عصير القلم

لا تحرق مراكبك كلها

أحمد الإمام
أحمد الإمام

..يقول الملياردير الأمريكي الشهير بيل جيتس عندما توسعت أعمال شركتي «مايكرو سوفت» كان من ضمن الموظفين عندى مبرمج كمبيوتر عبقري وناجحٌ جدا في عمله، وكان يقوم بكل ما يطلبُ منه بذكاء وسرعة ودقة.
كما أنه يحقق نسبةَ إنجاز عاليةً ، لكنه كان مراوغًا إلى حد ما فقد كان يغادرُ مقرَّ عملهِ كثيرًا بدون إذن ، حتى أن إجازاتُه نفذت كلها ولم يعد لديه يوم واحد إضافي.
ذاتَ مرة تقدّم هذا الشاب بطلب إجازة ليسافر مع أصدقائهِ في رحلة خلوية

لكنني رفضت طلبه بطبيعة الحال، فعاد بعد يومين يتمارض ويطالب بإجازة مرضية.
وكنت مضطرًا لقبول الاجازة رغم أنني أعرف أنه ليس مريضًا ولكنني أردت أن أكشف كذبه بنفسي ، فذهبتُ صباحًا إلى بيته وشاهدته وهو يحمل حقيبة السفر ويستعد للمغادرة مع أصدقائه وهو في قمة الحيوية والنشاط .
كاد الموظف يذوبُ خجلاً عندما رآني أمامه وبينتُ له أنه لم يكن قادرًا على خِداعي ، وأنني لستُ بتلك السذاجة التي يظنُّها وبرهنت له أنه كاذب وعاقبته على فعلته ، لكن ماذا حدث بعد ذلك؟!
بعد أيامٍ تقدَّم هذا الشابُّ باستقالته وخسرتُ جُهده ونسبةَ الإنجاز العالية التي كان يُحققها وعجز جميع العاملين بالشركة عن تعويض غيابه.
واكتشفت انني تعاملت بغباء منقطعَ النظير مع هذا الشاب العبقري، فما  الذي استفدتُه من إذلاله وإحراجه بهذه الصورة غير الانسانية واكتشفت أنَّ بعض ما نخسره في حياتنا، يكون بسبب التضييق على الآخرين، وإغلاق كل منافذ الهروب أمامهم مما يجعل الطرف الآخر أمام خيارين : إما أن يهربَ مِنك  وتَخسر جهده  أو يتخذك عدوًا فيكيدُ لك وسيتراجع نشاطه كنوع من العناد والعقاب .. وفي كلتا الحالتين ستكونُ خاسرا»
ما نستفيده من تجربة بيل جيتس انك يجب أن تسمحَ دائما للطرفِ الآخر أن يتراجَع .. أن يهربَ بِكرامة فبعضُ المرونة مفيدة جداً.
لن تكون منتصرًا فعليًا لو كشفتَ المرء أمامكَ وأمام نفسه إلى درجة التعرية ، بحيث لا يجد بدًا من المواجهة أو الهروب فالتحلي بالمرونة أحيانًا هو ورقة التوت الأخيرة التي تسترنا وتحمينا.
الغافل ليس سيدًا في قومه ، ولكن سيد قومه هو المتغافل بمزاجه.
الأفضلُ دائمًا أن تفتحَ لخصمكَ طريقًا يخرجُ منه كريمًا فيحترمُك ، بدلا من أن تُحرجه وتهينه، فيُعادِيك ويكرهك.
لا يُشترط أن تفوزَ بكل المعاركِ فبعضُ الانتصارات تحمل في جوهرها هزيمة مستترة.
ولا تُحرق مراكبكَ كلها فقد تحتاجها للعودة الى نفس الشاطئ الذي أبحرت منه.
هذه التجربة إهداء لكل أب وأم، ولكل زوج وزوجة، ولكل مسئول في عمله.
لابد أن تكسب الجميع بنوع من المرونة والدهاء، فالتغافل الذكي والتجاوز عن هفوات الناس وزلاتهم ليس غباءً، بل هو منتهى الذكاء والفطنة.