عبقري الكوميديا نجيب الريحاني يغرد فـي ذكرى ميلاد موسيقار الشعب

 سيد درويش
سيد درويش

عندما نحتفل بالذكرى 131 لميلاد خالد الذكر موسيقار الشعب سيد درويش الذي بعثت به العناية الإلهية في 17 مارس 1892، وانطلقت أولى نغماته بصرخة الميلاد في حى كوم الدكة، فنجدنا مدفوعين نحو الكلمة التي ألقاها عبقرى الكوميديا نجيب الريحاني في ذكرى ميلاده بجمعية أصدقاء فنان الشعب سيد درويش، فألقى كلمة سجلتها الإذاعة المصرية يقول فيها:

« ورطوني جماعة أصدقاء سيد درويش أني أقول كلمة في مناسبة تخليد ذكرى ميلاده، اتحيلت عليهم يعفوني مفيش فايدة، يا ناس بلاش عند، لأ.. لابد، قفلت على روحى ورصيت صحيفتين بالفصحى طلعوا تشكيلة مش بطالة فيها أشعار وشوية سجع متنقيين، اتكيفت منهم وحبيت اتمرن قبل ما ألقيهم عليكم، أقول لكم الحق استتقلت دم روحى، وقلت اتكلم يا واد بالبلدى ويا إما كده يا بلاش، فقالوا لى إما كده، خلاص إما كده».


«سيداتى آنساتى سادتى.. سيد درويش الله يرحمه ويرحمنا من بعده، كان روح هايمة على وش الأرض، غير مستقرة، روح بتستعجل أيامها في الرحيل من الحياة، كأن الحياة دى حمل تقيل وعايزة تتخلص منه، كأنه ضيف على الدنيا غريب ومشتاق يروح لموطن تانى، كأن الموت ميغبش أبدا عن باله، كان يفتكره حتى في مجال المرح والسرور، وأهدانى مره صورته وكتب لى تحتها «من ميت يُهدى إلى أموات»، وذكرياتى معاه طويلة، ذكريات فيها الود والأخلاص والمشاحنات والرضا والعياط، أذكر مرة كنا على خلاف وصل لحد الخصام وأراد صديق يصالحنا فجمعنا فى بيته وابتدينا نتعاتب بزعيق وشخط وتطورت الخناقة لمشادة مكانش ناقص فيها غير أننا نقوم نمسك فى خناق بعض، وعلى غفلة عصفور الكنارية اللى كان فى القفص ابتدا يزقزق، وعقل الشيخ سيد زقزق وياه، فقام منطور وافتكرته بيدورعلى حاجة يحدفنى بيها، فحط ايده على زر النور وراح طافى الكهربا وخد العود وهات يا غنا، فاتت علينا نصف ساعة واحنا سارحين بنسمع كأننا متبنجين، وعلى غفلة قام ونطر العود، بصيت فى وشه لقيته كله دموع، اقول لكم الحق، نزلت دموعى انا كمان معرفش ليه، قمت بوسته وطبطبت عليه وقلت له الحق على يا سيد، مع ان الحق كان عليه، وخرجنا ليلتها حبايب مفيش كده، وفى مسافة نص ساعة تانيه، شبكنا فى خناقة جديدة، ندهت على عربجى وقلت له اطلع يا سيد فقال لى «على فين»، قلت له على بتوع العصافير، اشتريلى غراب يمكن يصلح بينى وبينك»


«الله يرحمك يا سيد، كنت إنسان غير كل الناس، عرفته وقدرته قبل ما أشوفه، سمعت له لحن كان مطلعه «انا رأيت روحى فى بستان»، استلفت نظرى وشفت فيه لون تانى غير اللى كنا بنسمعه، حسيت إن واحد نقلنا من عالم نايم همدان لمحيط تانى كله نشاط وصحة ونور، اهتميت بأنى أشركه فى اعمالى، فجه «سلاموا عليكم»، قلت «عليكم السلام، نعم؟» قال «انا السيد درويش»، قلت «أنت.. مش ممكن؟»، قال «مش ممكن أزاى»، فقلت «بقى اللى يعمل اللحن الرقيق اللى سمعته يكون بالجسم الطويل العريض ده»، قال «هو الملحن عندكم بالميزان.. عايزين ملحن عيان بالسل.. سلام عليكم»، جريت وراه «تعالى هنا.. عليكم إيه»، قعدته واتكلمنا فى الاتفاق، ولحن لى أول رواية «ولو»، الرواية طلعت من هنا وفلوس الناس طلعت من جيوبهم، والشوارع مطرح ما تمشى ما تسمعش إلا «الحلوة دى قامت تعجن فى الفجرية»، و«يهون الله على السقايين»، وكان الشيخ سيد عاملى ألحان تطرب وتكسر إيدين المتفرجين، لدرجة ان أم كلثوم وعبد الوهاب لو طلعوا أيامها كانوا لقوا مزاحم جامد يجيبهم الأرض، وشىء فشىء نظرتى لسيد اتغيرت خالص، روحه الشفافة الرقيقة طغت على جسمه الجامد الجبار، بقيت أطمئن له كأن اللى قدامى طفل بريء سليم النية، يفرح بكلمة ويزعل من كلمه، ويحب الضهر ويكره بالليل، وكل ده إحساس صادر عن روح محبوسة عايزه تنطلق من قيود الجسد، بتئن وتصرخ وتثور بلغتها هى، لغة الأرواح، لغة الموسيقى».

ذكرى سيد درويش

«طولت عليكم، لكن مكنتش أقدر أفوت ذكرى سيد درويش من غير ما أقوم بواجبى كأخ وصديق وزميل، ولو بكيفى اقعد اكلمكم عنه طول الليل، لكن عيب أشد اللحاف كله من ناحيتى، ومن الذوق أخلى غيرى كمان يدفى، احب قبل ما نفارق بعض، اعبر لكم عن احساسى بالفقد لما كنت أسمع سيد بيغنى لحن، نفس الفكرة، مش إعجاب بصوت رخيم، لأ، امتنان وشكر وفخر وهزة غرورعنيفة تجعلنى أعتز بمصريتى، وكأنى شايف الأجانب بعد ما سمعوا الألحان دى وهمه بيقولوا مين العبقرى ده.. الله يرحمك يا سيد ويديلك فى جناته الجزاء العادل اللى استحقيته فى الأرض ولا نيلتوش من أهلها».

اقرأ أيضا :- ذكرى ميلاد عبقري الموسيقى .. سيد درويش