء بكين بين الوزيرين السعودى الأمير فيصل بن فرحان والإيرانى حسين امير عبداللهيان فى بكين والذى سبقه ثلاثة اتصالات هاتفية واهميته ان الساحة اليمنية ستكون الاختبار الحقيقى لحسن نوايا ايران فى تطبيع علاقاتها بالسعودية.

شكل التسوية

والحقائق تكشف عن ان الملف اليمنى من اكثر الملفات الحساسة العالقة بين الجانبين السعودى والايرانى وكانت من أهم الملفات التى تم مناقشتها فى الاجتماعات التحضيرية فى مسقط وبغداد قبل التوقيع فى بكين خاصة علينا ان نشير الى ان الأزمة اليمنية ضاغطة على الرياض نتيجة جغرافيا المنطقة.

كما أن جماعة الحوثى تمثل تهديدا مباشرا ودائما على السعودية وأمن الطاقة والممرات البحرية، وقد شهدت الأسابيع الماضية تغييرا دراميا فى الموقف الإيرانى واستعداده للمساعدة فى انهاء الأزمة وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الإيرانى حسين أمير عبداللهيان  بالاعلان عن ترحيب بلاده بأى مبادرة لإنهاء الحرب مشددا على اهمية دفع أى جهود لإحلال السلام على خلاف ما تم فى جولات الحوار الخمس التى تمت برعاية عراقية، فقد سعت السعودية ترغب فى اطار اجراءات بناء الثقة ان يكون هناك دور ايرانى فى الضغط على جماعة الحوثى لإنهاء الحرب فى اليمن وكان الرد الايرانى هو الأعجب والأغرب عندما اشاروا على الجانب السعودى بضرورة التعاطى مع حزب الله اللبنانى باعتباره هو الأقدر والأكثر تشابكا مع هذا الملف وهو ما رفضته الرياض.

٤- وجود تغيير فى المواقف الدولية خاصة الأمريكى والذى تم الاعلان بمناسبة مرور عام على الهدنة فى اليمن على لسان الرئيس جو بايدن وبعد ان عدد نتائجها على الصعيد الانسانى وتوقف الهجمات أعلن التزام بلاده بدعم السعودية والامارات ضد الهجمات المدعومة من ايران واعرب عن تطلعه الى مواصلة العمل مع جميع الشركاء لإنهاء الحرب فى اليمن بشكل دائم والذى يختلف تماما عن موقف واشنطن من الأزمة مع بداية ولاية بايدن الذى أعلن عن وقف مساعدات عسكرية أمريكية للسعودية واعادة النظر فى قرار ادارة ترامب باعتبار جماعة الحوثى ارهابية، صحيح ان هذا الموقف قد يكون رغبة امريكية فى احتواء الدور الصينى المتنامى للوساطة الاقليمية ولكنه فى نهاية الأمر يمثل رافدا مهما يصب فى اتجاه دعم التسوية السياسية.

الصفقة المتكامله

وبعد فإن هناك تقارير مهمة تتحدث عن بلورة رؤية للتحرك القادم تم ابلاغها فى  لقاء تم فى الرياض بين رئيس واعضاء المجلس الرئاسى اليمن مع وزير الدفاع السعودى خالد بن سلمان لاطلاعهم على نتائج الحوارات التى تمت بين الرياض وجماعة الحوثى خلال الفترة الماضية وتتضمن توجها لتمديد الهدنة ستة اشهر جديدة تنتهى فى اكتوبر القادم الأمر قد يتعدى الاتفاق على مد الهدنة بل التوقيع على اطار عام للحل السياسى يتم مناقشته عبر لجان للتفاوض بين الجانبين خلال ثلاثة اشهر مهمتها اطلاق عملية شاملة خلال مرحلة انتقالية يعلن خلالها التحالف انسحابه من اليمن وصولا الى عقد مفاوضات شاملة بين الطرفين خلال ثلاث مراحل يتم خلالها انجاز وقف إطلاق النار وتشكيل لجان فنية لدمج البنك المركزى وتبادل كامل للأسرى وإجراءات بناء الثقة ثم مرحلة التفاوض الشامل حول تأسيس شكل الدولة اليمنية وتتضمن ايضا فتح المنافذ ورفع القيود على المنافذ البرية والبحرية والجوية واصلاح اقتصادى شامل بدعم سعودى بالطبع وجديد هذا الأمر ما كشفته بعض التقارير عن موافقة طهران وقف شحنات الأسلحة الى الحوثى والضغط على الجماعة لبدء قبول تسوية سياسية للأزمة ويحاول المبعوث الأممى استمرار الزخم الذى أحدثه الاتفاق السعودى الايرانى وتأثيره على اليمن حيث زار الرياض واجتمع مع ممثلى الشرعية اليمنية للبحث فى تسوية مستدامة للأزمة وذلك بعد يومين من زيارة طهران ولقائه مع وزير الخارجية الايرانى وحديثة الأخير عن أنه (آن الأوان للحوار والتسويات والإرادة الجادة لتحقيق السلام واشار الى أن الأفكار كثيرة والدعم الدولى متوافر ولكن هناك غياب للثقة والتى تعيق الحوار للوصول الى اجوبة عن الأسئلة الرئيسية المتعلقة بالأمن ومؤسسات الحكم وتصميم عملية الانتقال)

وبعد، فكل المؤشرات تقول إن الأزمة بدأت طريق الألف ميل والتسوية قد تكون صعبة نتيجة التشابك الكبير فى الأزمة ومن ذلك موقف المجلس الانتقالى الجنوبى وهو جزء مهم فى اطار الشرعية الذى يتحفظ على أى اجراءات قد تخص الجنوب ولكنها ليست ابدا مستحيلة.