العلماء: فاتحة لانتصارات المسلمين بشهر الرحمات والصبر

فى ذكرى غزوة بدر.. قلة العدد والإمكانيات ليست عائقًا لتحقيق الأهداف إذا توافرت الإرادة

الشيخ عبد التواب عبد الحكيم قطب
الشيخ عبد التواب عبد الحكيم قطب

تعد غزوة بدر مفخرة فى تاريخ الأمة الإسلامية ومجدًا من أمجادها ومحطة مليئة بالعبر والعظات، التى تتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل من هذه العبر شباب بدر الذى عاشوا لنصرة دينهم ليفوزوا بوسام المغفرة من رب العزة.

قدوة لأجيال اليوم فى التضحية والإصرار يجب الاقتداء بها

قال تعالى: «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ»، وفى ذكرى غزوة بدر نقدم صورة عن شباب بدر ليقتدى بهم شبابنا اليوم فى حب نبيهم ودينهم ووطنهم.

يقول الشيخ أحمد شهاب من علماء وزارة الأوقاف: إن كل من شارك فى غزوة بدر من الصحابة له المكانة اللائقة بالذكر الحسن فى الدنيا والفوز بالجنة فى الآخرة ولكن أذكر الشباب؛ لأن الشباب كان لهم دور عظيم فى غزوة بدر فى دفاعهم عن دينهم ووطنهم يستحقون عليه وقفة إجلال وتعظيم.

ويضيف :غزوة بدر تعد من الغزوات الفاصلة فى تاريخ الإسلام وقد عرفت فى القرآن بيوم الفرقان لأن الله فيه فرق بين الحق والباطل قال تعالى:».. وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَىٰفقد وقف الشباب فى هذه الغزوة موقف البطولة والفداء وموقف التضحية، وقفوا حبا لله ولنصرة رسوله صلى الله عليه وسلم فتحملوا السيوف فى صدورهم والنبال فى نحورهم وكان الموت أحب إليهم من الحياة، ومن ذلك ما رواه سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه قال: رأيت أخي عمير يتوارى عن الناس يوم بدر فقلت له: مالك يا أخى قال: أخشى أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني وأنا أحب الخروج فى سبيل الله لعل الله أن يرزقنى الشهادة. فلما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم استصغره فرده فبكى وتوسل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فأجازه أن يخرج معه يقول سعد رضي الله عنه كنت أحمل له حمائل سيفه لصغر سنه فقاتل فى الغزوة حتى قتل واستشهد وهو ابن ستة عشر عاما.

وهناك نماذج أخرى من هؤلاء الشباب القدوة فى هذه الغزوة وغيرها تملأ كتب السيرة ولذا وضع النبى صلى الله عليه وسلم وسام شرف على صدر من شارك فيها صغارا وكبارا فقال صلى الله عليه وسلم عن أهل بدر: «اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة».

وأؤكد أن الشباب اليوم هم الفئة المستهدفة من الأعداء لأنهم مستقبل الأمة؛ لذا على الآباء المربين والمعلمين ووسائل الإعلام الاهتمام بالشباب وتقديم العون لهم وإبراز هذه النماذج الطيبة؛ ليقتدوا بها فى حب أوطانهم ودينهم بعيدا عن الشعارات الزائفة وحمايتهم من السقوط فى الانحراف والرذيلة، فليس كل ما يأتى من الغرب خيرًا وعلينا أن نأخذ الملائم لعاداتنا وتقاليدنا وديننا واجتهاداتهم واختراعاتهم أما غير المناسب فلا نأخذ منه شيئا حماية لهويتنا.

اقرأ أيضًا | بمشاركة النبي محمد..غزوة بدر معركة تحول فيها الإسلام من الهوان إلى القوة

ويضيف الشيخ عبد التواب عبد الحكيم قطب وكيل الأزهر الأسبق أن غزوة بدر كانت فاتحة لانتصارات المسلمين وقد وقعت فى نهار يوم 17 من شهر الصبر والرحمات شهر رمضان، وهذا يدل على أن الصيام ليس عائقا أمام الإرادة القوية لتحقيق ما تصبو إليه فى جميع المجالات، رغم قلة الامكانيات والعدة والعتاد، فقد خرج من المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، منهم من الأنصار بضع وأربعون ومائتان، ولم يكن معهم إلا فرسان، وسبعون بعيرًا يتعاقبون على ركوبها بينما خرجت قريش حاشدة كل طاقتها، ولم يتخلف منهم إلا القليل، وبلغ عددهم نحو ألف مقاتل، ومعهم مائتا فرس يقودونها.

ثم التقى الجيشان فى معركة كبيرة، وأمد الله سبحانه وتعالى المسلمين بالملائكة يوم المعركة، قال تعالى: «إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ «وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ». وبعد المواجهة قتل من المشركين سبعون رجلا، منهم الذين بَينَ صلى الله عليه وسلم مصارعهم من أهل بدر بأسمائهم قبل المعركة، ما أخطأ أحد منهم الموضع الذى حده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من بين القتلى عدد من زعماء قريش، منهم: أبو جهل، عمرو بن هشام، قتله معاذ بن عمرو ابن الجموح، ومعاذ بن عفراء وهما غلامان، وأجهز عليه عبد الله بن مسعود، وأمية بن خلف، قتله وابنه عليًا بلال بن رباح، مع فريق من الأنصار وغيرهم. وأمر صلى الله عليه وسلم بسحب قتلى المشركين إلى آبار ببدر، فألقوا فيها، وكان عدد الأسرى من قريش سبعون رجلا، وفر بقية المشركين، لا يلوون على شيء، تاركين وراءهم غنائم كثيرة فى أرض المعركة، ودفن صلى الله عليه وسلم شهداء المسلمين، وهم أربعة عشر شهيدًا.

ويوضح الشيخ عبد التواب الدروس المستفادة من غزوة بدر ومنها أنّه لم يُؤذَن لرسول الله بالقتال إلّا بعد صبرٍ طويل على أذى قريش من سخرية، وافتراء، وتآمر على قتله، فكان لا بُدّ من القضاء على الباطل؛ ليَتخلّص المسلمون من أذاهم، وليتمكّنوا من نشر دعوة الإسلام، وقد كان لهذه المعركة الكثير من الدروس، والعِبر، ومنها أن الروح المعنويّة العالية للجيش، وسُموّ الغاية من القتال من أهمّ الأسباب التى لها الأثر البالغ فى تحقيق النصر؛ فالعدد والعُدّة وحدهما لا يُمكنهما ضمان ذلك، وكذلك يجب على القائد عدم إجبار جيشه على خوض المعارك، بل محاورتهم، والاستماع إليهم. ويجب على القائد أن يتقبّل حرص جنوده على حياته؛ فبقاء القائد حيًّا يَدعَم نجاح المعركة. وأن الله يُؤيّد عباده المؤمنين فى معاركهم بجُند من عنده، كالملائكة، والمطر.