جريمة قتل.. بسبب شقة «إيجار قديم»

الضحية
الضحية

آمال فؤاد 

 كثرت في السنوات الأخيرة خلافات ومشكلات الإيجار القديم؛ نتيجة رغبات  بعض ملاك هذه العقارات القديمة إنهاء عقود هذه الإيجارات المؤبدة بمبالغ مالية ضئيلة لا قيمة لها بالنسبة لأسعار الشقق التمليك والتي يصل ثمن الشقة الواحدة إلى ملايين الجنيهات بالنظر إلى وجود أغلب هذه المباني القديمة في أحياء راقية أو تاريخية، ومن هنا تبدأ الخلافات والمشكلات تتفاقم بين المالك أو ورثته وبين المستأجر أو وريثه أيضا، تمامًا مثلما حدث في الواقعة التي بين أيدينا؛ التى جرت أحداثها في منطقة امبابة، بطلها شاب في عمر الزهور راح ضحية لتعرض مالك العقار له ولأفراد اسرته المكونة من 7 افراد،الخلافات كانت على قيمة الايجار القديم وهو مبلغ بسيط يدفعه المستأجر، مقابل محاولات «تطفيشيه» بصور متعددة  منها تعدي بالألفاظ والشتائم «حتى تطورت الأمور ووصلت الى جريمة قتل،التفاصيل ترويها السطور التالية.

أسئلة كثيرة دارت في عقولنا ونحن في طريقنا إلى مسرح الجريمة؛ ما الأسباب التي دفعت الجاني لقتل المجني عليه؟!، بلا شك كنا أمام جريمة تختلف دوافعها عن أي واقعة أخرى.


كانت بداية المأساة عندما تلقى قسم شرطة المنيرة بلاغًا من مستشفى امبابة العام بوصول شاب يحمله شقيقه بين يديه غارقا في دمائه، يصرخ يستغيث بالطوارئ ظنًا منه انه على قيد الحياة، وفور وضعه على التروللي وعقب إلقاء الكشف الطبي عليه بواسطة الطبيب، تبين انه  فارق الحياة، والسبب هي مشاجرة دارت بينه وصاحب العقار المقيمين فيه  بسبب الخلاف على الايجار القديم حتى سقط شقيقه غارقا في دمائه، وفر الجاني هاربًا، وفور ذلك  انتقل فريق من رجال المباحث الجنائية إلى المستشفى محل البلاغ، وعقب وصولهم تبين صحة الواقعة، فالجثة لشاب في العقد الثاني من عمره يرتدي كل ملابسه مسجى بقسم الطوارئ بجسده عدة طعنات بسلاح ابيض «سكين «،  بجواره شقيقه في حالة انهيار.
كشفت التحريات الأولية من خلال مناقشة شقيقه عن الحادث، والذى افاد بأن شقيقه المجني عليه يدعى»يوسف،ط»  26 سنه يعمل «بائعا»، وأن صاحب العقار «ع،م» 35 سنه طعنه بسكين لخلافات قديمة بين المجني عليه وأسرته وبين الجاني في محاولات منه «لتطفيشهم» من البيت بشتى الصور وتطور الأمر إلى حد قتل شقيقه الشاب.

قررت النيابة العامة انتداب الطب الشرعي لإجراء الصفة التشريحية لبيان سبب الوفاة  وسرعة استخراج تصريح الدفن، كما انتقل فريق البحث إلى مكان الحادث محل البلاغ، وانقسم إلى فريقين، فريق تولى معاينة مسرح الجريمة محل البلاغ، وفريق تولى سماع شهادة شهود الواقعة وتفريغ الكاميرات المحيطة بمكان الجريمة؛ حيث اكد شهود عيان الواقعة أن السبب الحقيقي وراء ارتكاب هذه الواقعة محاولات  من الجاني لتطفيش المجني عليه وأسرته من الشقة محل سكنهم، ولكن مع الأسف انتهت بجريمة قتل بشعة راح ضحيتها شاب في عمر الزهور لا ذنب له في شيء، وتوصل رجال الامن عقب تفريغ بعض الكاميرات المحيطة إلى ملابسات الواقعة.

تفاصيل الواقعة
ما الذي دار في البداية وانتهى بجريمة قتل في النهاية؟!
في صباح يوم الواقعة كان المجني عليه يجلس على سلم العقار أمام شقته المقيم بها مع اسرته الكبيرة،يدخن سيجارته و اثناء ذلك نزل «الجاني» من شقته التي يسكنها وبصحبته طفلته لتوصيلها إلى المدرسة،تراشق الطرفان بالالفاظ، ولأن الجاني صاحب العقار صرخ في وجه المجني عليه طالبا منه ألا يجلس على السلم، في المقابل لم  يهتم المجني عليه المستأجر بكلامه، ولم يرد عليه، مما اثار غضب المالك وتوعده بعدما يقوم بتوصيل ابنته للمدرسة،  وعقب ذلك بساعات قليلة عاد الجاني محاولا استفزاز المجني عليه بالألفاظ والشتائم الخارجة  حتي تطور الامر لمشاجرة بينهما وعلى اثر ذلك أخرج الجاني  سلاحه الأبيض «سكين»من ملابسه وطعن المجني عليه في صدره،حاول الأهالي فض الشجار ولكن سقط جارهم غارقًا في دمائه وفور ذلك فر الجاني هاربًا بعدما ادرك أن المجني عليه قُتل.

حيلة مكشوفة
ما فعله الجاني بعد ذلك ينطبق عليه المثل الشعبي  الشهير (ضربني وبكي وسبقني واشتكي) بعدما قتل الجاني المستاجر الشاب خشي من أن يجد نفسه متهمًا بتهمة تقوده إلى السجن، لجأ الى حيلة مكشوفة لإخفاء جريمته المروعة؛ توجه  بنفسه إلى قسم الشرطة وحرر محضرا ضد «المجني عليه» يتهمه بالتعدي عليه بالضرب ظنًا منه أن ما فعله سوف ينطلي على رجال المباحث حين يصلهم بلاغ بالجريمة، وفي نفس التوقيت تبلغ الى قسم الشرطة سقوط الشخص الذي جاء الجاني للابلاغ عنه وتحرير محضر ضده،  جثة هامدة على إثر مشاجرة دارت بينه والجاني  لخلاف قديم على قيمة الايجار القديم ورغبة الجاني في طرده من العقار، على الفور تحفظ رجال الشرطة عليه واحتجازه، وتحرر محضر بالواقعة، وتولت النيابة التحقيق، ووجهت له تهمة القتل العمد وامرت بحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيقات.

قال والد»المجني عليه»: كانت بداية المشكلة منذ عامين  وسببها طردنا بشتى الطرق المختلفة من البيت رغم علمه أنه لا مأوى لنا سوى هذه الشقة التي تأوي 7 أفراد، كان يريد طردنا كي تسكنها ابنته التى تقيم في منطقة أخرى، ويتساءل الأب في آسى بعدما فقد ابنه في غمضة عين؛ ما ذنبنا، فنحن نقيم في هذا العقار منذ 29 عاما بعد ابرام عقد ايجار قديم «مفتوح»مدته 59 عاما مع والد «المتهم» والايجار الشهري المحدد وقتها كان 100 جنيه، ورغم ضآلة المبلغ بأسعار الآن كان كبيرًا علينا وقتها، عشت بالعقار وانجبت 7 أبناء وانه  وزوجته وابنائه في حالهم، والعقار مكون من 7 طوابق يقطنه سكان اخرين بعقود مفتوحة أيضا.                                                                                                                                                                                                                                       

يصمت الأب قليلا ويتذكر قائلا: أنه في السنوات الأخيرة حاولوا طردنا ولكن  بشكل غير مباشر؛ يفتعلون المشكلات مع زوجتي وابنائي لأسباب تافهة، ومع إصرار أسرة الضحية بعدم الخروج تطورت تلك المشادات الى شجار آخرها في صباح يوم الواقعة، وقال الأب: رغم انه على «المعاش» الا انه ظل يبحث عن عمل من اجل لقمة العيش واستطاع أن يعمل في أحد المصانع بمنطقة أكتوبر، وانه صباح يوم الحادث وهو في عمله هاتفته زوجته واخبرته بأن صاحب العقار يتشاجر مع نجله، فأخبرها بأنه ضاق صدره من كثرة المشادات والشجار الدائم بينهما، فترك عمله وحضر على الفور الى المنزل لكن وجد ابنه قد فارق الحياة، وزوجته وابناؤه في حالة يرثى لها من الحزن والألم.
«ابني كان في حضني»

أما الام المكلومة فبدأت حديثها عن ضناها الذي فقدته في غمضة عين قائلة: «طعنه الجاني بسلاح الغدر في صدره، كنت  احاول اكتم الدم الذي ينهمر منه بالايشارب  الذي على رأسي ولا قلبي ولاعقلي مصدق ما شهدته عيني، مرت عليّ لحظات مؤلمة وأنا احضن جسد ابني كنت فاكراه مغمى عليه وهيفوق بعد شويه، ابني معروف عنه السمعة الطيبة وجميع المحيطين به في المنطقة المقيمين بها يحبونه لشهامته، ولوقوفه بجانبهم في أوقات الحزن والفرح ويشهد الجميع على طيبته وحسن سلوكه ورجولته مع والده من اجل مساعدته على تربية أشقائه.
تصمت الأم قليلا وتقول بدموع تسبق كلماتها:وقت وقوع الجريمة سمعت شجار واصوات عالية والجيران اخبروني بأن صاحب العقار يتشاجر مع نجلى، فأسرعت وقلبى يرتجف خوفا على نجلى «المجني عليه» فوجدت ابنى مطعنونا والدماء تنهمر من جسده، ظللت أضغط  على الجرح لوقف النزيف، ولكن الموت اسبق من الجميع ومات نجلى بين يدي، وحمله شقيقه وبعض الجيران وتوجهوا به الى المستشفى على امل انه لا يزال حيا، لكنه لفظ أنفاسه الأخيرة وترك قلبى يمتلئ بالحزن والاسى على فراقه.                                        

قانون جديد
وعقب  الدكتور سعيد عبد الصادق أستاذ علم الاجتماع على هذه النوعية من الجرائم قائلا:في مثل هذا النوع من القضايا  يرى المالك ان العائد من الايجار القديم ضعيف جدا ومن وجهة نظره ورؤيته أن العقار هو مصدر رزق له والاستثمار الذي يحقق له متطلباته ويحقق له الربح الذي يطمح اليه او أن الشقة حقه وميراثه من والده، فيكمن بداخله حالة من الغضب ولم يجد حلا غير مناوشة السكان  ومحاولة إخراجهم لان لديه طموح واحتياجات لا يستطيع الايجار القديم تغطيتها أو حتى تغطية جزء منها لضعف العائد المادي الذي يعود عليه، وفي نفس الوقت المستأجر في مشكلة فلن يجد شقة بنفس إيجار الشقة التي يسكنها،وللأسف نرى بعض الملاك يتبعون اساليب ضد القانون والأخلاق، لطرد أو تطفيش المستأجرين، كما أن هناك كما في جريمتنا هذه بعض الملاك يميلون للعنف وسلوكيات عدوانية والمشكلة أن القانون لا يحمي المستأجر، فلابد من حل قانوني يعطي حقوق الملاك والمستأجرين ايضا لكي نقلل من الخلاف والمشكلات وحدوث هذه النوعية من الجرائم.

نقلا من عدد أخبار الحوادث بتاريخ 6/4/2023

اقرأ أيضا : قرار جديد من النيابة بشأن المتهمين بقتل سائق توك توك بالإسماعيلية