بداية

علاء عبدالكريم يكتب: خطة لقتل أحد ملوك الجان

علاء عبدالكريم
علاء عبدالكريم

..لست ضد الفكر الإسلامي كأحد فروع المعرفة، ولكن أن يتحول هذا الدين النقي على أيدي جماعات الإسلام السياسي إلى تقديس الماضي في كتب التراث المحرفة التي يعتبرونها تراثًا مقدسًا واستبدال العلم بالدجل، والتنجيم والتعزيم والرقي والتمائم وسائر أعضاء هذه الأسرة غير الكريمة من أدوات الجهل؛ فهنا نكون أمام قمة اللامعقول واللاعلم واللامنطق.

وبرغم أن الدين والعلم لا يجب أن يطغى أحدهما على الآخر، استهدفت جماعات الماضي الأصولي عقول الشباب بمعسول الكلام، ومخاطبة عواطفهم الدينية، مستخدمين في ذلك – تحديدًا مع مطلع السبيعينات المساجد – ولنا في مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية، وهو من أهم مساجد المدينة الساحرة والذي يميزه مئذنته الطويلة الرشيقة خير شاهد على احتلال السلفيين باحته ورصيف محطة الترام المسماه باسم الجامع بكتب التكفيريين من أمثال قطب والتراث والدجل من عينة العلاج بالقرآن؛ فإذا كانت مثلًا علة الشفاء من مرض ما هو أن يُزال هذا المرض بالدواء، كانت هذه العلة عند السلفي صاحب الماضي الطائفي الظلامي عفريتًا سكن الجسد العليل، والشفاء من المرض إنما يكون بطرد هذا العفريت بآيات من القرآن وأقوال تقال وبخور يُعطر جو المكان ويطهره من الكائنات الشيطانية- والزوايا التي انتشرت بالآلاف في كل حي وشارع وزقاق بمصر، وشرائط الكاسيت والكتب المتشددة المكتوبة من أزمان غابرة في تقديم خطاب ديني عاطفي يناغم أحلام العوام مع الوعد بالجنة والحور العين؛ فـ بفضلهم دخل السحر عاملًا من عوامل المسير والمصير.

مؤكد أن ديننا ورسولنا الكريم بريئان من هذه السخافات؛ فما فعله دجال الجيزة، ما هو إلا امتداد لفكر ظلامي غارق في مستنقع الجهل نجح في عمل «فوبيا» لدى الباحثين عن الثراء بزعم العثور على كنز أثري أسفل بيته؛ القصة أو المأساة الصارخة بدأت بتلقي مديرية أمن الجيزة منذ أيام قليلة مضت إخطارًا من قسم شرطة الجيزة مفاده تلقيه بلاغا من سيدة تدعى «ز.ع.ا» ربة منزل، تتهم زوجها بالاستعانة بدجال لاستخراج آثار من أسفل المنزل، واغتصاب ابنتها «ف.أ.م»، بدعوى تحضير الجن، وبإجراء تحريات مباحث القسم تبين صحة الواقعة، حيث أن الأهالى أوهموا والد الطفلة بوجود آثار أسفل المنزل وطلبوا منه الاستعانة بأحد الدجالين لمساعدته على استخراج الآثار، وحينما حضر الدجال طلب من والد الطفلة إحضارها لتحضير الجن عليها، ومن ثم أخبره الدجال أن الجن يأمره بمعاشرة ابنته الصبية وإقامة علاقة جنسية معها مقابل فتح المقبرة الأثرية واستخراج ما بها من آثار، وكانت المفاجأة بموافقة الأب الذي أحضر ابنته البالغة من العمر 16 عامًا وقدمها للدجال لقمة سائغة سامحًا له بانتهاك جسدها وهتك عرض طفلته أمامه، وبعد القبض على الأب والدجال وبمواجهتهما بأقوال الأم اعترفا بالواقعة بحجة أنها «أوامر الجن»، وتم تحرير محضر برقم 3690 جنح قسم الجيزة، وأمام النيابة العامة أدلت الطفلة المجني عليها بالتفاصيل الكاملة للجريمة حيث قالت المسكينة التي لا حول لها ولا قوة؛ إن والدها أقنعها بوجود آثار أسفل المنزل وأن المتهم الثاني أقنعه بضرورة الاستعانة بابنته القاصر لمساعدته في تحضير الجن وفتح المقبرة الأثرية مشيرًا إلى أن الجن يطلب قربان «بكارة بنت صغيرة» واضافت: «فوجئت أن ابويا بياخدني من ايدي يوديني للراجل ده وسابني معاه وخرج، لقيته فجأة جردني من ملابسي بعد ما خوفني بحكاية الجن مقدرتش اتكلم وانتهك جسدي وفض غشاء بكارتي، وابويا كان واقف أمام الباب وعارف كل اللي بيحصل وساكت»، المفارقة القدرية هنا أن والد الفتاة الصغيرة المتهم فارق الحياة داخل حجز قسم شرطة الجيزة لمعاناته من عدة أمراض، وفي نهاية التحقيقات قررت النيابة عرض الطفلة على الطب الشرعي لتوقيع الكشف الطبي عليها وبيان مدى تعرضها للاعتداء الجنسي من عدمه، كما قررت حبس الدجال 4 أيام على ذمة التحقيقات.

وهو نفس المزاج السلفي البائس المصاب بانسداد تاريخي الذي سيطر على عقول الملايين في الشرق المسلم، وجعل أب بلجأ إلى دجال يتوافد عليه المئات بإحدى القرى لعلاج ابنته من مرض في عينيها وتسبب في النهاية في فقد بصر طفلته، والأمثلة كثيرة لا حصر لها؛ تؤكد في النهاية أن تراثنا الذي نقرأه في الكتب الغابرة ويمتلئ بكثير من الخرافات قد سرى في عروقنا سريان الدم في العروق، وما كان ليفعل هذا التأثير لو وجد الموانع والضوابط؛ فما زلنا إلى اليوم نستضيف الدجالين وأصحاب اللحى إلى بيوتنا لتخليص فتاة من جن – لبسها أو مسها – مع أن الواجب أن يكون مكانها الطبيعي هي عيادة طبيب نفسي، وما زلنا في نهاية كل سنة ميلادية نجد المحطات على شاشات التليفزيون تتسابق لاستضافة قارئات التاروت – وهي أوراق لعب اخترعها الغرب في نهاية القرن الرابع عشر، ومن فرط سذاجتنا صدقنا أن دجلهم هذا «علم».

مع الأسف كنا أمة عظيمة وصلت للقمة بفضل علمائها واكتشافاتهم في الطب، والكيمياء، والجغرافيا، والتاريخ، والفلسفة، والمنطق، ونقل عنا الغرب الذي كان مستغرقا وقتها في التخلف والهمجية، صرنا الأن نلهث وراء الدجالين، «مثل الدجال الذي اقنع ضحيته، بأنه دون فصد قتل أحد ملوك الجن وهو نائم، فحق علينا أن نرتب لك جنازة حتى نخدع أفراد القبيلة من الجن أنك مت»! فـإذا أردت أن تعرف متى ظهر التحرش بالمرأة، وزواج القاصرات، والفتنة، والدجل، والإرهاب؛ فتش عن جماعات الإسلام السياسي.