خواطر الإمام الشعراوي | كل إنسان مسئول عن حركته

الشيخ محمد متولي الشعراوي
الشيخ محمد متولي الشعراوي

 يواصل الإمام الشعراوى تفسيره للآية 188 من سورة البقرة قائلا: يقول لنا الحق سبحانه: «وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل»، أى إياكم أن تأكلوها بالباطل ثم تدلوا بها إلى الحكام ليبرروا لكم أن هذا الباطل هو حق لكم. فهناك أناس كثيرون يرون فى فعل الحاكم مبرراً لأن يفعلوا مثله، وهذا أمر خاطئ؛ لأن كل إنسان مسئول عن حركته. لا تقل إن الحاكم قد شرع أعمالاً وتُلقى عليه تبعة أفعالك؛ ومثال ذلك تلك الأشياء التى نقول عليها إنّها فنون جميلة من رقص وغناء وخلاعة.

هل إباحة الحكومات لها وعدم منعها لها هل ذلك يجعلها حلالاً؟ لا؛ لأن هناك فرقاً بين الديانة المدنية والديانة الربانية. ولذلك تجد أن الفساد إنما ينشأ فى الحياة من مثل هذا السلوك. إن الذين يشتغلون بعمل لا يقره الله فهم يأكلون أموالهم بالباطل، ويُدخلون فى بطون أولادهم الأبرياء مالاً باطلاً، وعلى الذين يأكلون من مثل هذه الأشياء أن ينتبهوا جيداً إلى أن الذى يعولهم.

اقرأ ايضا | خواطر الامام الشعراوي | جزاء الدنيا والآخرة

وإنما أدخل عليهم أشياء من هذا الحرام والباطل، وعليهم أن يذكروا ربهم وأن يقولوا: لا لن نأكل من هذا المصدر؛ لأنه مصدر حرام وباطل، ونحن قد خلقنا الله وهو سبحانه متكفل برزقنا. وأنا اسمع كثيراً ممن يقولون: إن هذه الأعمال الباطلة أصبحت مسائل حياة، ترتبت الحياة عليها ولم نعد نستطيع الاستغناء عنها.

وأقول لهم: لا، إن عليكم أن ترتبوا حياتكم من جديد على عمل حلال، وإذا أصر واحد على أن يعمل عملاً غير حلال ليعول من هو تحته، فعلى المُعال أن يقف منه موقفا يرده، ويصر على ألا يأكل من باطل.

وتصوروا ماذا يحدث عندما يرفض ابن أن يأكل من عمل أمه التى ترقص مثلا أو تغني، أو عمل والده إذا علم أنه يعمل بالباطل؟ المسألة ستكون قاسية على الأب أو الأم نفسيهما. إن الذين يقولون: إن هذا رزقنا ولا رزق لنا سواه، أقول لهم: إن الله سبحانه وتعالى يرزق من يشاء بغير حساب.

ولا يظن إنسان أن عمله هو الذى سيرزقه، إنما يرزقه الله بسبب هذا العمل: فإن انتقل من عمل باطل إلى عمل آخر حلال فلن يضن الله عليه بعمل حق ورزق حلال ليقتات منه. وقد عالج الحق سبحانه وتعالى هذه القضية حينما أراد أن يحرم بيت الله فى مكة على المشركين، لقد كان هناك أناس يعيشون على ما يأتى به المشركون فى موسم الحج.

وكان أهل مكة يبيعون فى هذا الموسم الاقتصادى كل شيء للمشركين الذين يأتون للبيت، وحين يُحَرِّم الله على المشرك أن يذهب إلى البيت الحرام فماذا يكون موقف هؤلاء؟ إن أول ما يخطر على البال هو الظن القائل: (من أين يعيشون)؟ ولنتأمل القضية التى يريد الله أن ترسخ فى نفس كل مؤمن.

وقال الحق: «إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام بَعْدَ عَامِهِمْ هذا» «التوبة: 28». ثم يأتى للقضية التى تشغل بال الناس فيقول: «وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ» «التوبة: 28». وهكذا نرى أن هذه القضية لم تخف على الله فلا يقولن أحدٌ إن العمل الباطل الحرام هو مصدر رزقي.

ولن استطيع العيش لو تركته سواء كان تلحيناً أو عزفاً أو تأليفاً للأغانى الخليعة، أو الرقص، أو نحت التماثيل. نقول له: لا، لا تجعل هذا مصدراً لرزقك والله يقول لك: «وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ». وأنت عندما تتقى الله، فهو سبحانه يجعل لك مخرجاً. «وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ».

وعليك أن تترك كل عمل فيه معصية لله وانظر إلى يد الله الممدودة لك بخيره. إذن فقول الله: «وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل» تنبيه للناس ألا يُدخلوا فى بطونهم وبطون من يعولون إلا مالاً من حق، ومالاً بحركة شريفة؛ نظيفة، وليكن سند المؤمن دائماً قول الحق: «وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ» «الطلاق: 2-3».