رمضانيات l مشروبات صديقة للصائمين

مشروبات رمضان
مشروبات رمضان

كتب - علا نافع

العرقسوس، السوبيا، الخروب، التمر الهندي، قمر الدين مشروبات تحتضنها مائدة رمضان لمقاومة عطش النهار الطويل، لا أحد يعلم تحديدًا متى بدأ ولع المصريين بها، فبعضها عرفه الفراعنة واستخدموه للتداوي من الأمراض والبكتيريا الضارة، وأخرى نقلها العثمانيون والمماليك لأرض المحروسة، وفى شهر رمضان تتسابق ربات البيوت لملء ثلاجات مطابخهن بهذه المشروبات، وفي هذا التحقيق نسلط الضوء على أشهر هذه المشروبات، وبدائلها الصحية تجنبًا لزيادة الوزن فى رمضان، فضلًا عن خطورة مساحيقها سريعة الذوبان لاحتوائها على ألوان اصطناعية ضارة.

في شارع المعز المكتظ بالزوار والسائحين من جنسيات مختلفة، تتفرع منه عدة شوارع وحوارٍ جانبية عتيقة تصل إليها بصعوبة، ومنها شارع الحمزاوي الصغير الذي سُمى بهذا الاسم نسبة لأحد أمراء السلطان العثماني سليم الأول.. شارع طويل يمتد حتى شارع الأزهر، تصطف على جانبيه محلات العطارة والمشروبات، روائحها الزكية تعبِّق الأرجاء بأجواء الشهر الفضيل.

ألوان المشروبات المتنوعة بين الأبيض والأحمر القاتم والأصفر الزاهي تجعل الأجواء أشبه بلوحة من العصر الفيكتوري.. أصوات الباعة تشق الآذان وهم ينادون لجذب الزبائن إلى ما يبيعونه من عرقسوس وكركديه أسواني اللذين لا يضاهيهما في الحلاوة مشروب آخر بحسب قولهم، أما السوبيا فهي مشروب الطاقة بعد صيام يوم طويل، وكذلك الدوم والخروب اللذان يثيران بالجسم انتعاشًا ونشوة تمتد حتى ساعات الفجر الأولى.

تقول أم كريم، صاحبة أحد محلات العطارة: يكتظ الشارع بالزبائن الذين يحرصون على شراء حاجتهم من المشروبات المختلفة بأسعار في متناول اليد، فأغلب الرجال يحرص على شراء العرقسوس والتمر الهندى الجاف، إذ يتفننون في صناعته بأيديهم قبل حلول وقت الإفطار، على عكس السيدات اللواتي يقبلن على شراء الكركديه وقمر الدين بجانب بودرة السوبيا، والخشاف، أما الأطفال والشباب فيفضلون شراء مساحيق المشروبات سريعة الذوبان لسهولة وسرعة إعدادها رغم مذاقها السيئ واحتوائها على كمية كبيرة من السكر الذي يضيّع طعم المشروب الأصلي، لافتة إلى أن انخفاض الأسعار لديها جعل الكثير من الزبائن يقبلون على الشراء منها.

دوم وجوز هند

أما أحمد المحلاوي، صاحب أحد أقدم محلات العطارة فيقول: منذ سنوات بعيدة تربّع بعض المشروبات على مائدة رمضان، مثل الخروب المجروش والدوم اللذين لهما طقوس خاصة في إعدادهما حيث يحتاجان للنقع مدة ليلة كاملة، ثم يوضع المنقوع على النار ويُقلَّب باستمرار، وبالطبع فإن ذلك له حلاوة لا يشعر بها إلا عشاق مشروب الخروب والدوم، لافتًا إلى أن هناك مشروبات أخرى تروج في رمضان مثل السوبيا بجوز الهند فرائحتها تداعب الأنوف، ناصحًا الزبائن بتجنب شراء مساحيق المشروبات لخطورتها على الصحة واحتوائها على كمية كبيرة من السكر.

 

الجبنة والأبريه

أما رمضان في أسوان وحلايب وشلاتين فله نكهة خاصة، إذ تجتمع النساء لإعداد المشروبات التقليدية التي ربما لا يعرفها غير أهالي هذه المناطق الجنوبية، فقد توارثنها عن الجدات وظللن يعددنها في كل رمضان، و«الأبريه» هو أحدها ويتم تحضيره في النوبة من خلال خطوات معينة وهو يشبه الفطير الجاف المجروش، ويستغرق إعداده وتجهيزه وقتًا طويلًا قبل حلول الشهر الكريم.
وتقول سيدة نوبية تُدعى زينة نصر: إن «الأبريه» يُعد أحد المشروبات التي يعشقها أهل أسوان والنوبة تحديدًا لقدرته على ترطيب الجسم في النهار الحار، وهو يشبه الفطير الشرقي لكنه أرق منه كثيرًا، ويُصنع من دقيق الذرة والقمح ثم يتم تخميره مدة ليلة كاملة قبل خبزه، ثم يُخبز بوضعه على «الدوكة» الحديد فوق الموقد، وهذه الدوكة يتم دهنها بالزيت حتى لا يلتصق العجين بها. وبعد تسويته يتم توزيعه في الهواء الطلق ليجف، ثم يتم تكسيره إلى رقائق صغيرة، وقبل الإفطار بساعات تقوم ربة المنزل بمزجه بالماء البارد وتحليته بالسكر حسب الرغبة، ووضع قطرات الليمون عليه أو العصائر الطازجة.

أما في حلايب فإن مشروبًا يُطلق عليه «الجبنة» مصنوع من البن الأخضر الممزوج بحبات القرنفل والحبهان، يُعد المشروب المفضل في وقت الإفطار وحتى السحور، ويجري تصنيعه بأدوات خاصة للحصول على النكهة المميزة، ويتم تجهيزه عن طريق قلي البن الأخضر حتى يتحوّل لونه إلى الأحمر القاتم داخل إناء فخّاري، ثم يضاف إليه القرنفل والحبهان أو الزنجبيل، وبعدها يضاف السكر إلى كوب «الجبنة» حسب الرغبة. ويعتقد الأهالى أن هذا المشروب يقوي مناعتهم ويساعدهم على تحمل الصوم لساعات طويلة خاصة إذا ما خرجوا للصيد أو الرعي.

بدائل صحية

وعمومًا، يحرص المصريون على تناول هذه المشروبات رغم أن الإفراط في شربها يؤدي إلى ارتفاع نسبة السكر في الدم، لذا كان من الضروري البحث عن بدائل أخرى لها نفس القيمة الغذائية وتمنح الجسم انتعاشًا وحيوية دون حدوث زيادة في الوزن.

وفي هذا الصدد، تقول خبيرة التغذية، الدكتورة مي منصور: شهر رمضان يعد الوقت الأمثل لتناول المشروبات الرمضانية المميزة، إلا أنها تحتوي على سعراتٍ حرارية عالية تزيد الوزن عدة كيلوجرامات في نهاية الشهر، كما أنها تجعل الجسم في حالة عطشٍ دائم نظرًا لما تحتوي عليه من سكريات عالية، خاصة أن بعض الناس يقبلون على شراء مساحيق المشروبات المحلاة بكمية كبيرة من السكر والتي تحتوي في مكوناتها أيضًا على ألوان اصطناعية ضارة، فضلًا عن أن بعضها يفقد قيمته الغذائية نتيجة التخزين السيئ والتعرض لأشعة الشمس القوية.

وترى منصور أن الحل يكون في الاستعاضة عن هذه المشروبات ذات المكونات الاصطناعية بأخرى طبيعية، مثل عصير الجزر الطبيعي الذي يحتوي على كمية كبيرة من الألياف والفيتامينات، كما تمنح الجسم انتعاشة تدوم حتى وقت السحور، خاصة إذا تم مزجه بالبنجر، وكذلك عصير الليمون بالنعناع فهو من المشروبات المفيدة التي يمكن تناولها في وجبة الإفطار نظرا إلى غِناه بفيتامين (سي) والألياف، ويمكن إضافة ملعقة من عسل النحل عليه ليمنحنا الطاقة بعد يوم شاق.

وترى أن منقوع التمر مع الحليب يمنح الجسم الطاقة التي يحتاجها ويحافظ على مستوى السكر في الدم، خاصة إذا كان الحليب منزوع الدسم، لذا يمكن نقع حبات من التمر المكسّر في كوب من الحليب منزوع الدسم وتخميره لمدة 12 ساعة والبدء بتناوله في وجبة الإفطار.

وتنصح بضرورة تقليل تناول المشروبات المحلاة في رمضان قدر الإمكان تجنبًا للشعور بالعطش خلال ساعات الصوم، ويمكن أيضًا تحضير مشروبات رمضان بشكل أكثر توفيرًا من خلال تقليل الكمية المُحضّرة منها، خاصة أن أغلبها يتم إهداره ورميه، كذلك عدم تناولها يوميَا واستبدالها بالعصائر الطبيعية غير المحلاة.

مخاطر لا تنتهى
ويتفق معها خبير التغذية الدكتور أحمد حسنين قائلاً: من الضروري تناول العصائر الطبيعية غير المحلاة في شهر رمضان أو حتى التقليل من المشروبات الرمضانية المختلفة قدر الإمكان خاصة المساحيق سريعة الذوبان، لأنها تسبب أمراضًا خطيرة مثل الفشل الكلوي، والفشل الكبدي، مشيرًا إلى أن الصبغات الموجودة في هذه النوعية من العصائر هي نفسها الصبغات المستخدمة في الملابس، ما يؤدي بدوره إلى تلف المعدة وتدميرها بشكل كامل. والبديل الصحي الآمن هو تناول عصائر الفاكهة الطبيعية أو الطماطم والجزر منخفضة السكر والسعرات الحرارية، فهي تعد مشروبات صديقة للصائمين على موائد إفطارهم في رمضان.

نقلا من عدد أخر ساعة بتاريخ 5/4/2023

أقرأ أيضأ : «مشروبات رمضان».. العرقسوس بين الفوائد الأضرار